أول لوحة

823 29 4
                                    

قبل سبع سنوات....
"خالد"
طلبت بعد ذلك إدخالها إلى المستشفى، و ذهب الأمر إلى منحنى آخر....
بعدما كانت صامتة لا تتحرك أصبحت تقاوم.
أحيانا تصرخ و تضرب و أحيانا تبكي تلعن....
لا تريد الأكل و لا أخذ الأدوية، حتى أنها لا تريد أن تتلقى الجلسات معي.
خالد: و الآن ما هو العمل؟
نورا: سوف تتلقى العلاج ببطئ شديد.
خالد: لكنها تذهب إلى الأسوء.
نورا: خالد، لماذا أنت معصب لهذه الدرجة؟ لماذا تريدها أت تتعالج بسرعة؟
مسحت العرق من جبيني: الوضع معقد.
نورا: ما هو المعقد؟
خالد: وضعها، مشكلتها، عقدتها.
نورا: إذا؟
لم أكن أعرف ما تسأله نورا بالضبط، غير أن أسئلتها تجعل قلبي ينقبض.
نهضت من مكانها و كادت تغادر ثم توقفت و قالت: تعامل مع الوضع بمهنية.
خالد: ماذااا؟
ثم غادرت.
ها قد لحقت الساعة الرابعة مساءا وقت جلستنا، أنا متوتر و خائف.
أدخلوها الممرضين غصبا عنها مثل العادة و جلست.
خالد: كيف حالك اليوم مريم؟
لم تتكلم معي و لم تنظر إلي.
تنهدت ثم قلت: هل تريدين العودة إلى المنزل؟
نظرت إلي أخيرا بنظرات الكره و الحقد.
ثم أضفت: ما الذي يوجد في المنزل؟ هل كنتي سعيدة عندما كنتي في المنزل؟
بقيت تنظر إلي، لكن هذه المرة بدأت الدموع تتلألأ في عينيها.
أرخيت جسدي و قلت: سأدعك تذهبين، لكن بشرط سوف نلتقي أنا و أنتي مرة كل أسبوع في منزلك و نتشارك الحديث ما رأيك؟
أخيرا نطقت بصوت لا يكاد مسموع: موافقة.
وها قد أخرجتها على الرغم رفض اللجنة ذلك لكن حملوني مسؤولية كل شيئ.
بقيت أفكر طوال الوقت كيف يمكنني أن أعالجها أو بالأحرى كيف أخرجها من قوقعتها.
مر أسبوع و ها أنا أزور منزلها لأول مرة، إستقبلتني والدتها حيث كان والدها في العمل وأخوها الصغير يلعب مع أصدقاءه في الخارج.
خالد: إذا كيف حالها؟
الوالدة: عادت إلى صمتها و إكتئابها و لا تفعل شيئ.
خالد: أين هي؟
الوالدة: في غرفتها.
طلبت الإذن و صعدت إليها، كانت تجلس في سريرها تنظر لي الفراغ و لقد فقدت الوزن على آخر مرة.
أحضرت كرسي و جلست جنبها، أنا أعلم أنها شعرت بي عندما دخلت.
خالد: هل تتذكرين إتفاقنا مريم؟
نظرت إلي بعيون تعبانة و لم تنطق بشيئ.
خالد: إذا كنت لا تريدين أن تعودي إلى المستشفى يجب أن تتحدثي.
أخرجت ذلك الصوت أخيرا: هل تهددني؟
خالد: إنه إتفاق و الطرفين راضيين عليه.
إستدارت مرة أخرى.
خالد: هل يؤلمك رجليك؟
تنهدت و قالت بغضب: لا.
خالد: هل تعلمين أنك لو بقيت في السرير اليوم طوله ستفقدين القدرة على المشي؟
نظرت إلي و قالت بإستهزاء: هل أبدو لك في التاسعة من العمر؟
قلت بإستهزاء أيضا: نظرا إلى جسدك تبدين في الثامنة من العمر.
نظرت في أرجاء الغرفة ثم قلت: غرفتك جميلة و هذه اللوحات رائعة لأي فنان؟
مريم: ملكي.
قلت بدهشة: حقااااا، إعتقدت إنها لبيكاسو.
ثم أضفت: كنت أريد أن أعلق لوحة في غرفتي، لوحة لسماء صافية مع طائرة تحلق هناك.
مريم: ستكون لوحة مبتذلة.
خالد: لكن لديها معنى خاص بالنسبة إلي.
ثم قلت: هل تريدين رسمها لي؟
مريم: و إذا قلت لا؟
خالد: أعتقد أنك ستذهبين معي، الممرضة منى إشتاقت لك.
مريم: اللعنة عليك.
إبتسمت: على الرحب.
طلبت من والدتها أن تحضر أدوات الرسم إلى غرفتها.
نهضت أخيرا من السرير، كانت تمشي بخطوات ثقيلة و جلست في الكرسي، أمسكت فرشاتها و بدأت تبدع في اللوحة البيضاء.
جلست قبالتها أنظر إليها و أركز على كل تصرفاتها.
تمسك فرشاتها بيدها اليمنى و الألوان باليد اليسرى، تجعل اللوحة منحنية قليلا و تقترب منها لكي تركز أكثر.
تهز رجليها بحركات سريعة تعبر عن توترها وقلقها.
تنظر بعيون ثابتة، تقوم بزم شفتيها و أحيانا تعضهم.
تتنفس ببطئ و أحيانا تقطع أنفاسها لكي لا ترتجف يدها.
و عندما تعيد أنفاسها يعلو صدرها و ينزل.
