الجزء الثاني

18 8 1
                                    

لمدة شهر يا سادة لم أعلم ما هو سر هجر والدي لي و إصابته بالمضاعفات حال دخولي عليه غرفة الحجز بالمشفى..
حيث أنه تبين مرضه القلبي..
و تم إجراء جراحة له بالقلب له و بعد اسبوع استرد صحته و إذ به يعود إلى منزلنا..
من الغريب أنه لم يفصح لنا عن سبب قيادته للسيارة في ذاك للوقت المبكر وهو في طريقه إلى المنزل..

كنت طوال الفطرة الماضية أطبخ و أهتم بالمنزل و أذهب لعيادة أبي و أرى الأشياء التي تنقصهم من ملابس و مأونة حتى خروجه للمنزل..
أدخلته والدتي وهو تمسك يده و تخاف عليه من أن يأتيه دوار مفاجئ أو أن يسقط أرضا..
إلا أنني في هلّة دخولهم اتضح لي أن والدي بات بخير تماما وعاد كما سابق عهده مع ارهاق خفيف أسفل عيناه..
ذهبت حيث المدخل لأساعده بالدخول فإذا به هلل بي بصفعة دوت في صمت المكان..  وهزت ذرات الهواء التي تنبع من الخارج..
صفعة لو أنك سمعتها لظننت أن هناك مقتل.. قاتل و قتيل..

يتبع صوت الصفعة سقوطي أرضا..  ثم صوت قرط  رن على بلاط الأرض الذي اخترق أذني وقد نزفت الدماء..

نظرت إلى عيناي والدي فلم أجد بهما أي نوع من أنواع الشفقة التي كنت أتخيلها..  بل نظرة تحدق بي  و كأن ما حدث غير كفل لإطفاء نار قد أوقدت بداخله..
كانت أمي تقف لتشاهد المظهر ولا تكاد تصدق..  مازال اللغز غير مفهوم لي ولها...
فصرخت به وقد نزلت إلى مستواي أرضا وقالت له "هل جننت يا رجل؟! ماذا صنعت لك الفتاة حتى تصفعها وبشدة"
الصدمة تملكت حواسي..  ثم أتذكر أنه منذ مرضه و هو يعاملني هكذا..
وأتذكر أن عشيقي هجرني منذ بداية مرضه..  فقولت في نفسي " اللهم حوالينا ولا علينا..  أتمنى ألا يكون أمر عشيقي قد علم به فستقام مجزرة ها هنا إن كان الأمر كذالك "
نظرة إليّ أبتي في ثبات..  و أنا تلك النظرة ترعبني بل تجعلني أنسى من أكون على أرض الوجود لوهلة...
ثم قال لأمي التي نعتته بالجنون...
"اسألي ابنتكي كيف حال غرامها.."
نظرة أمي إلى عيناي التي تلمعان ثم قالت بنبرة موبخة وكأنها تستنكر ذاك الأمر..  " غرام ماذا يا رجل..  هل ذهب عقلك ابنتي لا تعرف مثل تلك الأشياء الشائنه..   ألم تخرج إلى ألمانيا و برغم ما رأت فلم تتأثر بالفكر الغربي...  ادخل ادخل و استرح..  أنت متعب من جراحتك القلبية بكل تأكيد..  فبعد أيام سنذهب لنجري فحصا على الدماغ لربما تأثرة من الحادث.. "
دخل أبي حيث الصالون و هو يقول بأعلى صوته " لا إنني لا أهذي لقد حادثني عشيقها و طلب يدها مني"
كنت ما زلت عند المدخل ولكن ما إن سمعت تلك الكلمات و أنا أتحثث الجرح بأذني..  و وضعت يدي عليه لأجد عنقي غارقا بالدماء...
حتى دلفت إلى حيث الصالون لأسمع البقية..  حيث أن فضولي يدعوني أن أسمع ماذا حدث حينما طلب عشيقي يدي..

فقال أبي وهو ينظر بالأرض ثم ألقى إليّ نظرة لم أعتدها منه حين دخولي للصالون و أكمل قائلا " أجبته أن ابنتي صغيرة و ما زالت تكمل دراستها الجامعية...  ثم هل أنت تعلمها شخصيا..  و كيف لي أن أثق بأنها تحبك كما تزعم "
ثم نظر إليّ مرة أخرى وحدقتاه تبرزان خارجا وجلس يردد "إنها الفضيحة إنها الفضيحة..   لقد كانت تلك العاهرة ترسل له صور لها باستمرار..  و قد تقابلا.. في أحد المطاعم سابقا... فتاتك قد جلبت لنا العار و الفضيحة.."
شهقت أمي غير مصدقة وقالت في صوت أقرب إلى البكاء " وااااا حسرتاااه وااااا حسرتااااه "

