توقفت سيارة فارهة رمادية اللون أمام تلك الفيلا الفخمة الرابضة على أطراف المدينة ،فيلا مؤسسة على الطراز الفرعوني بتلك الأعمدة الشاهقة التي تزين الواجهة وتنتهي بحلية على شكل زهرة لوتس رائعة، ترجل رجل من السيارة أصلع الرأس تماما على الرغم من أن بدايات شعر بالكاد ينبت على نحو لا يكاد يكون ملحوظا ينبأ أنه ليس أصلعا أصلا بل يمتلك شعر رأسه كاملا ولكنه يبدو لسبب ما يبدو غير راغب في نموه أبدا ،عبر المدخل المزين بحديقة صغيرة مليئة بالأشجار والورود شديدة التنسيق ،فتح الباب بمجرد اقترابه منه واستقبله رجل آخر أصلع الرأس مثله فبدا شكلهما عجيبا معا خاصة مع تماثلهما في العمر تقريبا الذي قد يتعدى بالكاد أوائل الأربعينيات وتلك الحلل الفاخرة التي يرتديناها ،وبادره القادم بالسؤال
-هو فين؟
تنهد الثاني قائلا:
-في غرفة العرش
زم القادم شفتيه وقال باسما
-آه كده المزاج مش أحسن حاجه
هز الثاني رأسه موافقا واستطرد القادم قائلا:
-طيب بلغه إنها اتمسكت وبيحققوا معاها على أعلى مستوى والدنيا مقلوبة
سكت ثم أردف قائلا:
مش كان ممكن نتجنب كل وجع الدماغ ده
بصرامه أوقفه الثاني بإشارة من يده قائلا في لهجة لا تخلو من الصرامة
-هو حر ده كان قراره ،بعد كل اللي عمله علشانا وشوفناه معاه لازم نستحمل حاجات زي كده من غير مانشتكي لازم نراعي مشاعره ،
ثم بصوت خفيض:
- لوكان فاضل عنده مشاعر أصلا ،أو عند أي حد فينا
وبجدية نظر إلى القادم قائلا بإهتمام:
تفضلو متابعين الوضع كويس جدا،مش عايزين مفاجآت،أعتقد إن ده آخر موقف صعب هانقابله مش مشكلة لما نستحمل كام سنة كمان على الأقل إحنا عارفين دلوقتي إن بعد خمسين ستين سنة بالكتير هتكون المشكلة إختفت تماما
هز القادم رأسه موافقا ،وانصرف بدون كلمة واحدة إضافية
ووقف الأول قليلا في مكانه بدون حراك وكأنه يهيأ نفسه أولا ، ثم استدار وصعد السلم الداخلي الى الدور الثاني الذي كان فخما بحق ويبدو واضحا بجلاء كمية النقود الضخمة التي تم إنفاقها على الديكورات التي تحاكي الطراز الفرعوني الرائع، اتجه الى الغرفة التي تقع في نهابة الرواق ،وأطرق الباب ثم دخل
**********************************************************************************
دخل الغرفة الواسعة التي لو رآها أحد الأثريين لطار عقله وتشتت افكاره وخرس لسانه وفقد إتزانه وتطايرت دراسته ومعلوماته من رأسه ولأصبحت هذه الغرفة قبلته ومحرابه ومحورا لحياته ، نعم لقد كانت بتلك العظمة والمهابة والأكثر من ذلك أن كل محتوياتها حقيقية تماما لا يوجد ديكور واحد أو شئ مزيف قط ،وفي نهاية الغرفة كان ملكا يجلس على عرشه ،أي إنسان من أي مكان كان ليطلق عليه ملك ويعامله معاملة الملوك فور رؤيته فمهابة الملوك والعظمة متجسدة عليه بدون تصنع أو تكلف وذلك العرش الفرعوني المهيب المصنوع من الذهب الخالص والمطعم بالياقوت الأزرق والأحجار الكريمة واليدين قد تم تطعيمهما بالزجاج الملون بإحتراف شديد أضاف روعة عاى روعته لم يرى إنسان مثله قط ، على عظم وروعة الآثار المصرية المكتشفة ،ولكن هذا العرش هو الإبهار بعينه والتجسيد الحقيقي للفن والأبهة والجمال ،وكان إيوان العرش خلفه آية أخرى من العظمة ويبدو وكأنه صنع ليكون متنقلا وليس ثابتا ،وإمتلأت الغرفة بمختلف التحف والتماثيل موضوعة بتنسيق يوحي بأنها صممت من أجله،
