بنت السلطان يا يونس، إنها حتمًا بنت السلطان الذي هام بعشقها نزار قباني ومن بعده كاظم الساهر، هي بعينها منذ وقعت عيني عليها ولا يتردد بأذني غير صوت كاظم الملتهب وهو يزعق بملئ فيه "وحلمت بأن تتزوجني بنت السلطان، تلك العيناها أصفى من ماء الخلجان" بينما يصرخ عقلي:
-أيها المعتوه أكمل الأغنية.
ولكن ذاكرتي تعاند ولا تتذكر إلا الحلم الذي يراوض الشاطر حسن بالتزوج من بنت السلطان متجاهلًا القسم الأخر بالأغنية التي يردده كاظم بحسرة تكاد تراها في صوته وهو يقول:
"ويمر العمر ولا تأتي بنت السلطان".
وها قد أتت ولكنها حتمًا ستذهب، وها قد اقتربت وعينيها الزرقاوتان تتفحصني، وددت أنني لم أوجد، وددت لو أن الأرض تميد بي فلا ترى بعينيها ما رأيته أنت بعينك يا يونس، ملابس مهترأة ونظارة مبتورة الطرف، لم أمنع نظرة الخجل إلى أسفل وهي تقول بصوت ملائكي كلمة واحدة تحمل استنكارًا واستفهامًا ورثاء:
-خالد؟!
عشقت اسمي يتثرب من بين شفتيها، بينما كرهت اسمي لاقترانه بي، فما ذنب ذلك الاسم أن يقترن بشخصي المهشم، أجبتها بإماءة من رأسي أي أنا فاستمرت في حديث وهي تدعو نفسها للجلوس:
-حدثني عنك دكتور علاء، أنت من سينقذني حتمًا من الضياع ف...
انطلقت الكلمات من فمها بينما عقلي متأخر بأعوام قبلها، لا أكاد أفقه مما تقول حديثًا فشفتاها تتحركان فتتحد جميع حواسي في النظر إليها، وتحرك شعرها فتتحد جميع حواسي في تنفس موجات الهواء الصادرة عنه، وكأن عقلي أحادي الخلية يعجز عن القيام بمهمتين في حضرتها، استمر حديثها طويلًا وأنا حائر ما بين النظر إلى الشمس أو الإبقاء على نظري منخفضًا حتى لا أفقده:
-إذن هل ستساعدني؟
تسائلت في حيرة وهي ترى الشخص الجالس قبالتها لا يستجيب:
-خالد؟!
وأخيرًا استجاب عقلي وقرر الحديث، هذا الأحمق يتركني وقت الحاجة ثم يعود وليته لا يعود:
-ليس لدي ما يكفي من الوقت، لذا لا أريد سماع صوتك حتى انتهي وإن عجزتي عن فهم جزء معين يمكنك سؤالي بعد الانتهاء.
ولم أنتظر منها إجابة بينما بدأ لساني يتحرك تلقائيًا ويدي تخط على الورق طلاسم التكامل، بينما تتحاشى عيناي النظر إليها، ولم إدرك إلا بعدما انتهيت ونظرة الإعجاب تعلو محياها قائلة:
-لا أصدق، لقد فهمت كل شيء... أنا حتى لا أحتاج لسؤالك عن شيء، وكأنك دخلت إلى عقلي وأجبت عن كل تساؤلاتي، أنا لن أدعك تفلت من يدي سأخبر عنك الجميع...
وأخرجت هاتفها وطلبت اسمًا بينما لم ترفع الهاتف إلى أذنها فقد تكفلت السماعة الصغيرة بأذنها بجعلها تسمع الطرف الآخر، والذي لا أظنه وجد وقتًا لإلقاء التحية حين بادرته قائلة:
-إنه رائع، لو كنت أنا عميد الجامعة لأمرت حالًا بتعيينه معلمًا للتكامل... لا تصدقينني، غير معقول... أحضروا لي الإمتحان الآن... إنه تحفة، تحفة...
استمرت محادثاتها من اسم لإسم، حتى أنني بدأت الشك في سلامتها العقلية، حتى لو فهمت كل شيء عن التكامل مع هذا الكم من الحديث المتواصل لا أظن أنها ستتذكر شيئًا بعد دقيقتين من الآن، أنني في غاية الحيرة كيف أنها تتذكر اسمها بعد كل هذا الكم من الكلام.
ولكن يأبى القدر يا صديقي أن يترك لي حتى النذر اليسير من الفوز بين أطنان الهزيمة، فما إن أنهت مكالماتها حتى التفتت لي وهي تخرج بضعة أوراق نقدية وتضعها أمامي قائلة:
-أظن أنني سأحتاجك في دروس أخرى، هذا لقاء مجهودك اليوم ولك عندي هدية جميلة بعد نجاحي في الامتحان.
وضعت أمامي النقود وغادرت قبل حتى أن أفعل أي شيء... لعنت نفسي وكدت أمزق النقود ولكنني أحتاجها، كم أكره ما أنا عليه وأود لو أن بوسعي ضرب رأسي في الحائط ولكنني أكثر جبنًا من أن أفعل.
***
انتهى خالد من قص ما دار معه في المكتبة التي بات يعشقها أكثر من ذي قبل، بينما يضرب يونس كفيه بعضهما ببعض قبل أن يقول مستنكرًا:
-لم أرى شخص مربع الرأس من قبل، ولكن من يعيش يرى أكثر.
انتفخت عروق جبين خالد الذي يبدو أنه سريع الغضب، بينما الكلمات تتزاحم بين شفتيه:
-وماذا تتوقع مني أن أفعل أيها الأحمق؟!
-خالد... يا صديقي الأبله، كم قصيدة تحفظ! وكم أدبًا روسيًا وإنجليزيًا وفرنسيًا وإسبانيًا وعربيًا قرأت! أما قدرت على أسر أذنيها بجملة غزل واحدة مما قرأت؟!
-غزل، أتظنني قيس ابن الملوح، أم بابلو نيرودا؟!
-أنت حتى لم ترقى لمستوى حمو بيكا.
-حمو بيكا... أتجرؤ؟!
-لم أقصد إهانتك، ولكنك تغيظني بتحفظك، حتى حينما نطقت أخيرًا تقول للفتاة التي تقول أنك معجب بها "لا أريد أن أسمع صوتك" تلك الفتاة إلم تكن في أشد حاجتها لفهم التكامل لضربتك بحقيبتها على فمك، أنا لو كنت بالجوار حينها لحشوت قبضتي في فمك مجتذبًا لسانك لأخنق به عنقك.
-هذا ما حصل.
-دعك من الغزل لماذا لم تبح لها بما يجول برأسك، بعض الفتيات تحب التلقائية.
قهقه خالد بشدة حتى أنه سعل كثيرًا قبل أن يتوقف عن الضحك قائلًا:
-البوح... البوح يا صديقي رفاهية لا يقدر عليها سوى من يملكون ثمنه، أنا لا أمتلك رفاهية البوح، من هم مثلي يتراكم الكتمان بداخل قلوبهم على أرفف تمتد من الأرض حتى السماء، أنا لا أمتلك رفاهية البوح، فرفقًا بفؤاد يخفي أضعاف ما يظهر.
أنت تقرأ
الفتاة ذات نقش التريكو
Romanceعندما يتخطى القبح ملامحنا، يفقد الجمال قيمته. ربما يكون وجهي جميلًا ولكن خلف هذا الصدر أطنان من الشروخ وأميال من التشوهات، ولكن ماذا يوجد خلف وجهك وما السر خلف نقش التريكو؟!