العودة"السادس "

404 21 17
                                    


مساء الخير أو صباح الخير حسب وقت قرائتكم متنسوش الفوت و الكومنت اتمني لكم قراءة ممتعة عزيزاتي الغاليات

------------------------------------------------------
بدا الظلام ينساب بهدوء في غرفة كلاسيكية تحتفظ بعبق ذكريات قديمة، ذكريات محفورة في كل زاوية منها، بدءاً من لون الخشب الباهت، مروراً بأنفاس الغرفة التي ما زالت تتردد بين ثناياها، وصولاً إلى الجدران التي تحمل بصمات أحدهم، ذاك الذي لم يغفر لنفسه أخطاء الماضي.

الغرفة كانت غارقة في صمت مطبق، يغلفها هدوء يعكس أناقتها الكلاسيكية وسط هذا السكون، فتح طفل صغير باب الغرفة بخطوات مترددة، ترتسم على وجهه ملامح خوف طاغٍ، ينساب في عروقه تقدم بحذر نحو السرير، يمد يده الصغيرة المرتجفة ليلمس جسد الرجل النائم بعمق، الذي لم يشعر بوجوده إلا بعد تلك اللمسات البريئة. استيقظ الأب ببطء، عينيه مثقلتين بالنوم، ورفع الصغير ليضعه بجواره على الفراش.

سأله بنبرة ناعسة، يحاول جاهداً أن يقاوم النعاس الذي كان يغلبه:
- انت ايه اللي مصحيك لحد دلوقتي؟

نظر إليه الطفل بتردد، تتعثر الكلمات في حلقه وهو يقول بخفوت، ورأسه الصغير منحنٍ:
- أنا كنت عاوز أنام معاك... هو ممكن أعيش معاك هنا؟ أنا مش بزعل صحابي ولا بعمل مشاكل في المدرسة، ومش هعمل دوشة هنا.

لم يعطِ الأب اهتماماً كبيراً لما قاله الطفل، بل رد عليه ببرود وهو يتجنب السؤال الحقيقي:
- طيب، نام دلوقتي علشان عندك سفر الصبح.

رفع الطفل نظره إليه، عينيه تملؤهما رجاء صامت:
- ممكن أفضل هنا؟ مش هعمل مشاكل ولا دوشة، صدقني.

شعر الأب بارتجاف الطفل بين ذراعيه، احتضنه بحنان وهو يحاول تهدئته، لكن عيني الطفل كانت تفيض بالخوف:
- اهدى يا حبيبي... صدقني، ماينفعش. لازم يكون معاك حد زي طنط سوزي تاخد بالك... عندك مدرستك وصحابك، هتسيبهم إزاي؟ حد ضايقك؟

تلعثم الصغير مرة أخرى، يحاول إخفاء سره، ورد بسرعة متخبطة:
- لا، محدش ضايقني... أنا بس عاوز أفضل معاك. هو انت مش بتحبني؟

ابتسم الأب بخفوت، يحاول تخفيف حدة الموقف، لكن الحقيقة كانت ثقيلة:
- طبعاً بحبك... كلنا بنحبك، حتى ماما الله يرحمها كانت بتحبك جداً.

همس الطفل وهو يمسح دموعه الخفيفة:
- خلاص، أبقى هنا معاك ماشي؟

تنهد الأب بحيرة، ضم الصغير إلى صدره قائلاً:
- طيب، ننام دلوقتي... وبكرة نفكر.

استسلم الطفل لتلك الكلمات، غارقاً في نومه العميق لأول مرة منذ فترة طويلة، مطمئناً بحضن والده. ولكن كما هي الحال دائماً، تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن. استيقظ الصغير صباحاً على كابوس، وهو يتمسك بأبيه الذي كان على وشك التخلي عنه أمام الجميع، وأمام نفسه، ليعترف له بأنه لم يعد مرغوباً به.

دائره الخطأ (قيد التعديلحيث تعيش القصص. اكتشف الآن