مضت أيام صارت "ذات" تتعلق بـ"أيمن" كنوع من الصديق الذي كانت تحلم به تخبره بما تحسه بلا تكلف أو خجل، تهاتفه لتطمئن عليه تنتظر عودته حتى لو تأخر، تطبخ له بنفسها، صارت تهتم به ولا تعرف سبب إنبساطها بفعل ذلك، في ذلك اليوم عندما كانا يجلسان في إحدى شرفات المنزل في وقت الغروب، قال لها بصوت حاني: ( كنت أفكر بشيء لا أعرف إن كنتِ ستوافقين عليه، ولكنني أعلم جيدا أنه في مصلحتك)
رد "ذات": ( في ماذا تفكر اخبرني؟!)
قال:( كنتُ أقرأ كتباً في الفترة الأخيرة هذه عن حالتك) ثم أضاف مازحاً ( اعتقد انكِ كنتِ تراقبينني و أنا اقرأ هههه أليس كذلك)
ابتسمت و حاولت ان تظهر ملامحها الجدية لكن بلا جدوى و قالت: ( بالله عليك ما هو الموضوع لا تكن ثقيل الدم هكذا)
ضحكة حتى بدت اسنانه البيضاء و قال:( ملامحك تلك تضحكني فأنتي لستِ خبيرة في التمثيل لا تتظاهري بعكس ما تشعرين لأنكِ تبدين مضحكة كطفل برئ)
قالت بدون ان تفكر: ( إذا كان هذا يضحكك فسأتظاهر على الدوام) ثم انتبهت لكلماتها و صمتت وهي تشعر بالحرج..
أما هو فهمس لها: ( لا تصمتي قولي ما تشعرين بلا تفكير ليس هنالك ما يحرجك، سنتفق أن لا يكون بيننا أي اطلاق أحكام أو خجل فنحن واحد) ثم اضافا غامزاً : (هل عليّ أن أذكرك بذلك كل يوم؟! لا مانع لدي)
ضحكت و وبان عليها الخجل لم تقل شيئا..
قال بنبرة جادة: ( كنت أفكر بمقابلة طبيب يساعدنا، لقد قرأتُ كتابا يشرح ما نحن فيه، اعتقد أن علينا أن نبدأ بتلك الخطوة ما رأيك)
قالت مستفهمة: ( أتقصد طبيب نفسي؟!!)
رد: ( نعم، سيساعدك على فهم و تخطي اشياء بداخلك و أنا ايضا سأكون معك لا تخافي)
ردت مقاطعة أياه: ( ولكن لا استطيع أن أتفوه بشيء كهذا لأحد، لا يمكنني الوثوق بأحد حتى إذا كان طبيباً)
قال:( ولكنك تحتاجين المساعدة يا "ذات" ما مررتِ به ليس سهلا و تراكمات الطفولة لن نتمكن من تجاوزها إلا بهذه الطريقة الطبيب سيسرع شفائك و يساعدك على تجاوز الامر و لا تقلقي كل شي سيكون سري انتِ تعرفي مجال الطب يضمن خصوصية للمريض و له إجراءات معينة انت أدرى بها أليس كذلك)
قالت وهي شاردة : ( نعم و لكنني لم أتخيل حدوث شيء كهذا دعني أفكر قليلا و أهييء نفسي )
قال: ( حسنا، كما تريدين فقط قولي لي إذا احسست أنك جاهزة)
أومأت بإبتسامة..
بعد أسبوع اقترح "أيمن" أن يدعوا والديه للغداء بعد أن أحس أن "ذات" في حالة طبيعية لإستقبال الضيوف بعد مرضها الاخير..
كانت دعوة الغداء تسير بنحو طيب و مدام "نعمات" كانت سعيدة بهما خاصة بعد ان بدا "أيمن" متغير صار يبتسم كثيرا يتحدث كثيرا، ليس كعادته، حتى انها لاحظت كيف تغير نظرته لـ"ذات" اصبحوا كزوجين سعيدين، أطمأنت ان اختيارها لـ" ذات" لم يكن بهذا السوء كما توقعت و أنها لم تظلم "أيمن" بإصرارها على أن يتزوجها، قالت في سرها:( لقد أطمئننت عليه الآن، إذا مُت سأموت راضية عنه و سألتقي بـ "صالح" فلذة كبدي ربنا يرحمك يا أبني)
عندما كانت "ذات" تحضر التحلية بعد الغداء في المطبخ جاءتها "نعمات" نسيبتها ليتبادلا الحديث بعيدا عن الرجال خارجا ثم باغتتها بسؤال: ( ألم تصيرا ثلاثة بعد يا بنتي ؟!! لقد مضت خمسة شهور علي زواجكما أليس هنالك شي اخبريني!)
تمتمت "ذات" لسؤالها المفاجيء و قالت:( ليس بعد يا خالتي إنها أرزاق بيد الله )
قالت لها: ( صحيح و نعمَ بالله ولكن عليك ان تكوني اكثر وعياً، تفهمينني! لا تكوني مسكينة هكذا أنتم بنات هذا الزمن أدري بما تفعلنه في غرف النوم لا تحتاجون نصائح الكبار. عليكما أن تسرعان اريد رؤية حفيدي من "أيمن" قبل أن اموت!)
طبطبت "ذات" عليها و هدئتها بأن صحتها بخير و دعت لها بطول العمر و و عدتها بأن تسمع نصيحتها و تفعل ما تقوله.بعد مغادرتهم كانت "ذات" شاردة لم تخبر "أيمن" بما قالته امه وسألت نفسها الى متى سأكون في هذه الحالة، عاجزة عن تغير نفسي
الى متى سيصبر عليّ "أيمن" لقد فعل الكثير لأجلي، لا أنكر انني معجبة به، ولكن هل استطيع أن اتغير! ، اريد ان اكون أماً كأمي اريد أن يكون لي اسرة دافئة يحاوطها الحب ليس كما عشت أنا، اريد تعويض أيام الوجع و الألم.كأن حديث نسيبتها قد فتح لها عقلها و أعطاها سببا لفكرة "أيمن" الطبيب النفسي!
بعد يومين قررت ان تفتح الموضوع لـ"أيمن" و أنها موافقة على مقابلة الطبيب بشرط أن تكون طبيبة و ليس طبيباً. سعِد "أيمن" لقرارها و تحمس حتى أنه حضنها لا إراديا، إرتبكت "ذات" ولكنها لم تظهر توترها لما رأته من بهجة على عينيّ "أيمن" و لكنها لم تفلح فوجهها يفضح ما بداخلها و انتبه "ايمن" و قال: ( سنتعود على هذا فأنا شخص احب ان احضن كل ما احبه، لست منزعجا لا تقلقي)
أومأت محرجةً و صعدت للغرفة.كانت الطبيبة تفهم كل ما كانت تقوله "ذات" و تعطيها أسبابا لحالتها و شخصيتها و أن كل ما مرّت به طبيعي، الإكتئاب، القلق، التوتر، اضطراب ما بعد الصدمة و عدم الثقة بالنفس و العزلة و ردة الفعل العكسي السلبي تجاه الرجال، حتى أن مسألة فقدها الأبوي كان يلعب دورا مهما في حالتها، فكل الرجال التي تعرفهم في حياتها لم يكونوا قدوة حسنة لها كبنت و كطفلة و أن طبيعة شخصيتها المضطربة هذه ستعمل عليها لتخفف من حِدة عُقدها.
كانت فترة صعبة على "ذات" أن تغوص في أعماقها لتخرج كل ما كانت تكتمه، لتتوقف على محطات عمرها لتتعافى تدريجيا، عندما كانت بعمر الخامسة و ما واجهته من أهل امها، و فترة الإبتدائة و مسألة التنمر، و اكتشافها لقصة خالها و مراهقتها البائسة الى سنوات الجامعه و الزواج.
كانت الطبيبة تصر على "ذات" أن تواجه كل ذلك بشجاعة لتستطيع ان تتجاوز و تعيش بطريقة أقرب للطبيعية. و كان "أيمن" خير الرفيق و الصاحب في هذه الرحلة.حمل "أيمن" مفاجأة لطيفة لـ"ذات" بعد خرجا في ذلك اليوم من مقابلة الطبيبة ، اخذها لمطعم و أوضح لها ان هنالك شخصا يود رؤيتها!
تفاجأت "ذات" و صُدمت بعد ان رأت "مودة" الشريرة! تجلس في احدى الطاولات تنتظرهما..
رحبت "مودة" على "ذات" في لطفً غريب على ملامحها القاسية، لم تقل "ذات" شيئا اكتفت بالتحديق بها.. فهمها "أيمن" بأنه بحث عن "مودة" وان عليها ديناً يجب سداده..
لم تستوعب "ذات" الأمر، كان رؤية "مودة" شوشت عقلها و ارجعتها لأيام سوداء.. همست "ذات" لـ"أيمن":( مودة تعتذر لي!!!) قال مطمئنا لها:( فقط اسمعيها!)
صارت "مودة" تتكلم بإحراج و أنها كانت طفلة و لا تدري لماذا فعلت ذلك و إن عليها ان تسامحها لم بدر منها و أنها تغيرت حتى انها صارت تدّرس في رياض الاطفال و تعلم الأطفال بأن هنالك شيئا اسمه "تنمر" و شيئا اسمه " اذاء مشاعر الاخر" و يجب عليهم ان لا يفعلوا شيئا سيئا كهذا كما فعلت هي.فرحت "ذات" كأنها طفلة تم استرداد حقها.. "مودة" الشريرة لم تعد شريرة بل اصبحت معلمة. يا لسخرية القدر! ..
سامحتها "ذات" و اوضحت لها أن كل ما كانت تتمناه اعتذاراً كهذا لكي لا تسُبها في سرها كلما تذكرت تلك الايام و إنها لا تدري أي سيناريوهات تخيلتها في رأسها لتنقم منها..
ضحكا سويا و بيّنت لها "مودة" أن هذا يريحها وترجتها مازحة بأن عليها ان تقتلها في الحلقة الاخيرة من السيناريو...شكرت "ذات" "أيمن" لهذه الهدية المبهجة فقد ازاح ذكريات كانت تريد نسيانها.
أنت تقرأ
ذات
Cerita Pendekتحيّ.. تعيشي.. لا مقهورة .. لا منهورة.. و لا خاطر جناك مكسور.. بل مستورة.. يا ذات الضرا المستور.. سلاماً تلك كانت قصة "ذات" .. يا ترى كم من فتاة تشبه "ذات"، كم من فتاة سلكت طريقها و تاهت في ظلام وجعها السري،