الفصل الثاني

545 20 0
                                    

بقدر ما تعطيه الحياة بقدر ما تسلبه منك..
بعدما أعتقدت بأنها امتلكت الدنيا وبما فيها..
فجأة كل شيء تدمر من حولها..
وأغلقت الحياة بابها بوجهها..
فلم تجد أحد يساعدها، وقعت ولم تستطع النهوض..
تحول زهوها للسواد، ولم يتبقى شيء يمكن أن تفعله..
_ زينب خالد


لا يدرك كيف يقود سيارته في ثواني معدودة لكنه يعي جيدًا بأن نبرتها ألمت قلبه لأول مرة، نبرتها كانت مختلفة وكأنها تعرضت لصدمة لن تفيق منها أبدًا، وما ألمه بأنه لأول مرة يستمع لنبرتها هكذا .. أوقف سيارته على حين بغتة، أدى إلى ارتفاع صوت احتكاك الإطارات بالاسفلت أمام مكتبها.

وجد الجميع متجمهر منصتًا لنبرات آسفة حزينة على ما حدث، وجدها تجلس على مقعد وعينيها مثبتة على ما تبقى منه، رمق المكان فشعر بصدمه تغمره تجلت على ملامح وجهه الهادئة، المكتب حقًا تحول لكومة محترقة كبيرة الجميع رأى ما حدث تبعًا للزجاج الذي أخذ مساحة كبيرة من المحل الذي تدمر فأصبح كل شيء ظاهر للعيان والأرض مليئة بالزجاج المتكسر، كل شيء بالداخل تحول لبقايا محترق ، جميع الأشياء منكسرة لأشلاء ثم وضع البنزين في جميع الأنحاء ف دامت النار لبعض الوقت لكن المريب بأن الحريق انطفأ مثلما اشتعل وكأنها رسالة ذات مغزى قاسية للغاية  .

حاول إستجماع نفسه سريعًا، فصرخ بالجميع للتفريق بينما سار لصبا ليجد مريم تقف فوق رأسها تأخذها بين أحضانها وعينيها شاخصة بوجه جامد لا روح ولا حركة، جثى أمامها يتطلع لها بحزن وألم، فرفع رأسه لمريم يسألها مستفسرًا:
ازاي ده حصل

أجابته مريم جاهلة لما حدث بنبرة خافتة متحشرجة وعينيها تلمع بها الدموع حزن على صديقتها:
معرفش .. أنا جيت في معادي زي كل يوم لقيت المحل زي ما أنت شايف كدة، وهي لا بتتكلم ولا بتتحرك .. كتر خير صاحب المحل جمبينا جابلها كرسي قعدت عليه، حاولت أفهم من اللي حواليا لو حد شاف حاجة لكن للأسف محدش عارف حاجة .. اللي عمل كدة كان مختار توقيت صح مفيش فيه جنس مخلوق

نظر هادي لصبا مجددًا مضطربًا خائفًا أن يحدث لها مكروه  لذلك تحدث بنبرة هادئة حنونة:
صبا .. صبا.. ردي عليا، عايز اطمن عليكي متقلقنيش أكتر من كدة

كانت بعالم آخر بمفردها لا تسمع ولا ترى إلا مشهد يعاد أمام عيناها بقسوة، جاهد كثيرًا هو ومريم لجعلها تخرج من دوامتها على أمل أن تتفاعل معه ولكن لا فائدة ..

ظل على جلسته لم يكل ولم يتعب بينما مريم تربت على خصلات شعرها وظهرها بحنان محاولة جعلها تخرج عن حالتها وبعد فترة استطاعت أن تستوعب ما يحدث، رمشت بعيناها عدة مرات وحركت رأسها من حضنها فوجدت مريم و هادي يجلس على ركبتيه أمامها ينظر لها بأعين متلهفة مهتمة لأول مرة تراها بعيناه، نظرت للأمام فوجدت الحال كما هو  فعتقدت بأنها نائمة وهاجمتها إحدى الكوابيس المزعجة لكن لم يكن كابوس بل واقع مرير عايشته بكل جحوده .. هتفت بكلمة واحدة خرجت من شفتيها خالية من أي شيء فقالت:
روحني

اطمئن هادي داخله عندما وعت لما يحدث لكن نبرتها ألمت قلبه بقوة ولم يعلم كيف يداوي جرحها .. فقرر الحديث معها ليعلم منها أي شيء فسأل مهتمًا:
قوليلي الأول حصل أي 

رمقته متعجبة لعينيه المتلهفة والمهتمة لنطقها لأي كلمة ولكنها هتفت لنفس الكلمة وكأنها لا تتحدث إلا بها:
روحني

نظرت له مريم ترمقه بالموافقة وألا يتحدث معها وهي تعلم لما تريد العودة للمنزل، تنهد ثم نهض بجسده وساعدتها مريم لتنهض بها وأخذتها لسيارته، جعلتها تجلس وأعطتها متعلقاتها ثم أغلقت الباب فسندت صبا رأسها علي الزجاج ..

تحدثت مريم لهادي بعدما ابتعد عن سيارته:
هخلي حد يرجع العربية بتاعتها، ومتكلمهاش تاني أنت عارف لما بتتصدم بيحصلها ايه، وأنا هدور واسأل أي اللي حصل ومين اللي ليه يد بكدة

هز هادي رأسه بهدوء بينما تحدث بجمود:
هروحها بعدين هجيلك ونشوف هنعمل أي

هزت رأسها وتركته متجه للمكتب أو الذي تبقى منه، بينما التف بناظره لها وجدها تنظر للمكتب بأعين شاخصة لا شيء بها، ظل يرمقها بإهتمام ثم توجه خلف عجلة القيادة يجلس بجانبها متوجهًا نحو منزلها

لم يتحدث معها مجددًا بل تركها على حالتها ولكن ترك لعيناه الحرية بأن ينظر لها من الدقائق للأخرى يراقبها بإهتمام، يعلم جيدا ما تمر به، حيث بإحدى المرات حدثته بأنها عندما تمر بصدمة كبيرة أو يحدث معها شيء تدخل بعالم أخر وتهرب من الواقع عن الطريق النوم حيث تظل لأيام نائمة إلى أن تشعر بأنها تريد العودة، فمهما حدث لن تجيب عليه إلى أن تريد هي هذا ولكنه لن يتركها حتى لو لم تتحدث ثانية.

                              ********
مكتب ميرا ..

رفعت ميرا ناظرها عندما فتح الباب بعنف يليه دخول هنا وجهها لا يبشر بالخير فتعجبت دخولها بهذا الشكل وحالتها الغريبة وقبل أن تستفهم منها قاطعتها بغضب قوي:
أنت اللي عملتي في مكتب صبا كدة، مكنتش اتخيل إنك توصلي للدرجة دي

لا تدرك ما بها وكيف تتحدث معها بهذه الطريقة، فأردفت ميرا منفعلة التي لم تقنع هنا:
أي اللي عملته وبعدين أنت ازاي تدخلي بالطريقة الهمجية دي

ضربت هنا على المكتب بقوة غاضبة وأجابتها: 
همج .. أنت لسه شوفتي همجية، الإنتقام وصل بيكي إنك تدمريها بالشكل دة .. اقنعيني بقى إنك متعرفيش متستعبطيش عليا

لم تتحمل ميرا هذه الإهانة، ارتفع ذروة غضبها الذي ماثل غضب هنا فأصبحت الاثنتان ككرتين نار لا تنطفئ أبدًا، أردفت بنبرة عالية موضحة:
يا تقولي في أي يا تطلعي برة زي ما دخلتي

ضحكت الأخرى بسخرية لم تستطع كبحها وأجابت متهكمة:
لا حلو داخلة حلوة لكن مش هتدخل عليا .. طبعا فرحانة بأن محل صبا أتحرق وأدمر

صدمت للغاية بل صعقت لما استمتعه ولكن السؤال هو هل أتت غاضبة لأنها مدركة بأنها الفاعلة؟ ، لا تنكر بأنها فكرت أن تنتقم لذاتها ولكن جلست أمس مع نفسها وظلت تفكر لكثير من الوقت خاصة بحديثها معها وحقيقة بأنها اقتنعت بحديثها لذلك قررت الانشغال بأعمالها وعدم التركيز مع صبا ثانية، بالرغم ذلك حزنت بداخلها ولكن سريعًا ما انقشع حزنها و ابتسمت بنصر وكأن الله أراد رد حقها، انتبهت لترقب هنا لها وشعرت بالحزن يعتريها لما آلت إليه الأمور وأعتقدت بأنها تفعل هذا لذا أردفت بنبرة رخيمة يشوبها الحزن:
أنت تعرفي عني أني ممكن أذي حد، دة أحنا من قبل ما نبقى رئيسة ومساعدة بتاعتها، ف أحنا صحاب ليه تاخدي عني الفكرة دي

أقتربت منها الأخرى ورمقتها بتفحص لملامح وجهها محاولة اختراق دخلها مجيبة بوضوح:
عشان وقت الغضب الإنسان بيتعمي أنه يشوف اللي حوليه، ف ياما أنت اللي تتحكمي بغضبك يا هو يتحكم فيكي ويخليكي توصلي للانتقام مقتنعة بإنك كدة بتاخدي بتارك من اللي آذاكي.

أخذت ميرا نفس عميق وجلست على مقعدها وزفرت بتنهيدة قوية فتحدثت بنبرة هادئة:
منكرش أن فكرت في كدة .. بس مهما فكرت ف هو مجرد تفكير لكن عمري ما أفكر أذي حد بالشكل دة

رمقتها بتمعن متفحصة إياها ولكن هي على حق، تعلمها جيدًا مهما غضبت فإنه مجرد غضب تخرجه على هيئة كلمات وطاقة محبوسة بداخلها، لكن حديثها أمس لم يكن يبشر بالخير اطلاقا لذلك عندما علمت صباحًا ما حدث لم يأتي ببالها إلا بحديثها وعما تريد فعله لذلك الغضب أعماها وهيئ لها بأنها الفاعلة لذلك تنهدت بضيق وجلست أمامها بينما ميرا تراقبها بحزن وسألتها باهتمام جلي:
هو أي اللي حصل وعرفتي إزاي

أجابتها هنا بنبرة هادئة عكس غضبها من دقائق:
المكتب زي ما قولتلك حد كسره وولع فيه مبقاش فيه حاجة تصلح لشيء الموضوع منتشر بقاله ساعة .. وأنا من ساعة ما عرفت مع كلامك امبارح كله جاب بعضه فقولت يبقى أنت اللي عملتيها

أجابتها بتفكير وعقلها يدور في فلك بمن يقدر على فعل ذلك:
بس مين اللي ممكن يعمل كدة .. وطبعا هبقى في دايرة الشك عشان بعد الكلام اللي قولته ليها

فكرت هنا بهذا المأزق ثم قالت بوضوح:
بحاول اشوف حل عشان منطلعش أن لينا يد بالموضوع

رغم شعور الأسف الذي شعرت به على ما حدث ولكنها ابتسمت بنصر وكأنها فازت وتحقق لها ما أرادت لذلك هتفت ببسمة منتصرة:
وليه منستغلش الموضوع دة ونكون أحنا التوب .. والله ضربة وجت في الجون ومحتاجة زيارة ليها بأسرع وقت، عايزاكي تعرفيلي الفترة الجاية هي هتبقى فين واروحلها

نظرت لها الاخرى بعدم تصديق لما تقوله وبدل من محاولة نفي التهمة تحاول نسبها لها لذا تحدثت بعدم فهم:
يعني بدل ما المفروض تحاولي تبعدي عن الشبهات تروحي تلزقي فيها مش فاهمه عقلك فيه أي.

ابتسمت بملامح وجه مشرقة مستمتعة بنصر جاء بصفها دون مجهود مجيبة:
عقلي فيه كل خير إن شاء الله

                                *******
مطعم هادي ..

كان يجلس على مقعده متكأ عليه بجسده ينشد الراحة لتأتيه، الأحداث حوله كثيرة ما بين المطعم و صبا المنغلقة  حتى الآن، لا يعرف كيف الوصول إليها وهي قطعت كل سبل الإتصال به وبمريم حتى عندما زارتها ببيتها لم تجيب عليها بعد محاولات عدة، فشعرت بالتعب وتركتها لعلي في يوم تجيب عليهما .. ومنذ ذلك الحين وهو يمسك جميع أعمالها مع مريم، يحاولان التوصل للفاعل من جهة ومن جهة أخرى يعيدان ترميم المكتب مرة أخرى، ومساءً يمر بالمطعم ليطمئن على سير العمل وبينما هو غارق بأفكاره ..
استمع لطرقات الباب فأذن للطارق، طل عليه أحد الشيفات العاملين بأحد من فروعه .. اعتدل بجلسته وتحولت ملامحه للهدوء الممزوج بالجدية ثم أشار له بالجلوس أمامه .. تحدث الشيف بنبرة هادئة قلقة موضحا: 
عارف أن حضرتك مستغرب وجودي هنا لكن جاي أقولك لحضرتك بشيء ملكش علم ليه

استقبله هادي حديثه وملامحه كما هي لم تتغير بل أجاب عليه مستفسرًا:
بمعنى

قرر هزم مخاوفه بأنه قطع نصف الطريق يتبقى له النصف الآخر، بدأ بسرد ما يراه ومخفي عن مرأى من الجميع:
مدير المطعم بيسرق من فلوس المطعم ويحولها لحسابه

تمعن النظر لملامح وجه لكن وجدها ساكنة لم يتأثر ولو ذرة وكأنه يتناقش معه بأحد المواضيع وليس عن سرقة أمواله بينما حثه هادي على إكمال حديثه قائلا بنبرته الرخيمة:
كمل وازاي دة بيحصل

شعر بالاضطراب قليلا لكنه أكمل حديثه مفسرًا:
بيبدأ أن يشوف الجرد ويجيب العدد الأقل من المطلوب واللي ناقص بيجيبه من فلوسه وبيستفاد بباقي التمن دة لنفسه دة غير إنه بيضرب بعض حسابات المطعم وياخد الفرق وتتحول لحسابه

تمعن النظر بالشيف قليلا فرأى توتر ملامحه لكن الصدق كان واضح بعينيه، اتكأ بجسده للخلف متخذًا من الصمت دقائق بعدها سأله مستفسرًا:
وأنت عرفت منين كل دة

أعتدل بجلسته بتوتر وأردف:
في الأول مكنش بيبان بعدين في مرة الطلبية جت أقل من اللي محتاجينه وقال أن باينهم اتلخبطوا وأنا هتصرف بعدين كانت بيتلعب بالورق لأن زي ما حضرتك عارف أنا اللي بعمل الجرد وبدأت انتبه .. فضلت ادور وراه لغاية فعلا ما لقيت ورق بحساب بتاعه بيزيد كل فترة بنفس الرقم ف أول م اتأكد جيت عشان أقول لحضرتك على طول

أومأ هادي برأسه ثم تحدث :
عايزك الفترة الجاية تراقبه كويس وفي الوقت المناسب هقولك هتعمل أي

اومأ موافقا وأجاب بطاعة:
حاضر يا شيف

نهض بجسده واتجه للخارج بينما الاخر ظل جالسا يفكر فيما يمكن أن يفعله بعدما زادت الاعباء لعبئ جديد، يحاول اللعب بشكل صحيح حتى يستطيع الإمساك به متلبسا لفعلته.

                               ********

بعد عشرة أيام ..

تفترش على الفراش شادرة للاشيء حولها، منذ الحادثة وهي ظلت نائمة لمدة أربعة أيام كاملة تنهض وتعود مجددًا للنوم حيث أنها منذ أن كانت صغيرة عندما تتعب أو تدخل بإحدى الصدمات كانت تهرب بالنوم لذلك تظل نائمة لعدة أيام، ومنذ أن استيقظت وهي لا تفعل شيء غير البكاء تشعر بطاقة سوداء تحوم حولها، غصة مريرة لا تنزاح أبدًا من حلقها، لا تجيب على أحد ولا تتحرك كل ما تفعله البكاء فقط، تشعر وكأنها وحيدة ولا تجد من يقف بجانبها، تشعر بأن حياتها توقفت فجأة ولن تسير مجددًا ..

العمل تركته وما عرفته أن مريم تدير كل شيء وتحاول البحث عن الفاعل ولكن لم تجد ولا دليل واحد .. هذا ما قرأته من هاتفها على الرسائل التي لا تجيب عليها، يصلها الكثير والكثير ولكن لا يوجد لديها النية للإجابة حتى هادي يحاول الوصول لها بكل الطرق ولا يجدي نفعًا .. تشعر بالوحدة الشديدة وداخلها فراغ، أحيانا تبكي لبعض الوقت وأحيانًا لا تستطيع، حتى الطعام لا تأكل إلا لسد رمقها فقط، شعور الوحشة ينتهكها بقوة، لأول مرة تشعر بهذا أحيانا تمل من الوحدة وتمر بفترات كئيبة لكنها تحاول دائما أن تسير لا الوقوف في نقطة فارغة، هل ستظل هكذا وتجعل الحياة تقف من حولها أم أنها مجرد محنة قاسية وستمر ؟!! ..

لا تعلم ولا تدرك متى ستنهض مجددًا وتزيح كل ما يؤرق حياتها .. استمعت طرقات الباب كعادة كل يوم تأتي مريم من الخارج تطمئن عليها وتشجعها لتنهض ثم ترحل مجددًا وكأنه روتين يومي تفعله، لكن هذه الطرقات هادئة كصاحبها .. ظلت تستمع بلا إهتمام ولكن الطرقات تزداد بعنف وكأنه يريد الدخول بأي طريقة، نهضت وهي غير قادرة، تشعر بجسدها يئن من كثرة التعب .. سارت بخطوات بطيئة مرهقة وكأنها تمشي لألف ميل وليس عدة خطوات ، لم تهتم بهيئتها المزرية أو بشعرها المشعت .. فتحت الباب فرأها وهي بهذا الشكل، لا ينكر أنه انكر حالتها هذه بداية من وجهها الشاحب والسواد متركز بشدة تحت عينيها وشعرها الغير مرتب، لم يعهدها هكذا.. نظر لها بعدم تصديق ولكن حاول تدارك نفسه وانقلبت ملامح وجهه للغضب خاصة مع حواجبه المعقودة بقوة وفكه الحاد ..

تحدث هادي بغضب شديد وعينيه لم تبرح وجهها:
أنت هتفضلي في البيت كدة كتير .. وازاي يا هانم مبترديش عليا وشغلك اللي سيباه، هتفضلي كدة كتير

لا يوجد لديها النية للإجابة ولا حتى للمناهدة فأجابت إجابة خاوية من الحياة :
لو أنت جاي عشان تعرف أني عايشة ولا لا ف اديك اطمنت اهو أنا قدامك .. حقيقي مش قادرة اتكلم، سبني دلوقتي..

مجرد وقوفها أمامه الراحة غزت قلبه وداخله سكنت السكينه، ورغم ذلك لا يشعر بالراحة لما تمر به بمفردها وأراد أن يشاركها .. نبرته تحولت لوداعة بدل من الغضب ولانت رماديه عيناه الغاضبة فقال بنبرة هادئة:
ينفع تروحي تلبسي وتيجي معايا نروح لمكان

شعرت صبا بالتعب يغزوها من جديد فأجابت بنفاذ صبر:⁦
حقيقي مش قادرة اتحرك ف سبني في حالي

لم يهتم بإجابتها كثير بل أشار للداخل وأجابها ثانية:
روحي يلا عشان ننزل

ضغطت على جبينها بقوة تمحي الصداع المزمن الذي أصابها فجأة، فأجابت بتعب:
وأنا مش هنزل .. عن اذنك

لم تمهله لأن يتحدث ثانية بل أغلقت بوجهه فشعر بالصدمة تغزوه من فعلتها التي تبتعد كثيرًا عن التهذيب، دق مرة أخرى على الباب بقوة ولكن لم تهتم بل اتجهت لفراشها مرة أخرى وهي غير قادرة على الفعل بأي شيء تريد الإبتعاد فقط لا غير...

