الفصل 4

8 1 5
                                    

الفصل الرابع: يوم اللقاء الأول

( تختلف المناسبات و تتنوع منها المناسبات العائلية و منها مناسبات الأفراح وغيرها..
مناسبة اليوم مناسبة عائلية يجتمع فيها أفراد العائلة مع بعضهم البعض داعين رفاقهم و الناس المهمة لتعزيز المكانة الإجتماعية و تبادل الأخبار و الخبرات )


لقد كانت الساعة الثامنة مساءً في فندق ليتل قراند في قاعة إحتفالات كبار الشخصيات و التي تتسع لأكثر من 400 مدعو غير أن الحضور أقل من ذلك..
كانت أصوات الحديث تملئ المكان بخلاف ما كانت تتخيل ليز لم يكن الحفل كالحكايات الخيالية حفلاً راقصاً تملؤه الموسيقى الرومانسية الهادئة..بل كان لقاءً شديد الرسمية يجمع بين العائلة و بعض الضيوف من الأصدقاء و الشخصيات الهامة الأخرى و وجهاء المجتمع..
كان معضم اليافعين و الشباب احتلو الطاولات بحثاً عن أقاربهم المفضلين و أصدقائهم في حين أن كبار العائلة يقف الكثير منهم مؤدين الواجب من أحاديث و مجاملات متنقلين بين قريب و صديق أو رفيق عمل..

وقفت ليز متذمره في أحد الزوايا محاولةً عدم إضهار عدم الإرتياح من تلك التنورة السوداء الطويلة و شعرها الذي عقد في الأعلى مجبرةً في حين رغبتها في إسداله لتحذرها روبي قائلة:
-لو أنكِ تُبدين تعابير الدهشة المعتادة على محياكِ بدل التجهم سيكون ذلك أفضل كيف تنصحينني و تقولين أننا مضيفات و الواجهة أمام الضيوف ثم تظهرين ذلك التعبير المنفر؟
ردت ليز مدافعة:
-ليس باليد حيلةٍ آخٍ يا روبي لا أحب ملابس العمل هذه الخاصة بالفندق من أخبرهم أن التنانير الضيقة و الطويلة تساعد على العمل ثم هل شعري هكذا جيد؟
- إنه زي موحد ثم لا تتذمري من أول ساعة في العمل.
- لست أفعل ذلك.
- على الأقل تذمري في داخلك فصوتكِ مرتفع.
- تعلمين أنّي ولِدت صارختاً و منذ لحظة ولادي لا أستطيع إطباق فمي و لا أضع كلمة في صدري لكن سأحاول نطق كلماتي بصوت هامس على الأقل.
حاولت روبي تلطيف الجو على ليز دراً لأي إحراجات فهي تعلم ليز حق المعرفة لذا قالت لها:
-بالمناسبة تبدين أنيقة ليتني أستعرت من أحمرة الشفاة.
إبتهجت ليز و تغير مزاجها فابتسمت و قالت لتتأكد أكثر:
- حقاً ! هل أبدو كذلك ؟ هل أحسنت إختيار اللون؟ لقد حان وقت العمل.
حذرت روبي ليز كي لا تؤذي أحداً بسبب حماستها:
- لا تحرقي أحدهم بالقهوة!
- لا لن أفعل!

إنطلقت ليز للضيافة و ها هي ثاني طاولة تؤدي فيها ليز واجبها حيث يجلس فيها ثلاثة شبان يتجاذبون أطراف الحديث بشكل هادئ عدا أن الشاب الأشقر بينهم كان صامتاً و محدقاً بها بعينينه الخضراوتين و حين كسر صمته قال لها:
-لن تحرقيني صحيح!

نظرته الحادة لم توحي لها بأنه يمازحها رغم ابتسامته المجهولة ساخراً كان أم مازحاً لذا تلعثمت ليز و قالت:
-أ أحرقك!
إبتسم الشاب و قال لها:
-إني أمازحك لقد سمعت محادثتك مع زميلتك تلك دون قصد!

هذا الشاب " إيفان ريكس يبلغ من العمر 32 سنة من عائلة ريكس القائمة على الحفل "
ردت ليز معتذرة:
- إني آسفة سيد..لست أقصد إنها كانت مزحة أيضاً.
عرّف إيفان عن نفسها لها و قال:
- إنه " إيفان ريكس " إسمي و لو وضعت زميلتك نفس أحمر الشفاة لما أدى عمله!
توترت ليز قليلاً ثم قالت:
-أ المعذرة قلت تريد قهوتك بالحليب أو دونها!
-أفضل الشاي.
-آه هكذا إذاً.. كنت أعني هل تفضل القهوة أم الشاي!
-لا بأس بذلك..
إلتفتت ليز بعدها إلى تلك الفتاة التي ترتدي الفستان الطويل و الأبيض و التي تجلس بقرب إيفان يبدو من ملامحها أنها تشابه السيد ايفان غير أنها مموجة الشعر بملامح أكثر نعومة.
-سيدتي هل تحبين شرب القهوة أم الشاي؟

هذه " ايفي تبلغ من العمر 26 سنة من عائلة ريكس أيضاً و هي شقيقة إيفان الصغرى"
- دعيني أرى أريد القهوة..
إلتفتت بعدها ايفي إلى ذلك الشاب الذي يجلس بقربها لتسأله: مارسيل بالتأكيد تحب أن تكون قهوتك خالية من السكر مثلي صحيح؟
رد شاب يشبه كليهما نوعاً ما غير أنه ورث شعر الأسود عن أمه مارسيل:
- بالتأكيد فلم أحضر معي إبر الأنسلين.

هذا الشاب " مارسيل ريكس العمر 28 إبن عم ايفان و ايفي "

ردت عليه فتاة سمراء قد رفعت شعرها الأسود الطويل للأعلى كالكعكة ليغدو مجهول الطول فقط لكي يتناسب مع فستانها المبهرج بالرسوم و التطاريز من أعلاه إلى أسفل قدمها لينتهي بحذائها مجهول اللون حيث غطى طرف ثوبها الحذاء:
-هل تحب أن أذهب إلى الغرفة لإحضارها؟
هذه الفتاة " ريبيكا عمرها 23 سنة صديقة لمارسيل "
لكن مارسيل رد نافياً:
-لا لا يا ريبيكا لا بأس بذلك سوف أتدبر أمري ليس من المريح تناول الإبر مع هذه الملابس الغير ملائمة.
-لا بأس لكن أخبرني إن غيرت رأيك..

سألت ليز ريبيكا بعد أن سكبت القهوة إلى كلاٍ من ايفي و مارسيل:
-آنسة ريبيكا هل تفضلين القهوة أم الشاي.
- لا شيء شكراً يا آنسة.

ذهبت ليز والتي بالكاد إنهت خدمة الطاولة متوترة إلى دورة المياه تأملت و جهها قليلاً قبل أن تمسح أحمر الشفاه..
- مالذي تفكرين به يا ليز! كان وسيماً و ثرياً هل ليس ذلك ما تريدينه ! لقد حدث ذلك خلال الساعة الأولى من العمل بغض النظر عن البقية قد لاحظ أحمر الشفاة الخاص بي.

يقطع شرود ليز دخول ساندي إلى دورة المياة لتتفاجئ ليز:
-آسفة كنت فقط.
-ليز لا بأس تعالي..

تبعت ليز ساندي التي كانت متوجهة نحو باب القاعة حيث و جدت نوعاً من التأهب المجهول من العاملين في الفندق و بعض المتعاونين..
وضعت ساندي يدها على كتف ليز لتشرح لها ما يجب عليها القيام به:
- ليز الآن سوف يصل السيد روس و إبنه عليكِ الترحيب بهم مع الأخريات , نريد شخص بشكل لآئق ليرحب بهم بشكل بالغ الأدب, لقد كنت أراقبك أنتي تستطيعين ذلك صحيح؟
- سوف أفعل ذلك..
-إذاً هيّا هلمي للآخرين.

لقد إنضمت ليز للأخريات قرب البوابة الخاصة بالقاعة بانتظار ذلك السيد المدعو روس حيث رحبوا به بموكب من العاملين في القاعة , دخل القاعة رجل متقدم بالسن خالط الشيب شعره الأشقر المسرح إلى الخلف ممسكاً بعكاز أسود توائم مع لون ملابسة غير أنه يتضح جلياً أنه يمسك العكاز بكبرياءٍ ليس بغرض الحاجة حيث لم يؤثر ذلك على وقار سيرة و الذي أحاط به الترحيب الحار من المحيطين به هالة من الفخامة يتبعه شاب يافع يتخلف عنه بخطواط قليلة عبوس الوجه بشعر أشقر مبعثر لكن يبدو جلياً أنه إبنه حيث كانا يمتلكان العينين ذاتها غير أن السنين قد أدت عملها على وجه السيد المدعو روس بخلاف ذلك هو يفتقد هذا الشاب للوقار عكس والده.
إنفض موكب الترحيب إلا أنه لم تفارق الإبتسامه محيا ليز حتى بعد انصراف جميع المضيفات حولها فقد غزاها شعور بالسعادة بمجرد التفكير بكلمة المضيفة حين قالت " أن شكلها لآئق " كانت تنظر يمنى ويسرى تتخيل نفسها بين الحاضرين مرتدية فستان أنيق تتناول من تلك المقبلات و الحلويات و تحتسي القهوة دون أن تسكبها لنفسها.

نطقت ليز بصوت خافت:
- يالحضهن الوفير يا ليتني أحدى أفراد هذه العائلة الفخورة ..انظروا الى عددهم..
ردت عليها روبي التي إقتربت منها لتخرجها من عالمها الآخر كعادتها:
-هل قلتِ شيئاً؟
- لا لا شيء محدد..
تسائلت روبي فقالت لتتأكد من ليز:
- هناك بعض التوتر في الجو فجأة الا تلاحظين؟ خاصة بعد دخول السيدين قبل قليل..هل تسمعين ذلك؟
-لا لم أسمع شيء من بين الضجيج..
- تبدو كنميمة أو ما شابة إن ذلك الشاب الذي دخل خلف السيد يبدو غير محبوب.
- تعنين ذلك الشاب الصغير الأشقر الذي يرتدي ملابس رسمية سوداء؟
- نعم لكن الذي ربطة عنقة حمراء اللون.
- هكذا إذاً ليس الصوت واضحاً لكن لا أعتقد أن الأمر يخصنا.
النميمة تشتعل كما كانت تقول روبي بالفعل فلم يكن ذلك الشاب محبوب بل كان مكروهاً ذلك كان واضحاً من ردود فعل الجميع فها هو ذلك الرجل العجوز يعلق قائلاً بعد أن وضع كوب قهوته بملامح قلق:
- أنظروا من جاء إنه مندل إبن السيد روس!
بينما ردت تلك الفتاة قائلةً لإمها:
- لا أصدق ذلك ! كم أتمنى أن لا يجلس بقربنا.
لترد عليها اختها بحماس:
-على العكس رعونته تثير إعجابي ليته يرافقني حفل اليوم.
تنهدت هذه الأم لتقول لإبنتها:
-إذهبي وحدك لإبن خالتك هذا إذاً مسكينة هي أختي على هذا الشاب.

البعض رمى بعض التعليقات بينما الآخرون تقول نظراتهم الكثير غير أن البعض يحاول تجاهل وجودة و الجلوس إلى حيث لا يكون موجوداً..

بعدما تأملت ليز الجو شعرت فعلاً أن هناك خطب ما لذا قالت لروبي:
- حسناً هذا الشاب اليافع يبدوا مختلفاً عن الآخرين لكن ولده شخص وقور..
قاطع تعليقها نداء أحدهم لكي تباشر عملها:
- هل لكِ أن تباشري العمل؟
- سوف أفعل أنا ذلك..

اقتربت ليز إلى حيث إستقر كلاً من مندل و والده..
قال الأب بهدوء لإبنه:
- هذب ربطة عنقك..
- لكنها لا تناسب ملابسي..
- و هل اكتشفت ذلك تواً! هذب ربطة العنق فهي مناسبة.
قاطعت حديثهما ليز ببالغ الأدب ملتفتتاً إلى السيد روس أولاً:
-سيدي هل تحب القهوة أم الشاي؟
- القهوة..
-هل تفضلها بالحليب؟
- لا أفضلها كذلك..
تذمر مندل وهو يتلفت يمنى ويسرى متجاهلاً ليز التي تقدم الضيافة:
- حفل سيء.
- يؤسفني سماع سيدي ذلك هل تحب أن تشرب شيء معيـ
رد مندل مقاطعاً:
- لا شيء!
- سأكون في الخدمة عندما تغير رأيك..

إلتفتت ليز لترى ايفان من بعيد و عندما التقت عيناهما رفع يده لها بلطف منادياً إياها و قبل أن تنصرف سألت السيد مندل و والده:
- سيداي هل من خدمة أخرى؟
صمت مندل بينما رد روس:
- يمكنك متابعة عملك.
- عن إذنكما.

فكرت ليز أثناء انصرافها عن تلك الطاولة على الأقل السيد ايفان يبدو لطيفاً بعكس هذا السيد الذي أشعر و كأنه على وشك ضربي , من الجيد أن لم يطلب مني خدمة تلك الطاولة الهامة لنهاية اليوم.

ما إن إنصرفت ليز حتى رد الأب معاتباً إبنه:
- هل كلمة شكراً لك تكلف شيئاً لقد أخفت الفتاة؟
لكن مندل تجاهل سؤال والده ليسأل سؤالاً آخر:
- أبي هل هو حفل زفاف؟
- لا ليس تحديداً..بل هو لقاء هام..
- إن كان ليس حفل زفاف و لا تخرج و لا شيء فلماذا يقام؟
- ليجتمع كبار المجتمع و تقوى علاقتنا الإجتماعية مع الأقارب بل الجميع..
تأمل مندل إيفان بإشمئزاز ليسأل والده من جديد:
- و هل هذا الشيء هناك من كبار المجتمع ! أنت تعرف أني أكره ايفان هذا تعساً له فكيف تصحبني إلى حيث هو موجود؟
- إنه من أقاربك يربطكما دم هل نسيت؟
- أشعر أنك تتعمد عقابي باصطحابي لتلك الأماكن لأني لم أكن صالحاً خلال الأيام المنصرمه.
- بل لأن والدتك تحتاج أن ترتاح بضع ليالٍ منك.
- يااااه كم أشعر برغبة ملحة بتوجيه اللكمات يا أبي؟
- أنا كذلك.
- حقاً يا أبي ! هل ايفان يغيضك أنت أيضاً! هل فاتحت الموضوع مع عمي؟
رد الأب بهدوء بالغ و همس في أذن ولد:
- بل قد أوجه اللكمات لك فأنا أحاول منذ وطئت قدمي هنا أن أكون حليماً معك , هل يمكنك ملاحظة أن لا أحد يريد مجالستي و محادثتي مع أني من كبار العائلة بسببك؟
رد مندل بقلق:
- آسف.
- وعندما يأتي أحد لتحيتي , هذا و إن أتى أحد " فقط إدعِ أنك أبكم"
شد مندل على شفتيه ممراً إصبعه عليه مشيراً لبدء عملية الصمت.
توجهت ليز إلى حيث يجلس السيد ايفان و مجموعته لتسأله:
-هل من خدمة أقدمها لك يا سيدي؟
-ما إسمكِ يا فتاة؟
- ليلي أعني ليز!
قال ايفان ثم تناول كوب الشاي: يعجبني ليلي أكثر..

الأفكار كانت تغزوا رأس ليز وهي تبتسم بهدوء متأملتاً هذا الوجه الوسيم يحتسي الشاي بهدوء..ما هذه التفاهه كيف أخبره أني ليلي كم أنتي ساذجه يجب عليكِ عدم التعلق بالإسم هذا مجداً تجنباً للإحراج إن العمل أمر صعب لربما لهذا لا يعمل غير كبار السن و الراشدين.

وضع ايفان كوب الشاي ثم قال لها:
-هل ترين تلك الفتاة؟ لم تحسن ضيافتي..
التفتت ليز الى روبي ثم سألته:
- تقصدها..أعتذر سيدي بالنيابة عنها أرجوا أن لا تشكوها.
- لا بأس قد أتغاضى عن ذلك عندما تقدمين لي أنتي هذه الخدمات..
- بالتأكيد سأفعل هل تفضل شرب شيء قبل العشاء أم تناول بعض الحلويات؟
- لا شكراً لكن بالمقابل أنا أسكن في هذا الفندق هذه الأسابيع القادمة هل يمكنني طلبكِ بالإسم أثناء إقامتي؟
- أعتذر لربما لا يمكنك ذلك فأنا أعمل فقط لمدة مؤقته لست من موظفات الفندق.
- ياللأسف إذاً أنتِ تقومين بإدارة حفلات في أماكن مختلفة؟
- ليس الأمر كذلك أيضاً! لكن يصعب شرح ذلك..إني أعمل أعمالاً مختلفة في حال حصلت على عرضٍ جيد طبعاً.
- عمل حر؟ هذا يروقني.
- يروق لك!
- أعني أنه يصادف قريباً أني سأقيم حفلاً لأحد الأصدقاء إن قدمت لك عرض جيداً هل سوف تقبلين؟
- لست متأكده من ذلك.

أخر ايفان بطاقة عملة ثم قال:
- يمكنك التواصل معي في حال التأكد.
- حسناً ليس وسيلة للإتصال.
- ياللأسف! لقد أحببت حيويتك كثيراً سوف تضفين الكثير لحفلنا لذا إن غيرتي رأيك سوف تجدينني هنا في الفندق لمدة اسبوعين يمكنك سؤال موظفي الإستقبال عن ايفان ريكس.

شكرت ليز ايفان و انصرفت لتباشر عملها ليلتفت إليه مارسيل متسائلا:
-ايفان! مالذي تفكر به.
- انظر ما الطفها و ما أسذجها سوف تؤنسنا بالحفل تتحدث مع ذلك وذلك انظر إليها تبدو مشعة.
- أشعر أنك تفكر بشيء آخر!
كان لريبيكا نفس رأي ايفان لذا قالت لمارسيل:
-لا بأس بها تبدو ظريفة أليس ذلك صحيح ايفي؟
-لا يمكنني التوافق مع الصغار كثيراً لذا لا يمكنني القول أنها لطيفة فعلاً.


غرفة ليليحيث تعيش القصص. اكتشف الآن