ما الذي أفعله؟ يجب أن أركز... لا ليس ذلك...
وقفت بسرعة و قلت بتوتر: هل أكملتي؟
مريم بغضب: هل أنت مجنون يستغرقني أكثر من ساعة لأرسم اللوحة.
خالد: أنا..أنا بالخارج.
خرجت من غرفتها وأنا أضع يدي على صدري، ما الذي أفعله؟ 
جلست في الصالة أشرب القهوة؛ بعد ساعة عدت إلى غرفتها ووجدتها تنظر إلى اللوحة.
إقتربت و نظرت إليها، لقد كانت السماء صافية لكن لونها ليس أزرق سماوي يكاد يذهب إلى الرمادي، و الشمس قوية لدرجة لونها أصفر غامق و الطائرة.
الطائرة كانت محطمة.
نهضت بسرعة و أخذت اللوحة ثم حطمتها بيدها.
أوقفتها بسرعة و نزعتها من يدها.
أبعدت نفسها عني و قالت: سأعيد رسمها.
خالد: سترسميها عندما أغادر و عندما أحضر المرة القادمة سأجدها.
رمت الفرشاة من يدها و دخلت الحمام.
أخذت تلك اللوحة المحطمة و غادرت متجها إلى منزل نورا.
أريتها اللوحة وقلت: طلبت لوحة لسماء صافية و شمس و طائرة تحلق.
نظرت نورا إليها بتمعن و قالت: أتعلم أن الرسام يخرج ما بداخله في بلوحاته.
خالد: إذا؟
نورا: السماء باللون الرمادي يعبر عن الإكتئاب، الشمس الغامقة تعبر عن فقدان الأمل، أما الطائرة المحطمة تعبر عن الصدمة.
مرت الأيام ببطئ و أخيرا جاء  يوم الجلسة.
هذه المرة إلتقيت بوالدها، قال لي: بقيت مريم طوال الأسبوع ترسم في الوحات، ترشم لوحة و عندما تنتهي تحطمها و تبدأ واحدة جديدة.
صعدت إلى غرفتها، كانت مخربة اللوحات المحطمة في الأرض و فرشاتها الملطخة و المكسورة في الأرض، وكانت مريم ما تزال تقابل اللوحة ترسم.
كانت هي أيضا ملطخة بالألوان و شعرها مبعثر.
رفعت عينيها أخيرا و رأتني.
مريم: ما رأيك بهذه؟
إقتربت لأنظر إلى اللوحة، هذه المرة كانت السماء صافية أكثر هذه المرة لكن لا تزال الشمس غير واضحة و الطائرة تكاد تبدو سليمة.
إبتسمت و قلت: هكذا أريدها.
أخذتها و كادت تحطمها، لكنني أمسكتها.
خالد: لا تحطميها أعجبتني.
مريم: لكنها ليست مثالية.
خالد: مثالية بالنسبة إلي، أنتي رسمتيها و تعبتي عليها.
مريم: حسنا.
خالد: لقد بقيت طوال الأسبوع ترسمين؟
مريم و هي تجلس في السرير: نعم.
خالد: ألا تعتقدين أنك يجب أن تستحمي و تتناولي شيئا؟
مريم: لا أريد.
جلست قبالتها و قلت بهدوء: أنا أريد رسامة لوحتي أن تكون صحية.
نظرت ألي ثم قالت: حسنا أخرج سأستحم.
بعد نصف ساعة عدت إليها و معي بعض الطعام.
خالد: أخبرتني والدتك أنك تحبين المعكرونة.
مريم: الشيئ الوحيد الذي أجيد طبخه.
خالد: أريد أن أتذوقه من يدك في يوم ما.
قبل أن أغادر، أخذت اللوحة و كدت أن أغادر حتى أوقفتني و قالت: أين ستضع اللوحة؟
خالد: في غرفتي.
مريم: أعتقد أن مكتبك يحتاجه أكثر إنه أبيض فوق اللازم.
إبتسمت و خرجت و مثل ما قالت لي مريم وضعتها في مكتبي.
و منذ ذلك اليوم كلما نلتقي نفعل شيئ ما، يا نرسم أو نطبخ حتى نحن نذهب نتنزه خارجا، لقد تحسنت كثيرا..
أصبحت تنام بإنتظام و تتناول وجباتها حتى أنها عادت تتكلم مع أخوها و والدها أما والدتها مازلت علاقتها معها باردة.
لكنها مازلت تدخل في خالات إكتئاب من الحين إلى الآخر لكن ذلك لا يدوم طويلا..
لثد مرت ستة أشهر و ها هي إجتازت المرحلة الأصعب.
كنت في مكتبي حتى دخلت نورا.
نظرت إلى اللوحة و قالت: مازلت هذه اللوحة هنا؟
حتى منزلك أصبح كله لوحات.
إبتسمت و قلت: هذه أول لوحة رسمتها اي مريم لديها مكانة خاصة.
جلست نورا و قالت: أين وصلت في العلاج؟
قلت بسعادة و حماس: لقد تحسن كثيرا لقد زرنا الحديقة المرة الفائتة، لقد تناولنا المثلجات، لديها ذوق غريب تحب أن تجرب الأذواق الغريبة، و لقد إشترينا ملابس أيضا لدينا حفلة سنحضرها الأسبوع القادم.
نورا: خالد، أريد أن أسألك شيئ.
ثم أضافت: هل أنت واقع في حبها؟

خطفني طبيبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن