(9) "ذات" بعمر 22 عام

12 1 0
                                    

مضت خمس سنوات علي تلك الحادثة في تلك الليلة الحاسمة. لم يظهر "الماحي"مرة اخرى فقط سمعت "طيبة" أخباره بأنه خارج البلاد.
اجبر "حمزة" و "حسين" امهما "طيبة" لتتوقف عن العمل فقد تخرجا و حصل كل واحد على عمل يكفي ليعولا اسرتهما.. وافقت "ذات" بشدة خصيصا أنها سوف تعمل قريبا بعد أن تخرجت وستساهم في البيت بما تستطيع.
اصبحت "منى" في الثانوية، صارت أكثر حيوية و انفتاحا، الفتاة التي يسمع كل احد كلامها و تتسابق الفتيات لنيل صداقتها فهي مرحة، جامحة، تدخل البهجة لكل من حولها لا يعيقها شي، صاحبة شخصية قوية و أراء جريئة عكس اختها " ذات" تماما.

عملت "ذات" في إحدى المستشفيات الحكومية بمساعدة والد "شريفة" ذو المعارف الواسعة، فلولاها لما تعينت بهذه السرعة و بقيت تلف و تدور على كافة مشتشفيات العاصمة.

.........

"ذات" بعمر 25 عام

بعد ثلاثة سنوات من عمل "ذات" اكتسبت فيها خبرات لا يستهان بها في مجالها، تعرفت على رفقاء العمل بإختلاف شخصياتهم ، استطاعت ان تواجه بيئة العمل بصعوبة. صارت أكثر انطوائية و عزلة خاصة بعد أن افترقت عن "سارة" و "دلال" بعد الجامعة، فكل واحدة تعمل في مكان مختلف. حسّنت وضع اهلها، نقلتهم لبيت أكبر و أوسع بالرغم من ارتفاع ايجاره فقد كبروا و صار البيت الصغير القديم لا يتسع لهم.
و دارت حياتها بروتين ثابت كل يوم. تفرحها مكالمات "سارة"و "دلال" التي لا تنتهي، يحكين فيها عن مواقفهن في عملهما لتستجيب "ذات" فقط بالضحك و السخرية منهما.
إلا "شريفة" كانت دائما تخصص لها وقتا لتزورها و تتطمئن عليها وسط إنشغالها الدائم. فـ"شريفة" تملك كاريزما و شخصية رائعة، وفية و لطيفة. كأنها تريد تعويضها عن كل ما كانت تتمناه "ذات" في الماضي.

كانت على ذلك المنوال الى أن جاء ذلك اليوم الذي غير حياتها التي للأسوأ أو كما ظنت. عندما قابلت مدام "نعمات" الزبونة الكريمة التي كانت تترك باقي القماش لـ"طيبة"، تلك المرأة صاحبة الوجه البشوش و الملابس الفاخرة المتناسقة رغم تجاعيدها و عمرها الكبير ذات الروح الطيبة. لم تكن تفهم "ذات" سبب اهتمام مدام "نعمات" بها و سؤالها الدائم عن حالها، لم تكترث "ذات" كثيرا بذلك الأمر الى أن جاء اليوم الذي عرفت من امها ان مدام "نعمات" قد طلبت يدها لابنها " أيمن" وانها تنتظر ردها.
كانت "ذات" تعرف مدام "نعمات" كزبونة دائمة لأمها منذ زمن، كانت أكثر من زبونة، كصديقة لأمها مع أن مدام "نعمات" ميسورة الحال و اسرتها ذات جاه و ممتلكات لم تكن متكبرة و لم تكن ذات انفة وأنما متواضعة و بسيطة في تعاملها مع "طيبة".
تسمرت "ذات" من سماع كلمات امها! - قالت لنفسها:( زواج، أنا اتزوج، كيف.. كيف سأقبل.. بل كيف سأرفض.. ماذا سأقول .. و أضح أن أمي متحمسة فهذه صديقتها.. ولكن أنا اتزوج.. لم أفكر بذلك اطلاقا.. أنا أنا لا أنفع للزواج.. أنا لن اتزوج.. ماذا اذا فضحني ذلك الشاب.. هذا السر سيبقى معي و سيدفن معي لن يخرج لأحد غيري.. لن تتحمل أمي.. ماذا سيقول أخواي إذا فضحني ذلك الشاب.. ماذا سيكون مصير "منى".. مهلا رأسي.. رأسي سينفجر...)

امسكت "ذات" رأسها واغمضضت عينيها و تنفست الصعداء، و قالت لأمها و صوتها يرتجف:(لا يا أمي لا اريد الزواج، لا اريد ان اتزوج)
نظرت "طيبة" لها و ضحكت كأنها سمعت مزحة و قالت:( اتتدللين يا "ذات" كالفتيات الأخريات، الأمر ليس مزحة، ابن مدام "نعمات" ذو أخلاق طيبة و متعلم غير إن مستواه المادي أكثر من رائع كما تعلمين)
نظرت "ذات" للأرض و قالت: ( لستُ امزح يا أمي. أنا فعلا لا اريد الزواج منه)
ردت امها: ( انظري أليّ يا بنتي ألديك احدا آخر ترغبين فيه؟! صارحينى)
ردت "ذات" : ( ماذا؟! لا ليس لدي احد انتِ تعرفينني يا امي أنا صاحبة هذه الحركات أنا "ذات" لست "منى")
قاطعتها "طيبة" : ( سنتناقش في أمر "منى" لاحقاً، ثم أنا اعرفك جيدا يا ابنتي كيف ستتزوجين فأنتِ لا تخرجين كثيرا وليس لديك علاقات و منعزلة من الناس ولا تشاركين في المناسبات قولي لي كيف ستجدين شريكا بطريقتك هذه. من سيرضى بك ابنتي! و لهذا أقول لك لا ترفضي هذا العرض، فهذه هدية من الله لك)
سرحت بعيدا و قالت في سرها و دمعة تكافح أن تنزل ( صحيح! من سيرضى بي فأنا البنت الناقصة لا جدوى مني أنا فضيحة..)
لفتتها "طيبة" بيدها و قالت: ( لا ترفضي حبيبتي أن مصيرَك سيكون رائعا مع تلك الأسرة إن ابنهم إنسان محترم و سيحترمك سيقدرك و يحفظك و يحميك)
صمتت "ذات" و لم تستطع ان تنطق بكلمة، فقط واصلت نظراتها بعيدا غارقةً في بحر أفكارها و ذكرياتها المؤلمة.
....
مضت ثلاثة اشهر و "طيبة" تحاول إقناع ابنتها العنيدة لم تفهم سبب عنادها و رفضها الشرس هذا. صارت تضغط عليها هي و "منى" و مازلت "ذات" علي موقفها و لا تعرف كيف تقنعهم، تارة تتفوه باشياء تافهة أو تتهرب من الإجابة أو حتى تتأخر في العمل عنيةً.

ذاتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن