أول مرة أنشر أدعموني..

81 6 7
                                    

يقولون الحب أعمى.. وهو يقول اصابني العمى حين أحببت.. ولاكن ماذا يفعل.. هاهو قد أحب وحدث ماحدث.. وها هو يجلس كل يوم في حجرته ليكتب مجدداً
"أنا خالد حسني.. ثمانية وعشرون عاماً.. خريج كلية تجارة القاهرة منذ ستة اعوام.. بلدي يسمى" البهو فريك "تابع لمحافظة الدقهلية.. واليوم رفض زواجي بحبيبتي للمرة الثامنة.. ولنفس السبب.."
ثم نظر إلى الحائط.. وقام بتعليق الورقة بجوار سبعة ورقات اخريات، بدت انها علقت في أوقات سابقة..
الورقة ألاولى كتب بها اسمه وسنه وبلده وبها: "رفض زواجي حبيبتي اليوم ".. وبجوارها ورقة ثانية بها:" رفضت للمرة الثانية ".. والورقة الثالثة بها رفضه للمرة الثالثة. وهكذا حتى الورقة السابعة..
 
                                      ****
بعدها أسند ظهره للخلف ونظر للأعلى، وعادت به ذكرياته إلى ماقبل ستة أعوام مضت حين كان يدرس بلسنة الأخيرة بلجامعة.. وشاءت الأقدار أن يتعرف على (منى) ابنة بلدته، صدفة، في طريقهما من البلدة إلى جامعته بلقاهرة.. وزادت فرحته حين علم أنها تدرس بنفس الكلية في عامها الأول بلجامعة.. ومن يومها وقد تعددت صدفة لقاءتهنا كثيراً، سواء بقصد أو دون قصد...
حتى أفاق من ذكرياته وزفر زفرة طويلة حين نظر إلى ورقة كبيرة علقها على الحائط أسفل الثماني ورقات كتب عليها:" رفضت لنفس السبب.. والد منى مجنون ".

                                      ****
كان خالد إن سمع كلمة مجنون دائماً يتذكر والد منى.. ولا أعتقد انه خالد فقط بل جميع أهل البلدة.. ولكنه أكثر من عرف جنونه؛  فمنذ أن انهى دراسته وعزم على أن يتقدم للزواج من منى حتى فوجئ به ـ في أول زيارة لخطبتها ـ ينظر إليه بغرابة ويسأله:
ـ أنت عايز تتجوز منى؟!
_ أيوة
فسأله مجدداً
_ وأنت عملت إيه فحياتك؟!
فازداد وجه خالد احمراراً، واضطرب كأنه لم يتوقع سؤاله.. حتى رد:
_ عملت إيه فحياتك؟!..  الحقيقة، أنا خريج كلية تجارة جامعة القاهرة.. وحضرتك عارف إن والديً توفاهما الله وأنا صغير وعايش مع جدي.. ومعفي من جيش..  وحالياً بدور عن وظيفة مناسبة..
فقاطعه:
_ وتفرق إيه عن غيرك عشان أجوزك بنتي؟!!.
ثم أنهى المقابلة بلرفض..

                                   ****
اعتقد خالد وقتها أن سبب رفضه للمرة ألاولى أنه لم يجد الوظيفة المناسبة، ولكنه تأكد أن السبب ربما يكون غير ذلك تماماً حين وجد عملاً وتوجه لخطبة منى مجدداً.. حتى قوبل بالرفض للمرة الثانية ونفس سؤال الأب.. ماذا فعلت في حياتك..  وفيم تختلف عن غيرك.. هذا السؤال الذي لم يجد له إجابة مستوفاة حتى المرة الثامنة لطلبه الزواج، ولم يراعِ في كل مرة حب خالد لإبنته أو حب إبنته له.. حتى فاض به الكيل في تلك المرة وصاح به:
_أنا معملتش حاجة فحياتي.. أعمل إيه يعنى؟!!. عارف إنك حاربت في 73.. شايف إن ده سبب يخليك تذلنا؟!.. طب أنت عايز لبنتك بطل.. قولي أبقى بطل ازاي.. أروح أحارب بلعراق عشان تنبسط؟!!.. ثم نظر إليه، وظهر الغضب في عينيه:
_ هتجوز منى يعنى هتجوزها.. غصب عنك هتجوزها.
البلد كلها تعرف غرابة أطوار هذا الرجل.. يريد أن يزوج ابنته الوحيدة لشخص فريد من نوعه.. أي فريد هذا؟.. لا أحد يعلم.. الكل يعلم أن مصير ابنته العنوسة لاغير.. طالمة أبوها ذلك الرجل.. ومع هذا لم يطرق الاستسلام قلب خالد، ولم يعد بباله سوى هذا الشيء الذي يجعله فريداً من نوعه، ويجعله يستحق منى كما يريد أبوها.. لكن ما هو؟!.. لايعلم، فلم يجد سوى أن يتوجه بلدعاء إلى الله أن يأخذ أباها..

                                    ****
رغم أن خالد كان يتسم بخفة الظل والروح المبهجة، إلا أن حبه لمنى ورفض أبيها الدائم له، جعل الحزن وشاحاً دائماً على وجهه.. حتى لاحظ جده ـ والذي كان يقترب من عامه الثمانين، وكانا يعيشان سوياً منذ وفاة والدي خالد ـ حزنه الشديد بعد رفضه تلك المرة، واقترب منه وسأله:
_ أنت لسه زعلان؟.. انت المفروض خلاص تعودت..
رد خالد:
_ مش متخيل إني أشوفها لحد غيري.. ومش عارف أبوها عايز إيه.. مش عارف إن زمن المعجزات انتهى..
_ وانت هتقعد جنبي كده حاطط إيدك على خدك؟!
_ طب هعمل إيه؟
ضحك الجد مداعباً له:
_ لا انت احسنلك تدفن نفسك في سرداب..
فلمعت عينا خالد.. وكأنه تذكر شيئاً ما:
_ السرداب..
وأكمل:
_ جدي.. انت فاكر لما كنت صغير، وكنت لما أعيط تحكيلي عن قصة السرداب الموجود تحت بلدنا.. وإنك نزلته من أكثر من خمسين سنة؟
رد جده مبتسماً:
_ أيوة طبعاً فاكر لما كنت بتعيط.. تحب أفكرك بأيامك..
ضحك خالد
_ لا.. تحكيلي عن السرداب.. ونزولكم له..
فصمت جده متذكراً:
_ يااه.. دي أيام فاتت من زمن.. كنا أربع شبان بنحب الشقاوة.. وسمعنا كلام كثير عن كنز موجود في سرداب بيعدي تحت بلدنا.. وإن السرداب ده زمان كان مخزن كبير للأغنياء وقت أي غزو..
_ الكل كان عارف إن السرداب موجود فعلاً.. بس محدش جرب ينزله لأنه مسكون بلعفريت، وإن الي هينزله مش هيخرج منه.. بس احنا رمينا الكلام ده ورا ضهرنا.. وقلنا لازم ننزل.. كنا عارفين إن باب السرداب موجود في بيت مهجور في البلد.. وإن هناك صخرة كبيرة موجودة على الباب ده.. وفي ليلة توكلنا على الله.. ورحنا للبيت ده في السر، وقدرنا نحرك الصخرة وبدأنا ننزل واحد ورا التاني.. ومع كل واحد فينا لمبة جاز.. وبعد مانزلنا سلم طويل لقينا نفسنا في نفق.. ومشينا كام خطوة في النفق ده لحد مابقينا مش قادرين ناخد نفسنا.. وفجأة انطفت لمباة الجاز كلها في وقت واحد.. وصرخ واحد فينا: "عفريت".. وبعدها كل واحد فينا خد ديله في سنانه ورجعنا جري على برة.. وركبنا بتخبط في بعضها.. ومن وقتها ومحدش فكر إنه ينزل هناك.
فضحك خالد:
_ بس هتفضل ذكرى حلوة.. كفاية إنكم مخفتوش تنزلوا.. حتى لو أخدتوا ديلكم في سنانكم.. فعقد جده حاجبيه مازحاً:
_ متقولش لحد حكاية ديلنا دي..

                                     ****
بعدها عاد خالد إلى حجرته.. وحاول أن ينام، ولكنه لم يغمض له جفن.. يفكر كثيراً فيما أخبره به جده.. هو يعلم أن ماسمعم يبدو أسطورة.. ولاكن السرداب موجود بالفعل، وجده لايكذب قط.. ثم نظر فجأة إلى الورقة المكتوب بها سبب رفض والد منى.. أنه يريد شخصاً فريداً.. شخصاً يرضى جنونه.. وحدث نفسه.. أنه لن يتزوج غير منى وإلا فلن يتزوج.. ثم علا صوته:
_ فيها إيه لو نزلت السرداب.. إفرض كان فيه كنز موجود فعلاً..
ثم صمت، وتحدث لنفسه وكأنه شخص آخر يحدثه:
_ كنز إيه؟.. ده كلام مجانين.. متنساش إن السرداب مسكون عفاريت وأشباح.. ثم عاد مجدداً:
_ لو كنت جبان يبقى متستحقش منى.. انت عاجبك حياتك كده.. خريج كلية تجارة وشغلك ملوش أي صلة بلتجارة.. درست أربع سنين عشان تخرج تشتغل في مخزن أدوية.. ولولا إنك عايش مع جدك كان زمان مرتبك خلصان نص الشهر.. لو كنت بتحب منى إثبت لنفسك ولها إنك بتحبها فعلاً..
_ لو لقيت الكنز ده هتكون أشهر واحد في البلد دي.. لأ في مصر.. لأ في العالم كله.. لو ملقتوش، كفاية إنك حاولت..
ثم انتفض من سريره.. وأخرج صورة لمنى.. ونظر إليها قائلاً:
_ أنا هنزل السرداب ده.. هنزل مهما حصل.. وإن كان أبوكي مجنون.. فأنا أوقات كتيرة بكون الجنون نفسه..

                                     ****

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Apr 14, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

أرض زيكولا حيث تعيش القصص. اكتشف الآن