يتأملها..يتأمل كل المعاني التي علمها والده له و هي تقطر منها..
هي الضباب الغالب رغم أشعة الشمس..
هل للضباب هذه القدرة؟! هذه الغلبة؟!
قدرة على الاحتضان..على احتضان المنفيين جميعا على هذه الأرض؟!
هل تصنع منازل من الضباب؟! كيف ذلك؟!
كيف يصير الضباب جدرانا و منازلا؟! كيف يسمح الضباب بقدر من النور و الدفء بالتخلل و في ذات الوقت لا يتخلى عن هويته؟!
هل الضباب صديق للشمس؟! للقمر؟! للسماء؟!
أيصاحب الضباب كل عناصر الكون الأخرى لأجل الذين فقدوا منازلهم و تغربوا فما بقى لهم مكان ينتمون إليه على وجه البسيطة؟!زين تنهد تنهيدة ثقيلة..يحدثها و هو ينظر لها بقوة..بثبات..
-" هل تعرفين؟! أبي رحمه الله كانت لديه مقولة..
( المرء يولد دون صوت داخل الصدى..فإما أن يجد صوته أو يبتلعه الصدى للأبد..)
أنتِ و أبي تتشابهان كثيرا..فقط تختلفان في الأسلوب..
أنت شبهت مجادلة ما يستيقظ المرء ليجده في حياته ك جزء منه بالبئر..و هو شبهه بالصدى..
لذلك على الأرجح نحن بعد الآن تلاميذك و ليس العكس..
أنتِ ما رأيك؟! "كان يتحدث بجدية..جدية جعلت جسده يتصلب و تبعته أجسادهم أيضا..
-" لا العفو هل يمكن؟! بل أنا من أتشرف بكوني بينكم..و بما أننا أنهينا سوء الفهم بيننا أتمنى لو أن حضرتك تقبل ضيافتنا؟! هل تريد كوبا من الشاي أو القهوة؟! "
تريد سديم إنهاء الموضوع..فشيء غريب يلوح في الأفق و هي لا تفهمه..
مسرورة هي طبعا لأنه يعطيها مكانة كمكانة والده..و لكنها رغم ذلك لا تستطيع الارتياح..-" كوبا من الشاي إن أمكن.."
أجابها زين..يعلم أنه لا حاجة به أن يذكرها بمرضه..هي لا تنسى تفاصيلا كتلك..لا تنسى كونه مصابا بالسكري و هي وحدها شريكته في السر..
-" أنت يا بيان؟! هل تريد شيئا؟! "
سألت بعد أن أومأت برأسها بعد سماع طلب زين..
-" شكرا..لا يزال النهار طويلا..دعينا نؤجل الكافيين لوقت لاحق.."
قال مع ابتسامة خافتة على وجهه..
و في النهاية استأذنت و انصرفت هي الأخرى..-" إحقاقا للحق يا زين أنت تدهشني..كأن السنوات غيرتك دون علمي.."
التفت بيان إلى زين كالمحقق إذ يتولى أمر أحد المشتبه بهم..
-" الزمن لا يغير شيئا المرء نفسه لا يسعى إلى تغييره..أنا كما أنا..فقط كنت استكنت قليلا بعد أن هدأت الأحداث في الأعوام الأخيرة..
أما و أننا الآن على أبواب الحرب فلم لا أعود إلى الدنيا التي أعرفها؟!
أنت أردت اكتشاف الحقيقة و حل الأمر وديا..صرفت عمرك على مطلب كهذا و أنا وافقت و دعمتك..
أما اليوم..فقد آن أوان أن تتنحى حقائق الماضي على الجانب..فأحداث هذا الزمن أشد لؤما و خبثا..الماضي لا نستطيع إنقاذ أي روح منه..
و لكن في التو و اللحظة ناهيك عن أرواحنا جميعا فأرواح الأبرياء على المحك..
رجال العشائر، دجلة، جميلة و سديم..
الجميع لا يستثنى من الخطر..
أمير العقل..أنا السطلة و الحماية و القوة..و أنت الوسط بيننا..أنت الرحمة إن لزمت، و القسوة و إن لزمت..أنت منفذ الأحكام العادلة..
الآن لا نخشى عليك الانجراف..فالله قد أرسل لك مرساتك..
نحن قد أتعبناك و أتعبناها كثيرا..
الفترة القادمة سيكون من الجيد أن تنتبها على صحتكما.."
أنت تقرأ
ظلال
Romanceعلى اختلاف الجنسيات و الطباع و العادات جمعتها الظلال صدفة في حفلة لا تمت لما هم عليه أو ما يشعران به بصلة.. بدل الأضواء حل الظلام و بدل حلت أصوات الرصاص.. لبناني و مصرية..متزوج و عزباء..و لكن كلاهما يتشاركان في الآلام..في الظلال.. كيف تنتهي الحكاية...