المشرحة

1 0 0
                                    

يوم الأربعاء؛ الثمانية عشرة من يونيو ألفين وإثنان وعشرون يومًا لن أنساهُ أبدًا.
كُنت أعمل في مشرحة للجُثث المُشتبه فيها جنائيًا
شُغلي كانَ يبدأ من الساعة العاشرة مساءً وحتي الساعة العاشرة صباحًا.
وفي يومٍ كُنت أجلسُ في أمان الله وفجأةً دخل طاقم التمريض يحملون جُثة ومِن خلفهُم الشُرطة.
أدخلوها غُرفة التشريح ونادوا علي، لكي أبدأ في تشريحُها لَكن أهل المتوفية، كانوا يرفضون وبشدة أنها تتشرح لَكن الشُرطة كانَ لديهم رأيً أخر، كان متشككين أنها مقتولة عمداً، وخصوصًا بعدما أهلها أبلغوا الشُرطة أنها قامت بالأنتحار.
كانت الساعة الحادية عشر والرُبع مساءً، دخلتُ غُرفة التشريح، وبحوذتي واحد من طاقم التمريض لكي يُساعدني.
بدأت في فتح بطن الجُثة التي كانت تبلُغ من العُمرِ حوالي أربعة وعشرونَ عامًا رُغم النُدبات التي تملئ وجهها وجسدها، لَكن مزال يظهر جمالُها.
بدأت في تشريح الجُثة، ومرَ حوالي ثلاثون دقيقة وأنا أُحاول أكتشاف سبب الوفاة وأثناء ما أنا مُندمج في التشريح كان الدكتور أُسامة يقوم بتشريح جُثه أُخري أنتهي ومن ثُم إتصل بي يقول: أزيك يا دكتور أنا خلصت دلوقتي وهاخد بريك أشرب حاجه، أجبلك حاجه معايا ولا لا..؟
مكنتش منتبه معاه رديت عليه وأنا مركز في اللي قدامي: لا يا دكتور شكرًا شوية هخلص وأخد بريك أنا كمان.
رن جرس الساعة، أصبحت الساعة الواحدة، ومازال سبب الوفاة مجهول كانت أصعب حالة تشريح بالنسبة لي طيلة حياتي.
وفجأةً أُغلق باب غُرفة التشريح بقوةً كبيرة جدًا، وكأنَ هُناك شيءٌ ضخم قام بدفعه رُغم أنَّ لا يوجد هواء ولا حشئ، لَكني كُنت مُنشغلاً كثيرًا لذلك لم أنتبه لشيء، الساعة أصبحت الواحدة وستة وثلاثون دقيقة وأخيرًا أستطعتُ الوصول للسبب، أنَّ الجُثة تم شنقها بخيطٍ مِن القُماش القوي جدًا بعدما تم الأعتداء عليها وأغتصابُها.
والظاهر من النُدبات التي علي جسدها ووجهُها، أنها كانت تُحاول الدفاع عن نفسها مع القتلى، أكثر من ثلاث ساعات أُحاول في تشريحُها، لَكن قبل ما أنتهي أكتشفتُ قطعة مِن القُماش في بطن الجُثة وعندما فتحتُ القطعة، وجدتُ بداخلها كلمات غير مفهومة، وأشياء غريبة ورسوماتٌ أغرب، لم أستطيع فهمُها، أخذتُها وقُمت بتسليمها للشرطة، لكي تأخُذها حرز.
وأخيرًا أنتهيت، جلستُ بُرهةً لكي أرتاح خلصة. رجعت للبيت أخذتُ حمام(شور)، ثُم جلستُ مع أُسرتي التي تتكون مِن زوجتي(هند) وطفلتي (ملك) التي تبلُغ من العُمرِ عامًا ونصف.
الساعة إثنى عشر والنصف، كُنت مُتعب قليلاً، ذهبت لغُرفتي كي أرتاح قليلاً.
استيقظتُ مفزوعًا نظرتُ للساعة فوجدتُها الساعة الواحدة وسبع وعشرونَ دقيقة؛ علي صوت طفلتي ملك وهي تصرُخ وتبكي بصوتٍ عاليٍ، أخذت أركُض إلى غُرفتها أنا وجوزتي هند، لَكنها كانت تنطق بكلماتٍ غريبة!
_ مريم عاوزة تقتلني يا ماما!
أخذتها في حُضني وسألتها بكُل هدوء: مين مريم دي يا حبيبتي...؟
لَكن تعابير وجهها كان يظهر عليها عدم المعرفة.!
تركتُ جوزتي هند تنام معاها هذهِ الليلة، وذهبتُ كي أُكمل نومي حتي أذهب إلى عملي مُبكرًا، وكُنت مُتعب بعض الشيء.
الساعة أثنان وثُلث بعد مُنتصف الليل، راودني حلمٌ مُفزع، فتاة جميلة ترتدي فُستاناً أبيض مُلطخُ بالدماء، ووجهُها مليءٌ بالنُدبات والجروح، نظرت لي نظرة مُرعبة، ثُم قالت لي بصوتٍ مبحوح وحزين
= أكيد عارف انا مين...!؟
أقتربتُ منها قليلاً، ثُم أنفزعتُ؟! هي نفس الفتاة التي رأيتها في المشرحة وشرحت جُثتها؟!، ثُم
ضَحت ضحكة مُرعبة ثُم قالت لي:
_ أنا مريم!؛ هقتلكُم كلكم وهاخد حقي منكم.
أستيقظتُ علي معودُ عملي وذهبتُ إلى المشرحة، كانَ يومٌ مُمل، كانَ العمل قليل في ذَلك اليوم، ولَم يأتي أحد إلى المشرحة.
رجعتُ إلى البيت في نفس الموعد كعادتي، رأيتُ مِن بعيد أوناسًا كثيرة يترصاصون أمام منزلي، ويوجد سيارةُ شُرطه.؟!
ركضتُ مُهرولاً وأنا مرعوبٌ، وعندما وصلت وجدت زوجتي هند مُلقاة علي الأرض ومُغطاه بقُماشة بيضاء، وضابط يحمُل أبنتي ملك وهيَ تصرخ وتبكي بصوتٍ عاليٍ، صرتُ أركُض، قابلني ضابط أخر قبل أن أقترب مِن هند وهي مُلقاة علي الأرض.
_ حصل أي يا حضرت الظابط
أتفاجئت من إجابته وهوّ يقولُ لي بأستغراب: ملك هي اللي قتلت أُمها!
أمسكته مِن ملابسُه وأنا لا أُصدق ما يقوله: إزاي طفلة عندها سنتين ونص تقتل أُمها بالوحشية دي!؟
تفاجئت أكثر عندما قالَ لي: إحنا جاتنا مكالمة من زوجتك وهي في أنفاسها الأخير بستنجد بينا ولما وصلنا لقناها علي الأرض غرقانة في دمها وبنتها جمبها ماسكة السكينه وبتعيط!
هذا أمرٌ يجعل العاقل يُجن!؛ مَن يُصدق هذا الهراء طفلة في هذا السن تقتُل أُمها بذَلك الشكل الفظيع!؟
وعندما أنتهت الشُرطة
قالَ لي الضابط بحزن يغمُر قلبه: إحنا هنحقق في القضية فور إنتهائنا من التشريح، وهنعرف مين اللي عمل كده، لكن بنطلب منك إن محدش يلمس حاجه من الحرز عشان البصمات.
ذهبتُ لغُرفتي كي أنام أنا وملك، ولا يجب أن أترُكها تنام بمُفردها؛ وفي نفس الموعد الساعة الواحدة وسبعة وعشرونَ دقيقة، أستيقظت علي صوت ملك وهي تصرُخ بصوتٍ عاليٍ!
أخذتُها بين ذراعي وسألتها:
_ ملك حببتي في أي
أجابتني بصوتٍ يكادُ الرُعب أن يخفيه:
_ مريم.. بتقولي هقتلكم كلكم!
حضنتها بقوة، والخوف يملئُ قلبي، وجسدي بالكامل كانَ يرتعش، لكنني حاولتُ أن أتماسك حتي ملك تهدئ.
وشعرتُ بأن هذهِ الجُثه التي قومت أنا بتشريحُها ورأها سرٌ كبير، وكانَ يجب أن أكتشف حل هذا اللُغز!
وعندما أنغمرت ملك في نومها، نمتُ أنا أيضًا وبعد مرور ساعة إلا خمسة عشر دقيقة.
أستيقظتُ وأنا أشعرُ بوجعٍ في قلبي، وعندما أضائت جفون عيني، تفاجئتُ بِ ملك وهيّ تجلسُ فوقَ صدري، تمسكُ بيدها سكينةً حادةً، وتنظر لي نظرةً مليئةً بالحقد وأنتقام قائلة بصوتٍ يغتمره الرُعب:
_  لازم تموت زيي، كلكُم لازم تموتوا.
نظرتُ لها وعيني تملئُها الدموع وأنا لا أُصدق ما تراهُ عيني:
_ بنتي تقتلني أنا وأمها
غرزت السكينة في صدري، طعنتني ثلاث طعنات وهي تضعُها في صدري بكامل الوحشية.
وفجأةً وأنا في أنفاسي الأخيرة، والروح تخرجُ مني بصعوبة، تغيرت ملامح طفلتي الصغيرة وتحولت لمريم، نفس الفتاة التي كانت في المشرحة.
نظرت لي وهيّ تضحك وعيناها تنطقُ بالشر والأنتقام، ثُم قالت لي:
_ أنا اللي قتلتك أنت ومراتك مش بنتك!
أتصدمت مِن الذي أسمعُه، لا أُصدق ذَلك!
وعندما سألتها عن السبب قالت لي، وهيَ تنظُر لي بعين مُبيضة وجاحدة، وبصوتٍ يملأهُ الرُعب:
_ كُنت عائدةً مِن عملي الساعة العاشرة والنصف مساءً، كعادتي، لَكن ذَلك المرة كان الطريق فارغٌ تمامًا والجو مُظلم، لا يوجد به أي ضوءًا يُضيء الطريق إلا ضوء القمر، كُنتُ أقف بمُفردي، حتي مرة عليا سيارة بها أربعةُ شباب، هبطو من السيارة وكانوا يتلعثموا علي.
ثُمَ نطق واحداً منهم قائلاً:
يالا ناخدها معانا الليله دي.
وركبوني السيارة، ثُمَ تركوني في بيتٍ مهجور
ثُمَ أعتادوا عليا لِمُدة أسبوع، كُنت أري الموت في اليومِ مئة مرة، وعندما أنتهوا مِن فعلتهم، نطق واحدً منهُم قائلاً:
_ أنا هخنقها عشان متقولش للشرطة علينا.
وبعدما قتلوني، ألقوا بجُثتي في مكان قريبًا مِن ترعة، وتعثرت على جُثتي إمراءه دجالة، تعمل أعمالاً سُفلية، ثُمَ ربطت علي جُثتي أسحار لأشخاص كثيرة، ودفنتني، وعندما بدأو أهلي في البحث عني بمعاونة الشُرطة، وصلوا للمقبره التي كُنت مدفونةً بها.
وِمنذ وقتها قررت أنتقم مِن كُل شخص أهتك عرضي  ومِن كُل شخص ظلمني.
نظرةُ لها وأنا أتنفس بصعوبة وأنا لا أُصدق ما تقول قائلاً:
_ طيب ذنبي أي أنا ومراتي؟!
ضحكت ضحكة مُرعبة، بصوتٍ عاليٍ ثُمَ قالت لي:
_ ذنبك أنك سكت علي الحق، ذنبك إنك وقعت في شر الدجالة اللي عملت السحر، ذنبك إنك بشر من ضمن اللي ظلموني وهتكو عرضي وشرفي ووجعوا قلب أهلي عليا.
كلكم وحشين ولازم تموتوا وأخيرًا خدت حقي وحق شرفي وعرضي رجعوا.
وفجأةً أختفت كالمح البصل، وقبل خروج الروح، كانت طفلتي ملك مُنهارة من البكاء، ثُمَ مسكت يدي وألقت بنفسها بين ذراعي، وبعد موتي، وبعدما تحقق في الجريمة، تقيدتُ ضد مجهول، لعدم معرفة السبب، وفجأةً جُثت مريم أختفت مِن داخل المشرحة.
وملك أخذها جدها وجدتها.

                        *تمت*

بقلمي/أحمد جمعة السرحاني "العَزِيف"
هُنا حيثُ أعزفُ علي ألحان الرُعب، حتيَّ يدُق ناقوس "الموت"

كتاب مملكة الرعب المميتحيث تعيش القصص. اكتشف الآن