"كارل ،القاعة جاهزة" من خلف الباب الموارب أردف موظف بالمئزر الموحد أزرق اللون بعلو صوته ثم ركض خارجاً يستغل هذا الوقت في إنهاء ما لديه من أعمال بينما يحتوي المتطوع جزءاً ضخماً من الفوضى المعتاد نشوبها في أروقة هذا المكان.
استقام الشاب حاملاً جيتاره يهمهم بلحن خفيض الصوت متتبعاً الضجيج المحبب القادم من نقطة ما في الردهة أمامه، مع اقترابه كانت الأصوات تزداد ارتفاعاً وصخباً صادرة عن غرفة كبيرة مفتوحة السقف جدرانها زجاجية تفصلها عن حديقة غناء أحاطتها من كل اتجاه.
بدا دخوله كلحظة فارقة بالفعل، إذ كُتمت الأصوات لبعض الوقت قبل أن تعاود الارتفاع من حناجر مطلقيها بحماسة أعلى؛ قابلها بابتسامة واسعة تظهر سعادة حقيقية تغمره.
اتخذ لنفسه موضعاً في منتصف القاعة، في الوسط بين عشرات الكلاب مختلفة الأحجام والأنواع، استقر جرو ما على حجره هنيهات قبل أن يبعده بلطف يضعه جانباً ليأخذ آلته الوترية يستعد للعب نوتته الخاصة من سيمفونية الحماسة والنشاط الراقصة في الأرجاء.
تصاعد النغم من الجيتار هادئاً في حين وجنونياً في أحيان تالية، مسموعاً في لحظة ومغمماً بترددات النباح العالية في لحظة أخرى، شذّ عن السياق وارتجل بطيش مرات عديدة فلا آذان ناقدة تتربصه هنا؛ ليس حتى الآن على الأقل.
عندما شعر كارل بالنشاط يطفو في الهواء ثم يغلف بدنه التقط هاتفه ينقر مرات منتظمة لتشغيل آلة التسجيل المعلقة في العمود المزين أمامه بعيداً بما يكفي عن قوائم المستمعين أو أسنانهم، حينما تأكد من صفاء الصورة وشموليتها فتح البث المنتظر وفعّل خاصية ترديد التعليقات الواردة تلقائياً، وابتسم للعدسة بينما يدس هاتفه في جيبه الداخلي مجدداً.
"هل جعلتكم تنتظرون طويلاً؟ كارل خاصتكم آسف. ماذا تودون أن تسمعوا اليوم؟".
"عذراً يا رفاق، إن انتقاء التعليقات عشوائي تماماً".
"أنا جاهز منذ البارحة". عبارته الأخيرة بلهجة طفولية مرحة وجهها لفريق الاعداد العاملين في الخلفية.
'لماذا لا تزور ملاجئ القطط؟'. ابتسم العازف ما أن سمع السؤال وأجاب في حين راح ابهامه يتحسس الزغب الناعم بلطف: "هناك ملجأين للقطط في القائمة بالفعل. اصبروا قليلاً بعد يا رفاق".
'ماذا عن الأرانب؟'. زيّف الشاب ارتعاشة ثم نفى بقوة: "أنا أخافهم يا صديق".
'اجلب معك جين في المرة القادمة!'
ضحك العازف ينطق بصدمة: "أوه نعم أعلم أن هذا الطلب تكرر بالفعل. ولكني لا أظن أنها فكرة جيدة يا رفاق. جين خاصتنا لطيف بشدة وقابل للأكل ألا توافقونني؟ ان جعلناه يرقص أمام كل هذه الكائنات المتحمسة فإننا سنخسره بلا شك".
في ثواني طرد المؤثرات الدرامية من صوته وحوّله إلى جدية ظريفة: "أشعر أنني سأنام يا رفاق اختاروا معزوفة هيا!".
ترامنت الاقتراحات فوق بعضها بسرعة ولكنه بدأ في أداء المعزوفة المقررة مسبقاً على أية حال.
في غضون لحظات أوقد الشاب شعلة النشاط في المكان وتكفلت معدات التسجيل في نقلها نقية خالصة إلى المتابعين في كل مكان، بينما أخذ العاملون وراء الكواليس على عاتقهم مهمة توزيع الترددات المزعجة الصادرة عن مضخمات الصوت في الحجرة حيث يتواجد الحضور ذوي العضوية الخاصة، تجنباً لأي فاجعة قد تنجم عن الضجيج غير المرغوب به والذي سيتسبب ربما بهيجان جنوني أو أذيّة للحيوانات نزيلة الملجأ.
كفقرة أخيرة اكتفى العازف بالألحان التي تطلقها مكبرات الصوت، فرفع آلته العزيزة عالياً فوق رف ما، ثم انخرط في جولة من الرقص الجنوني متجاهلاً البث المباشر محتضناً هذا الجرو وذاك مدعياً مشاركتهم في الحركات الراقصة، مستقبلاً لعقات التحبب بابتسامة ودودة وضحكات عفوية متتابعة.
تزامناً مع انقطاع البث انفجر صدر الشاب بالايقاع المتولد عن هاتفه الخلوي والعائد إلى أغنية هي الأحدث من ضمن إصدارات الفرقة.
"أنا قادم نعم هل تحتاجون شيئاً؟".
"همم حسن سأبتاع القليل منه في طريقي".
تنهد كارل طويلاً من مقعده في السيارة المظللة، أخبر المساعد أن يمر على أقرب متجر لوازم الطبخ، وكان قد حجز المكان الأبعد عن الرجل مدارياً بذلك حساسيته للشعيرات العالقة على ملابسه، ثم حوّل اهتمامه إلى أنامله يتفقد الخدوش الحديثة ويحاول مداواة ما يلزم.
🌕
أنت تقرأ
The burning boys diaries
القصة القصيرةإضاءات على حياة متوهّجة. عن الفرقة الموسيقية الخيالية -Flaming beam- تحذير: يحتوي الكتاب على علاقات مثلية + غيرية. هذه اليوميات متفرعة عن قصة show في كتابي للقصص القصيرة. يسمح بالتحويل وكذلك بالاقتباس في رواية طويلة من دون سؤال، ولكن يجب ذكر حسابي...