ضربات قلبي لا أعلم إلى أي مصير ستهوي به..  فقلبي لم يكن ليعمل بشكل طبيعي بل شعرت بدمي يحترق أو يغلي من شدة الخفقان..
وما إن قام والدي عن مكانه ومن ثم والدتي و تقدموا باتجاهي بخطوات
سريعة تريبك فكما يقال....  أتاك الموت يا تارك الصلاة
و انقض كلاهما فوقي..  صفعة عن اليمين و أخرى عن اليسار..
كان أبي خلف كل صفعة يلقى بعض من قاموسي الأسود الذي حدثتكم عنه...  ثم أمسك برأسي و جلس يضربها في الجدار كأنه يود تفجيرها أو أن تتقطع إربا إرب..  وهو يصرخ ويقول " أي عار أيتها العاهرة  لقد أتيت لنا بالعار..  عليك اللعنه ليتني ما أنجبت فتاة فالبنات لا يأتين لنا سوى بالعار..  لقد لوثت شرف العائلة الذي كان يقسم به..  أي عار حللت به فوق رأسي "
أما أمي فما كانت لتقف لتشاهد والدي يضربني و رأسي تنزف بل أمسك بشعري و تلوح به إلى الخلف يمينا و يسارا وهي تقول " أخبريني أي نقاب كنت تلحين في ارتدائه أفهميني... هل لتتخبي به هل لتخفي خلفه ما تصنعينه.. من أفعال تشين النقاب و أصحابه لقد خنت ثقتنا  أيتها الخائنة يا لك من خائنة بحق يا لك من  عاهرة خائنة"
ثم قذفت برأسي على الطاولة الزجاجية فما كان إلا الزجاج ليخترق جزء منه رأسي...
كنت كالضحية بينهم بينما أنت لا تنطق تشعر برغبة غريبة في الإستسلام .. فلا صراخ ولا صوت يحرك حنجرتي..
كنت منتصبة بين الزجاج و الدماء تملأني و أنظر إليهم بعيني كالنسر..
جلس والدي يقذفني بكل ما أوتي من قوى بقدمه في بطني... ويقول لي "أنت لست ابنتي لا تستحين بأن تكوني ابنتي"
ولشدة الألم و الضرب لم أشعر بشيء..
بل كأنني فقت على صوت جيران الحي من رجال و نساء جراء صوت الصراخ..
فبتلك اللحظات يتجمع حبيبك و عدوك بهدف النصرة بالأسى و الهدف الأسمى هو الفضول لتطلع لما يحدث ببيوت الناس..

دق الباب بشدة ففتح والدي الباب بينما الناس تسلم عليه و تسأله إن كان أمر ما...
فأخبرهم والدي قائلا بانفعال و صوت ونبرة حادة " إنها ابنتي...  أو من الآن فهي ليست ابنتي بل عاهرة..  فقد كانت سبب كل ما نحن فيه..
حيث أنني أجريت الحادث حينما حادثني عشيقها و يطلب يدها مني بكل بحاحة..  و ما إن رفضت حتى هددني عشيقها قائلا..  لدي صور ابنتك إن لم توافق فسأنشرها عبر المواقع..  في البداية كذبته ولكن ما إن أغلق الخط حتى أرسل بالصور حقا..  تلك العاهرة كان لديها عشيقا "

بدأ الناس ليهدئوا من روعه بكلمات لتطلف الجو ولكن ما أدراكم و غضب أبي..
أمسكت أمي بعنقي قرب ذقني و قربتني إلى وجهها وقالت في هدوء لم أتوقعه و كأنما يملأه الحزن " أتعلمين لقد كان يقتدى بك في الأخلاق و الحلم كنت أقسم بأخلاقك و كم أنك. فتاة مهذبة أما الان فلقد سقط من عيني"
التفت والدي إلى عن فجأة..  فأفعلهم لم أعد أتوقعها كما كان يحدث بالماضي..  بل أشعر أنني ضحية ستتقبل مصيرها مهما حدث..  منعت من الدراسة من الأكل و الشرب سجنت..  لا يهم فسأتقبل مصيري ولكن ما حدث خارج عن سقف أفكاري..
حيث أن والدي جر جسدي إلى الخارج و قذف به كالقمامة أمام الجيران الذي اشتد همسهم و بدى الإشمئزاز على وجوههم حال رأيتي..

ثم قال بأعلى ما يملك من قوة صوتية و نبرة حادة وملامح متهجمة و وجه  قرمزي " لا أعيل العاهرات على المعيشة..  أنت لست ابنتي ولست مسؤول  عنك ولا عن أفعالك..  بل و أنني لن أخاف عليك من قطاع الطرق و الطامعين بك فأنت من شاكلتهم "
تلاقت النظرات الأخيرة بيننا في صمت ليوصد الباب بقوة تكاد أن تقلع الباب..
لأتوجه نحو حيث لا أعلم تحت أنظار الحيران الذي بدأ بعضهم ينصرف والبعض مازال يتهامس..
والبعض ينظر بشفقة.


بعد مرور أسبوع لا حث ولا خبر عن بطلتنا التي لا يعلم من باقي قصتها شخص سواها..
كان الوالد يجعل كل جهات الشرطة تبحث..  كان يندم على أنه لم يكن لينصحها..  كان الخوف و الذعر و القلق هما الشعور الوحيد و كانت صورتها و نظرتها له قبل الفراق منقوشة في ذهنه..
لقد بكى دما لا دموع..  لم يكن ليمارس عمله بشكل جيد و كل يوم بمحافظة تختلف عما قبلها يسأل أهلها عن فتاة تسير وحدها و بجسدها جروح بالغة و ترتدي ملابس رياضية..
ولكن لا فائدة.. فهل سيلتقي الأب و ابنته؟ أليس ذاك العقاب كفيلا للتطور؟!
بالطبع أنت تعلم أي تطور أعني..
تطور طاوسَ الملائكة إلى شيطان رجيم..
تطور قتلت به زهرة شبابي..  تطور يدفعني للجلوس مع الشيطان..
بالجحيم يكون مصيري..
قدماي التي تقودني في رأيكن إلى أي نوع من أنواع التطور ستقودني تلك المرة..

قتَلت زهرتيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن