من تكون حقا؟!

225 14 6
                                    

أَعوامُ وَصلٍ كانَ يُنسى طولَها
ذِكرُ النَوى فَكَأَنَّها أَيّامُ
ثُمَّ اِنبَرَت أَيّامُ هَجرٍ أَردَفَت
بِجَوىً أَسىً فَكَأَنَّها أَعوامُ
ثُمَّ اِنقَضَت تِلكَ السُنونُ وَأَهلُها
فَكَأَنَّها وَكَأَنَّهُم أَحلامُ

_أبو تمام_


"من أنتِ؟!"
صوته الصارم اخترق مسامعها و فوهة سلاحه على رأسها.....ذراعه الأخرى تمسك بدليلة الخائفة خلفه بكل قوة و حزم يترقب جيدا المرأة التي تمكنت من اختراق حصن منزله المنيع بتلك السهولة!

نهضت عن الأريكة و ألقت جهاز التحكم بإهمال....أمعنت النظر في وجهه بابتسامة ذات معنى لم يتكشف له في وقتها....
دارت نصف دورة حوله و سلاحه الكاتم للصوت يتبعها كظلها أو أشد دقة، و صاحبه يزداد حذرا و ترقبا....لم تكن تنوي فعل شيء بتلك الحركة إلا أنها أرادت رؤيته يرتعب في موقف أحمق كهذا بسبب امرأة عرفها منذ مدة لا تتجاوز الشهر..

أعادت غرتها الطويلة للخلف مع باقية الشعر الذي يعتبر أطول منها بكثير ثم هزت رأسها هزة خفيفة بلا معنى وأجابت أخيرا...
"امرأة ميتة، لكنك تعرفها جيدا...أنا شبح من الماضي"

بدى صوتها رقيقا خافتا على غير المتوقع و نظراتها تطالعه ببؤس لا يدري ما هو... لكنه يعبث بذكريات لا يرغب في استحضارها أبدا...
راقبها تقترب منه بشكل شديد الخطورة، لكنه فقد عزمه وارتخت عضلات ذراعه بالسلاح بلا سبب حقيقي.
وقفت أمام وجهه مباشرة وأمعنت النظر في وجهه و عينيه برهة ثم سألت بكل ما في العالم من رجاء...
"ألا تذكرني عادل؟ لا يمكنك أن تنساني"

تدحرج السلاح على الأرضية الخشبية من يده و ظهر أمامه فوق كتفي تلك المرأة الجميل وجه فتاة صغيرة تبتسم بأسنانها المتساقطة و غرتها القصيرة ترتاح على جبينها و وجنتيها..... فتاة صغيرة براقة لا شك لكنه لم يرها أبدا مجددا منذ رآها أمام منزلهم غارقة في دمائها وتلفظ آخر أنفاسها الضعيفة البريئة!!
تقدم نحوها مشدوها تماما..ينبض قلبه بين ضلوعه أسرع من سيارة دفع رباعي...كل ما استطاع التفوه به بصدق كان فقط بضعة كلمات..و يالها من حروف صغيرة كافية للتعبير عما جال بداخله...

"شيرين يا حبيبتي الصغيرة!!"
تلألأت العبرات في مقلتيه حين بسط ذراعيه واستقبل جسدها الصغير داخل صدره بين ثنايا قلبه الفارغ...
أطبق عليها بكل قوته حتى شعرت كأنها قد سُحبت لعالم آخر لا يوجد به إلا كليهما وحسب..

كانت دليلة تقف في مكانها، تطالعهم ببلاهة كما لو كانت تشاهد عرضا دراميا من نوع راقي.
لم تستغرق مدة طويلة إلا وقد عرفت و تيقنت أن المرأة التي أمامها الآن لابد أن تكون "شيرين العمري" شقيقة عادل التي حدثها الرقيب عنها و عن شكوكه حول موتها واختفاء جثمانها!
لاحظت التشابه بينها و بين الفتاة التي رأتها في الصور لكنها فشلت في إدراك سبب كونها على قيد الحياة.....فحسب تقارير قضيتها كانت قد تعرضت للاستغلال الجنسي على المدى الطويل ثم القتل عن طريق طعنها خمس طعنات!

الزهور الجنائزية || Funeral flowersحيث تعيش القصص. اكتشف الآن