آهً من تلك الليالي التي لا تنقضي بسهولة ، وكيف تنقضي وقد إخترت أن أبيت هائمًا داخل لؤلؤتاكِ ، ليضحي السهر جزءً من حياتي..
"دي أيسل مراتي يا أمي...تسمحيلنا ندخل..؟"
تلك الكلمات البسيطة لم يكن وقعها علي قلب والدته مثل سلاسة حروفها ، نمت بسمة خفيفة علي محياها سرعان ما إختفت عندما أبصرت "طارق" يقف خلفهما ونظراته لا تبشر بالخير..
تسارعت الأنفاس وتعالت خفقات القلب ، هربت الدماء من وجه والدته خوفًا من أن يتشاجرا مثل كل مرة يلتقيان فيها..
نظر "جاسر" إلي ما تنظر له والدته فوجد أنه "طارق" ، بينما ملامح "أيسل" لم تكن أقل من والدة "جاسر" خوفًا كذلك ، إمتدت يدها لتعانق يد "جاسر" بينما تنظر له برجاء لألا يتشاجر معه ، أرسل لها نظرات مطمئنة ثم قلب بصره نحو "طارق" الذي فاجأهم جميعًا وعبر من المنتصف بهدوء يصفر ويدندن بدون إهتمام لما يحدث ، حتي دخل غرفة "جاسر" الذي عدها غرفته رغم إمتلأ المنزل بالعديد من الغرف لكنه يفضل هذه أكثر وأغلق الباب خلفه..
تنهيدة قوية خرجت من فم والدة "جاسر" ثم أقتربت من "أيسل" وضمتها بحب مما جعلها تتفاجئ وتنظر "لـجاسر" بصدمة لكنه أومأ لها بخفة مما جعلها تلف يديها حولها وتبادلها العناق..
لأول مرة في حياتها يداهمها هذا الشعور..لا تستطيع تحديد ما إذا كان جيد أم سيء ، لكنها سعيدة...سعيدة رغم تلك القطرات التي إنسابت من بين أهدابها خِلسة..
شدت "أيسل" علي عناقها أكثر تأبي تركها ، داخلها قلق من أن يكون كل هذا مجرد حُلم وسينقضي فور أن تفلتها..
هكذا هو شعور اليتيم عندما يقضي كل حياته وحيد تائه كل ما يتلقاه هو المعاملة السيئة والإستغلال ، عندما يجد البريق أمامه..يظن في البداية أنه حريق سيفتك بما تبقي من روحه ، لا يستطيع أن ينعم بالطمأنينة بسهولة...لذلك عندما يجدها أخيرًا ، يأبي تركها بسهولة حتي لا تختفي من بين يديه..
فصلا العناق بعد فترة لتقبل والدة "جاسر" رأسها بحنان بالغ ومسحت بإبهامها دموعها التي تفيض بحرية قائلة:
"أهلاً بيكِ وسطنا يا بنتي ، أنا فادية والدة جاسر ، واللي عدي الوقتي ده طارق إبني برضو ، هو عقله مفوت شوية فتجاهليه خالص."
ضحكت "أيسل" بخفة ليبتسم "جاسر" بشرود في ملامحها الهادئة تلك قائلاً بمرح:
"طب إيه يا ست الكل هتدخلينا ولا لسه هيجي الدور عليا تعيبي فيا قدامها؟"
ضحكت "فادية" ثم أفسحت المجال لهما بالدخول قائلة:
"البيت نور بوجودك يا حبيبتي ، إتفضلي.."
شبك "جاسر" يده بيدها ثم تقدما للداخل معًا ، كان "ركان" والد "جاسر" يستعد للخروج من المنزل فقابل "جاسر" في وجهه ليتبادلا النظرات المطولة ليردف قائلاً بضيق وغضب: