الفصل الأول: ليلي و لكن ليز
(من السهولة الحلم..
من الجميل تحقيقه..
من المؤلم رؤيته يتبعثر )
في ذلك الحي السكني على أطراف محافظة تسمى هيمنبيرج ، بين تلك البيوت المتهالكة لأناس قد يبدو من شكلهم منسيون . سُمع صوتٌ من أحد تلك المنازل الهادئة، و داخل تلك الغرفة القديمة تقف هذه الفتاة المراهقة الصهباء أمام تلك المرآة المكسورة و المستندة على أحد الجدران المتهالكة، والتي أزال الزمن من عليها لون الطلاء.
لم يحجب الفقر جمالها رغم ارتدائها ذلك الثوب القاتم و الرث، و لم يكن له ذلك السلطان ليطفئ بريق عينيها، أما الجوع ،فلم يُشحب بشرتها، ولم يؤثر على قوامها الممشوق .
و الأهم من ذلك ،لم تٌعطِ الإذن لهذه الظروف لخدش كبريائها و تحطيم ثقتها بنفسها ،بل يمكن القول أن الظروف هي التي قادتها لتنال هذا الكم الغير محدود من الإعتزاز بالنفس .
"يا لهذا الجمال الفتان! يالهذا الجمال الذي لم يعرفه انسٌ ولا جان! "
قالتها ليز بينما تنظر بكل ثقة ، وهي تتأمل نفسها متنقلةً بين وضعية و أخرى، كأنما أحدٌ ما يلتقط لها الصور .
يقاطع استعراضها دخول فتاة تماثلها السن تقريباً للغرفة ،غير أن ملامحها تختلف ،فهي سمراء بشعر مجعد ما يدل على أنهما ليستا قريبتين .
لتقول لها بنبرة مؤنبة:
- إنها الساعة الحادية عشر ، لسوف تغضب أمكِ حينما تعود لتراكِ على هذا الحال الذي تركتكِ عليه منذ مطلع الصباح .
ردت ليز بتذمر:
- أرجوكِ يا روبي ! هذه هي فقرتي اليومية المفضلة . هل يمكنكِ أن تري فراء الثعلب النادر الذي ارتديه ؟ و هؤلاء المشاهير متحلقين حولي بينما الصحافة تلتقط لي الصور يمنةً و يسرى.
- فقرتكِ التي جعلتني أطرق الباب وأنادي غير أن لا مجيب؟!
- جدارنا واحد ،فنحن جارتين ،لا داعِ لطرق الباب.
- دعينا من ذلك، ماذا عن الغداء؟
ردت ليز بغضب:
- تعساً لكِ يا روبي ! تفعلين ذلك يومياً.
لكن روبي و كأنما يئست من ليز فقالت لها ساخرة:
- لو أنكِ أديتِ عملكِ باكراً لربما استمريتي بالتقاط الصور مع المشاهير.
لكن ليز ردت سخرية روبي بسخرية مماثلة:
- كل ما لدينا هو بضع بطاطاتٍ و بصل، لن يحتاج سلقها مع القليل من الملح و الذي قد استعيره منكم سوى عشر دقائق لا أكثر .
إتكئت روبي على الباب المهترئ وقالت:
-أحلام اليقظة لن تسد جوعكِ يا ليز، كوني واقعية لذا ما رأيكِ لو خرجنا إلى البلدة بعد الغداء؟ لربما وجدنا عملاً ما.
ردت ليز عليها بغير واقعية:
- أو ربما يفتتن بي أحد الأثرياء ،ينتشلني من الفقر .
كان حلم ليز غريباً على روبي لذا حاولت إيقاضها منه حيث قالت:
- ألم تشمي رائحتك من قبل ؟! إنها تنفر الفقراء منا فما بالكِ بالأثرياء.
دافعت ليز عن نفسها بشموخ:
- هذا لأنه لا مال لدينا لتدليل أنفسنا،فلم أستطع الحصول على صابون فرنسي للاغتسال, ثم إنه لا حيلة لي مع رائحة الملابس ،والتي أرتديها منذ 3 سنوات ، هي لأمي سابقاً ،أما أنا الآن متوجهة إلى المطبخ لإعداد الغداء .
ردت روبي محذرة لليز:
-أتمنى فحسب أن لا تتسببي لي بإحراج أو تتهوري عندما نذهب للبلدة هذا اليوم ، فسوف أقابل أحد الأصدقاء ،وقد يجد لنا عملاً لائقاً.
وضعت ليز يدها على كتف روبي و قالت بحماس:
- عزيزتي أنتِ صديقتي و الوحيدة التي تفهمني ، إنني انتظر بلوغي سن الثامنة عشر حتى أتزوج ، هل أنتِ قادرة على الإستيعاب ؟ فمكاني ليس هنا ،في مثل هذا الوقت يفترض أن أكون أرتدي ملابس النوم البيضاء و الحريرية ،أتمدد على الأريكة و أحتسي قهوة سوداء تنسيني مرارتها مرارة كل ما مررت به.
كان ذلك من أماني روبي أيضاً لكنها أكثر واقعية لذا قالت لليز:
-أتمنى ذلك أيضاً، لكن تذكري ،نحن أميتين تقريباً وبالكاد نقرأ و نكتب ،بلا كفاءات ، نسكن في أسوأ حي، و الأهم من ذلك نحن فتاتين! هل يمكنكِ أن تري كم هذا صعب؟
ردت ليز وهي تفتح باب المطبخ:
-بل ما يجعله سهل أننا فتيات، يمكن للشكل الخارجي أن يتفوق على الكفاءة المهنية أو التعليمية.
رمت روبي حبة البصل التي التقطتها من صندوق قربها من المطبخ بإتجاه ليز ثم قالت لها:
-أنا أقول ذلك لمصلحتكِ ،فلا تنظري إلى الأعلى حتى لا ينال منك الاحباط مناله، ها قد حذرتك !
ردت ليز متذمره و كأن ما قالته روبي لم يعجبها كعادتها:
-حسناً لا بأس ،ولكنكِ سوف تعيريني بعض الملابس عندما نذهب للبلدة لمقابلة صديقك الذي سيقابلنا لكي نعمل، صحيح؟
- حسناً سأفعل ذلك،و كم أتمنى أن أعمل في بيت أحد الأثرياء ،كم سأكون محظوظة لو كان لديهم بعض الملابس التي لا يريدونها.
كانت ليز طموحة لذا لم يعجبها ما قالته روبي لذا قالتها بنبرة لوم:
- هل هذا ما تطمحين إليه؟ تنالين إحسان الآخرين بدل أن تخططي أن تكوني من المُحسنات؟كم أتمنى لو أحضى بغرفة فيها من الملبوسات والعطور والمجوهرات الخاصة بي فقط لا غير ، ليلي روم .
ردت روبي بإستغراب:
-ليلي روم؟ يبدو أن فقرة أحلامك اليومية لم تنتهي بعد!
ردت ليز بثقة على روبي:
- و ماذا في ذلك ها أنا في صدد إعداد الغداء ،ثم ما رأيك بـ " ليلي "؟ إسم يشعرني أنني مدللة على عكس ليز .
بينما " روم " وهي كلمة أجنبية تعني غرفة ،هل أدركتِ كيف أنني لست جاهلة أو أمية.
إبتسمت روبي و قالت لليز:
- مثير ! أشعر أنه إسم لأحد الأفلام الأجنبية.
- فيلم يحمل قصتي! "بل أكثر من ذلك " قالتها و هي ترفع كلتا يديها إلى الأعلى.
ثم اتبعت قولها :
-إنه شيء ما يجمع بين الدلال والعصرية و الخصوصية، أليس من التفرد أن تكون غرفة نومي كمتجراً نسائي غير أنه خاص بي.
شعرت روبي أنها ضيقة الأفق لذا إبتسمت بهدوء وقالت لليز:
- بودي لو شاركتكِ أحلامك يا ليز ، لكن في حال كان خاصًا بك فلتأذني لي بالانصراف ، فموعد الغداء سيحين قريباً، ولو لم تجد والدتك الغداء معداً لن أذكرك بماذا سوف يحدث بعدها ،لا تقولي لي إني لم أقم بتحذيرك.
توجهت ليز لأحد القدور القديمة و بدئت تعبئها بالمياه من الصنبور ثم قالت:
- إذاً قد جئتِ فحسب لكي توقظيني من أحلامي و تطلبي مني إعداد الغداء! حتى أنك لم تفكري بتقطيع البصل معي !!
لكن روبي قبل أن تخرج قالت لها:
-بل لأدعوكِ لمقابلة صديقِ لي ،و الذي سوف يساعدنا للبحث عن عمل نكسب منه قوت يومنا فدوري في إعداد الغداء قد إنتهى ،لقد أعددت غداء أسرتي قبل ساعة من الآن.
ردت ليز ساخرة:
- إعداد الحساء لن يستغرق ساعة .
- أراكِ لا حقاً .
لقد أعدت ليز الحساء المكون من البصل و البطاطا مع بعض من الخضروات الذابلة ،التي قد وجدتها في مطبخ منزلها المتهالك .
لقد كانت تتأمل الخضروات تتقلب داخل القدر متمنية لو أن والدتها بشكل ما تحضر معها لحماً أو بضع سمكات ،لقد مرت مدة لم تعد متأكدة منها منذ آخر مرة تناولت فيه لحماً ،لكن عكس ما تمنت ،فقد عادت أمها بعد أن قبضت بضع قروشٍ جراء عملها في الخياطة لدى إحدى السيدات.
"مرحباً أمي ،هل سار عملك على ما يرام؟ "قالتها ليز و هي تفرغ الحساء في أواني كلٍ من أمها و أبيها.
قالت والدة ليز عليه عنما شاهدتها تفرغ الإناء الثالث:
-بُنيتي لا تسكبي شيء لوالدك فهو لن يتناول الغداء اليوم لدينا ، سيطول عمله حتى المساء.
- حقاً! لقد أعددت الكثير هذا اليوم .
- لا بأس، تناولي جيداً اليوم.
ردت ليز مقترحة:
- هل أذهب إليه بالغداء؟
- لا تتعبي نفسك سوف يتدبر أمره.
- لكنني خارجة بعد قليل على أي حال.
ردت عليها والدتها بتذمر:
-لم أقبض الكثير يا عزيزتي ، فلمَ تنزلين الى البلدة؟
- لست ذاهبة للتسوق هذه المرة أو ما شابه بل سوف نقابل صديق لروبي يبحث عن موظفاتِ للعمل ،قد نقتنص هذه الفرصة إن أدينا جيداً.
- كم آسف لأجلك ،فلم استطع أن أحضى بعمل لك بهذا السن.
- لا بأس، انظري كم غدوت شابة ،سيحالفني الحظ يوماً ما ،ولسوف انتشلك من الفقر أنتِ و أبي.
- شكراً لتفكيرك الدائم بنا.
- تخيلي نفسك يا أمي تجلسين على أريكة مريحة وبحضنك قطة تلهين معها أو تشاهدين التلفاز . في حين أبي يلتقي ببعض الأصدقاء في بهو البيت يتسامرون بكل راحة طوال الليل.
إبتسمت والدة ليز وهي تقلب الحساء بالملعقة و قالت :
-أعتقد أنني أفضل أن أحيك قرب المدفئة عوضاً عن اللهو مع القطط أو الحيوانات.
يأست ليز من بساطة أمها فقالت متذمرة:
- كم تحبين العمل يا أمي! ما الذي سوف تحيكينه ؟! لو كنتِ ثرية ستشترين الملابس من أرقى المتاجر العالمية.
- و أنتِ ماذا سوف تعملين عندما نغدو أثرياء؟
- سوف أكون في غرفتي أتنقل من دولاب ملابس إلى أدراج المجوهرات ،أتحير بين عطر و آخر ، فضلاً عن مساحيق التجميل التي لن تفارق وجهي فأنا صرتُ راشدة تقريباً . شيئاً آخر، سوف أقوم بتغيير اسمي إلى ليلي، فهو اسم فيه نبرة دلال على عكس ليز.
ردت عليها والدتها بنبرة مؤنبة:
- إن ليز إسم نشيط لفتاة مكافحة مثلك ,، لا يعجبني ليلي هذا.
لكن ليز ردت مدافعة عن نفسها:
-عندما أغدو ثرية يا أمي ،سوف ترين كيف سوف يناسب وجهي كثيراً ، أما الآن هل لكِ أن تعتني بالأطباق اليوم ؟ يجب أن أستحم سريعاً قبل الخروج، فالبلدة بعيدة.
أنهت ليز طعامها بسرعة و بعد أن استعدت كلتاهما روبي و ليز، توجهتا مشياً نحو البلدة.
لم يكونوا في قرية أو ضاحية ،لكن بعد المسافة قد تعرقل حتى المواصلات و إن توفرت ،ما دفع بهما للسير لفترة طويلة قبل الوصول لعمق المدينة.
حاولت كلتاهما التأنق ما استطاعت ،حيث كانت روبي ترتدي فستاناً قصيراً أزرق اللون، بينما كانت ترتدي ليز فستاناً أسود اللون قد استعارته دون علم والدة روبي ،و التي تعمل على كي الملابس وتنظيفها . هذا شيء إعتادتا على عمله بين الحين والآخر حينما لا يجدن شيء لائق يرتدينه.
وفي أثناء سيرهما تذمرت ليز فقالت:
- تباً ليس لدينا مال لطلب سيارة أجرة، فبدل رائحة البصل صارت رائحتي عرقًا .
فزعت روبي فقالت:
- أرجوك لا تتعرقي ! فهذا الفستان طُلب من أمي غسله و كيه و قد أخذناه دون علمها .
إبتسمت ليز ثم قالت ساخرة:
- لا تقلقي مجرد تشبيه ساخر فحسب، ثم ما هذا الذي ترتدينه؟ لمَ لم ترتدي فستاناً طويل فلا حيلة لنا مع الأحذية؟
- و كأننا في متجر تجاري! فالجود من الموجود ،ثم مابه حذائي؟! لقد غسلته جيداً حتى عاد ناصع البياض، كما أن لونه يتناسب مع فستاني.
تأملت ليز أقدامها فشعرت بالقليل من البؤس:
-أتمنى أن لا يلاحظ أحدٌ حذائي، فهو ليس مرتفعا و قد لا يتناسب مع فستاني.
- لن يلحظنا أحد ثقي بي، ثم أننا لن نخضع لتقييم أناقتنا أو ما شابه، الأهم أننا نظيفات و مرتبات بشكل مقبول.
ردت ليز وهي تمسح بيديها على رأسها:
- فيما يخص الأناقة ، ماذا عن شعري هل هو مرتب؟
- نعم هو كذلك.
- هذا جيد, ،بالمناسبة ،ما اسم صديقك الذي قد يوفر لنا عملاً؟
-إسمه مارك ،وهم يريدون أحداً يعمل في فندق فخم بشكل مستعجل، و الأهم أن يكونوا فتيات و راشدات.
لم تكن ليز و روبي قد بلغتا الثامنة عشر بعد لذا قلقت من إمكانية عدم قبولهم فقالت لروبي بقلق:
- ويحي !!هل سوف ينظرون لنا بهذا السن؟ هل قلتِ راشدات !
طمئنت روبي ليز قائلة:
- ثقي بي ،سوف يكون متعاوناً ،ثم أنه يعرف كم نبلغ من العمر ،فنحن أصدقاء منذ زمن و لم يمانع ،بل رحب بلقائنا . هذا شائع مؤخراً عمل بعض الأشخاص في سننا بل و أصغر حتى.
بدأت ليز تشعر بالقلق عندما أشارت روبي بإصبعها إلى ذلك البناء و قالت لها:
- هل تنظرين إلى ذلك البناء الضخم البادي من بعيد؟
- نعم أراه ، لا تقولي أنه الفندق حيث سنذهب!
أنت تقرأ
غرفة ليلي
Romanceالتصنيف: دراما-كوميديا الفئة العمرية: 18+ خلف ما تراه قصص مستورة نكشف ستار احدها اليوم قد ترى الكثير يخفي خبثاً و سوءً خلف قناع الفضيلة في حين يلقى اللوم على من بدا منهم سوء ستر قلباً حالماً و أماني محطمة خلفت ورائهم جروحاً شديدة لواقع مؤلم بل وشدي...