وعلى العرش قبع ذلك الملك الذي يوحي شكله بسن الخامسة والثلاثين وقد ارتدى زي فرعوني في منتهي الروعة وقد حيك بخيوط من الذهب على قماش كتان من الأبيض والأزرق يظهر من صناعته اليدوية حرفة شديدة الدقة لصانعه ،
إلتمعت عيني الملك وهو يتطلع إلى كاهنه الأصلع في تسأؤل ،وعلى الرغم من مصاحبة الكاهن الطويلة للملك إلا أنه لم يكن ليعتاد قط على مهابة الملك وجلاله وحضوره الطاغي،وقال له الكاهن بعد أن انحنى له:
مسكوها ياجلالة الملك وبيحققو معاها
انتاب الملك غضب مفاجئ ونظر إليه بعصبية وأخذ يشير إليه وهو يقول غاضبا بصوت رخيم ولغة مهيبة....لغة لم يسمعها بشري منذ آلاف السنين ،لغة زادت من مهابة الملك وعظمته :
ماذا بك أيها الكاهن الموقر،الملك يرتدي زيه ويجلس على العرش !! تحدث الى ملكك بلغة الآلهة لقد نبهت قبل ذلك ،في غرفة العرش لن يسمع سوى لغة الآلهة ولن تنطق سوى لغة الآلهة
إستقبل الكاهن ثورة الملك بهدوء وتفهم،وأحنى رأسه قليلا إحتراما محاولا إبداء التأثر بكلام الملك ، وقال معتذرا بنفس اللغة الرخيمة التي أعطت مهابة وقداسة للغرفة:
فليسامحني ملكنا العظيم ،فقد إرتبكت قليلا عندما سمعت خبر التحقيق معها
خفت الحدة في صوت الملك وقال وهو ينظر إلى أحد التماثيل:
أفترض أنك قد نبهت الى ضرورة المراقبة المستمرة للتطورات
هز الكاهن رأسه مؤكدا
بالطبع يا مولاي وسيتم تبليغ ملكنا بأية تطورات فور حدوثها
بدوره هز الملك رأسه ثم صمت قليلا ثم قال للكاهن في خفوت وهو مازال يتأمل التمثال:
كان من الممكن أن أنهي كل ذلك قبل حدوثه ، ولكن نفسي لم تطاوعني ،كنت في حاجة لأن أتذكر ، لأن أترك مرساة تربطني حتى لا أتوه في الذكريات ،كما أني كنت مدين لها بذلك،
ورفع نظره الى الكاهن،الذي نظر في عينيه قائلا :
لك كل الحق يامولاي نحن ورائك كما كنا دائما لن نخذلك ولن نشكك في قراراتك ولا حكمتك ،ليس بعد كل ذلك ، أؤمر تجب يامولاي نحن كل رهن إشارتك
نظر إليه الملك نظرة إمتنان ،وقال له في ود:
أشكرك أيها الكاهن الموقر وأعلم مدى صدقكم وإخلاصكم أنتم رفقائي ليس فقط كهنتي ،يمكنك الإنصراف الآن
أحنى رأسه في إحترم ورجع بظهره حتى بلغ باب الغرفة وخرج كما دخل بهدوء
**************************************************************************************************
أنت تقرأ
مبعوث الزمن الأول
Fantasyجريمة بيع آثار تفتح الباب للعثور على بردية غامضة تهدد إرث الحضارة المصرية كله، بردية نابعة عن قصة حب بين شاب وفتاة ولكنها حتما قصة حب غير عادية