الجزء الثاني

115 10 3
                                    

لم أكن أعرف كيف أرد أو ماذا أقول؟ لكنني إكتفيت بقول:
"كما تريد يا أبي، وبإذن الله لن يكون إلا خيراً ما دمت أنت من إتخذت القرار الكبير هذا"
وإبتسمت ثم طلبتُ الإذن وذهبت لغرفتي، صليت وبكيت ودعوت الله أن ييسر لي أمري ويفرج عني همي، وبعدها إتصلت بأختي وأخبرتها، إنصدمت هي كما فعلت أنا وبدأت تصرخ وهي غاضبة وتقول:
"هل أصاب عقله شيئاً ما؟ كيف يتخذ مثل هذا القرار؟ مالذي جعله يفكر هكذا؟ وحتى أن باقي عائلتنا وافقوه الرأي، لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، لقد أغضبني الأمر كثيراً، هو بهذا الأمر يضع لمستقبلكِ حداً، كيف ستعلمين إن كان هذا الفتى صالحاً أم لا؟ ماذا إذاً لو وقعتِ في حب شخص غيره أو كيف سيكون رد فعل الناس بعدما يعلمون بالأمر، سمعتكِ في خطر يا عائشة، ما بالِ والدكِ ليفعل هذا؟ لكن لا تخافي يا عزيزتي أختكِ هنا وسأدافع عنكِ، سآتي برفقة زوجي علي وسنتكلم معه ونفهم منه الأمر، أنتِ كل ما عليكِ فعله الآن هو أن لا تتحدثي معه كثيراً حتى لا يقرر قراراً آخر أسوء من هذا"
قلت لها بهدوء:"لا داعي للغضب وللإنفعال يا أختاه، تمهلي ولا تتعجلي، والدي أخبرني أنه يخشى أن يحصل له شيء ويتركني وحدي لذا هو قرر هذا القرار حتى يعتني بي والد الفتى الذي سيزوجني إليه، ولا تخافي فقد أخبرني أنني سأتزوج منه لكنني لن أغادر المنزل بل سأبقى هنا، وأنا كما تعلمين ليس لدي الحق في التكلم أو التدخل لأنني بنظره لازلت صغيرة، إتصلت بكِ لتأتي وتتحدثي معه بكل هدوء وتفهمي منه الأمر جيداً ولتجعليه يخبركِ من طرح عليه هذه الفكرة؟ وهل ذاك الفتى سيكون زوجاً صالحاً حقاً في المستقبل؟ وهل هو حقاً معجب بي كما أخبرني والدي أم أنه فقط يكذب عليّ لأوافق؟  إفهمي منه الأمر ودعيني أنا أفهم الأمر لأنني الآن حقاً لا أستوعب شيء"
تنهدت خلود بعمق ثم قالت:"حسناً عزيزتي كما تشائين، سآتي بعد قليل، أترككِ الآن في رعاية الله وحفظه، السلام عليكم"
قلت لها:"وعليكم السلام"
ثم أقفلت الخط، علي زوج أختي سلفي، وهو الذي ألهمني لأصبح سلفية، أدرك أنه سيستطيع التحدث مع والدي ويفهم لّب الموضوع ويقنعه أن يتخلى عن هذه الفكرة إن كان يرى فيها سوء ومضرة.
أنا مرتاحة للأمر كثيراً، لكنني متفاجئة فقط من هذا القرار الذي جاء على حين غرة، أعتقد أن هذا الفتى هو من نصيبي حقاً وأن الأحداث إتخذت مجراها من هذه النقطة لتخلد قصة جميلة، فكرت في شكل الفتى وكيف سيكون شعوري بعدما أتزوج، وماذا سيحدث في المستقبل، ولو تزوجنا حقاً ونحن لا نعيش مع بعض كيف سنتصرف مع بعض؟ هل سأحبه ويحبني؟ هل سأكون سعيدة معه؟ الكثير من الأسئلة في رأسي، قطعها مناداة والدي لي مرة أخرى، لبّيت طلبه وذهبت إليه، وجدت خلود وعلي في الصالة، تفاجأت من سرعتهما في الوصول إلى هنا، سلمت عليهما وجلست بجانب خلود، لأنظر إليها وكأنني أسألها مالذي ستقوله، فأغمضت عيناها وفتحتهم كأنها تطلب مني أن أطمأن، ثم تكلم والدي الذي جلس مقابلتنا:
"هل سنتكلم أم نلتزم الصمت هكذا؟"
ضحك علي ثم قال بعدما حمحم:"يا عمي أتينا لزيارتك أنا وخلود لنطمأن عليك وعلى عائشة، عسى كل شيء بخير؟"
إبتسم والدي وقال:"كل شيء بخير الحمد لله، وأنتم كيف حالكم؟"
فأجاب كل من خلود وعلي:"بخير الحمد لله"
قال أبي:"وجزاه الحمد، كنت سأتصل بكما لأخبركما عن موضوع مهم لكن عائشة سبقتني وإستدعتكما إلى هنا، أنظرا..أنا أعلم أن الموضوع غريب للغاية ولكن فاطمة رحمة الله عليها كانت قد طلبت مني هذا وقالت لي أنها رأت رؤية وقد أتاها شيخ طاعن في السن وجهه يضيء ولا تظهر إلا لحيته البيضاء ومشيته العرجاء، إقترب منها وكانت تفوح منه رائحة المسك وقال لها-يا فاطمة زوّجي عائشة وإلا ستقع في المحظور وأنا لا أود أن يصيبكِ أو يصيبها سوء ولك أجر عظيم في ذلك-، طبعاً بعدما سمعت طلب فاطمة رحمة الله عليها إستغربت كثيراً لكن بعد وفاتها وبعد تفكير طويل قررت أن ألبي طلبها وأزوج عائشة لإبن صديقي المقرب وهو فتى صالح ولن يضر عائشة مطلقاً، وأما عن الزواج فسأزوجها ولكنها ستبقى هنا في بيتها معززة مكرمة حتى تتخرج وسنقيم لها حفل زفاف كبير ويأتي زوجها ليأخذها لمنزله، وكنت قد تشاورت مع أقاربها وشاورتها ولم تكن لديها أية مشكلة وكذلك أقاربها، كنت سأتصل بكم لأشاوركم أنتم أيضاً وها أنتم ذا هنا فأخبروني عن رأيكم؟"
تنهد علي وإستغفر ثم نظر لخلود ثم لأبي وقال:"أبشر يا عمي لعلها خير"
وقالت خلود:"وأنا كذلك أعتقد، لنرى رأي عائشة !"
ثم نظر الجميع لي، قلت بتوتر:"أبشروا أنا موافقة ولا خوف في ذلك ولا تردد في إجابتي، لعلها بشرى من عند رب العزة والجلالة وأمي كانت حبل الوصل الذي سيوصلني إلى هذا الأمر، أنا أثق بربي وإن كان خيراً فأنا راضية وإن كان إبتلاء فأنا كذلك راضية"
فقال أبي بإبتسامة:"الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات وتأكدي يا إبنة فاطمة أنني لا أود بكِ ضراً، أنتِ قطعة من قلبي وسندي الذي لا يميل فلا يعقل أن أضر بسندي وبقلبي"
قلت له بحب:"أثق بقراراتكِ يا والدي الغالي، حفظك الله ورعاك أبي العزيز، والآن دعني أضيفكم شيئاً ما"
ثم ذهبت بسرعة من أمامهم ولحقتني أختي، طلبت من السيدات المتكفلات بالمطبخ أن يحضرن بعضاً من العصير، مسكتني أختي من ذراعي وأخذتني إلى غرفتي، أقفلت الباب وقالت لي:
"عائشة لتخبريني الحقيقة، هل أنتِ موافقة على هذا الزواج؟"
إبتسمت وقلت:"نعم عزيزتي خلود أنا موافقة"
عانقتني خلود وقالت لي:"أنا معكِ دائماً يا غاليتي وإن إحتجتي لشيء ما سأكون دائماً بجانبك".
غادر علي بينما خلود بقيت بجانبي لأن غداً ستكون الرؤية الشرعية والخطوبة، صليت ودعوت الله كثيراً، وجهزت ما سأرتديه وعلمتني خلود كيف أتحدث وأتصرف بناء على تجربتها، وصليت صلاة الإستخارة ثم غفوت، إستيقظت في صباح يوم جديد ومليء بالتوتر والسعادة، أديت طقوس الصباح ثم جلست أصلي وأقرأ بعض القرآن وأتلوه لعل التوتر يرحل عني بعيداً، وفي المساء وصل الضيوف، كنت قد إرتديت حجابي الفضفاض ذو اللون الأزرق الفاتح، وإسدال أسود، لم أتبرج ولم أضع سوى رشات من عطري الخفيف، كنت بيضاء البشرة وذو ملامح معتدلة وجذابة لذا لم أحتاج للتبرج، أتت أختي لغرفتي لتأخذني لأرى والدة وأخت العريس، جلسنا سوياً وتحدثنا كثيراً وأخبروني أنني أبدو كفتاة الخمسينات من طريقة كلامي الجميل والطيب، فأحببتهم وأحبوني، قال والدي أن الفتى يود رؤيتي، لبّيت طلبه وذهبت إلى غرفة الضيوف، وجدته جالساً يقابل باب الغرفة، كان وسيماً لدرجة لم أتصورها، وشعره القصير الأسود الألمس، بعضاً من خصلات شعره متدلية على جبهته، له ملامح جميلة ومميزة، ويمتلك أصابع يدين طويلة والكثير من العروق التي تظهر على يداه، كان يرتدي بدلة رسمية سوداء وكان قد فتح بعضاً من أزراره العلوية للقميص، ما أن إلتقت أعيننا ببعض حتى ظهرت إبتسامة عريضة على وجهنا، أقفلت الباب وجلست بجانبه..
قال وكان صوته خشن بعض الشيء ورجولي:"كيف حالكِ؟"
ثم نظر إليّ فتوترت وأنزلت وجهي من شدة الخجل وقلت:"بخير الحمد لله وأنت؟"
ثم ما لبث حتى إبتلع ريقه وقال:"بأفضل حال الحمد لله، هذه أول مرة لي، لذا أنا لا أدري مالذي يجب عليّ قوله؟ أنا لم أكن أتوقع حتى أنني سأتزوج وأنا بهذا العمر، لكنني مسرور لأنني سأتزوج بكِ أنتِ، أتمنى أن تتقبليني كزوج لكِ وثقي أنني سأكون سندك طوال حياتنا"
إبتسمت بخجل وقلت:"خير ما فعلت، أنا لست متحمسة للغاية للزواج لكنني راضية به وبالي مرتاح، نحن لا نعرف بعض، وأُفضل أن لا نطور العلاقة التي بيننا حتى يصل الموعد المحدد حيث سأتخرج وبعدها سيكون زواجنا زواجاً حقيقياً"
قطب حاجباه وقال:"حسناً وهل هذا زواج مزيف؟"
قلت له:"لا أقصد ذلك"
تنهد وقال:"أه فهمت قصدك، على الأقل دعينا نتعرف على بعض ثم نترك الباقي للموعد المحدد كما قلتِ أنتِ"
أومأت برأسي وقلت:"أنا عائشة، أبلغ من العمر السابع عشر، العام المقبل بإذن الله سأدخل لمرحلة الثانوية، وأنت؟".

زواج بدون قيودحيث تعيش القصص. اكتشف الآن