ظل واقفا يدق على الباب وبيده هاتفه يحاول مهاتفتها، لم تجيب وحتى لم تكلف نفسها بأن تنهض مرة أخرى، شعر بالغضب خاصة مع تجاهلها ولكن مجرد رؤيتها أطمئن لها ولو مؤقتا، لن يتركها هكذا وسيظل خلفها حتى يعلم ما بها حتى ولو كلفه الأمر لفعل أي شيء مجنون المهم أن تعود مرة أخرى.
                                 *******
بعد مرور أربعة أيام..

كانت تقف وسط العمال بمكتبها تعيد ترميمه من جديد، أخذت نفس عميق محاولة تشجيع ذاتها بالإستمرار مجددًا، يكفيها الركود لهذا الوقت .. وقفت مريم بجانبها بفرحة وهي تشعر بالراحة لعودتها مجددًا:
حمدلله على السلامة .. متعرفيش فرحانة برجوعك أد أي ومن دلوقتي أهو أنا هاخد راحة شهر عشان أنا تعبت

ضحكت صبا بإستمتاع ثم حضنتها بحنان تحاول التعبير عن سعادتها وإمتنانها لوجودها بجانبها، ربتت على ظهرها وضغط عليها لعلى هكذا تشعر بالراحة.. ابتعدت عنها مريم وتحدثت بسعادة وعينيها تلمع بفرحة عودتها:
حقيقي مبسوطة برجوعك، تعبت كتير الفترة اللي فاتت صحيح لكن اللي تعب معايا أكتر كان هادي اللي مسابنيش ولا لحظة

عند ذكره تغيرت ملامحها فحاولت إبعاد أي تفكير ناحيته حاليا فتحدثت مستفهمة:
طب وعرفتي مين اللي عمل كدة، أصل أنا شاكة في حد

نفت برأسها وأجابت:
لا للاسف اللي عمل كدة كان محترف أن ميسبش أي حاجة وراه وبعدين أنت شاكة في مين

هتفت صبا بغيظ وغضب:
وهو فيه غيرها هي اللي هددني وقالتلي خدي بالك على شغلك

وعلى ذكرها كانت تدلف بغرور وكبرياء شديد ترمق من حولها كل شيء بتفحص مراقبة لما يحدث وخلفها هنا التي تحمل على إمارات وجهها عدم الرضا والامتعاض، تحدثت صبا بهمس لمريم بنبرة غير مبشرة:
جت لقضاها

اقتربت ميرا حتى وقفت أمامها تنظر لها ببسمة متسعة  قائلة:
حمدلله على السلامة .. مكنتش أتوقع أنك ترجعي بالسرعة دي

ابتسمت صبا بوجهها وهتفت بدهاء:
وأنا مكنتش أعرف أنك بقى ليكي في الإجرام وبقيتي خطرة وكدة

ابتسمت ميرا إبتسامة تماثلها هاتفة بدهاء:
دة على أساس أنك مسكاني وأنا بولع في المكان ولا أي .. بس باين أن حد بيحبك وعامل معاكي الواجب بزيادة

رغم شعور الغضب الذي تلبسها ولكن أردفت بنبرة متعالية:
بس الصراحة أحيه أداني طاقة أكمل بشكل أكبر ورغم الشغل اللي أنت عملتيه والزباين اللي استغليتي عدم وجودي بس تصدقي لعبتيها صح من كل الجوانب أحيكي

انقلبت ملامح الأخرى للاستمتاع وأجابت:
تؤ تؤ هو اللي عمل كدة خدمني الصراحة وخلاني أكسب ثقة الناس بشكل أكبر وأكل الدنيا منك، ف يستاهل جايزة للي عمله الصراحة

ناظرتها بإستحقار وابتسمت ببرود مردفة:
طب وصلي للي عمل كدة وقوليله أنا مش هسكت وردي هيوصل قريب أوي

ارتدت ميرا نضارتها وأجابتها ببسمة منتصرة:
ابقي وصليله أنت لما توصليله

تركتها وغادرت المحل بينما صبا كبحت غضبها بصعوبة تحاول أن تنفجر سريعًا ولكنها فشلت لذلك هتفت بنبرة منفعلة تحمل الغموض:
أنت اللي بدأتي اللعب والبادي أظلم

لمحة عن الغرام حيث تعيش القصص. اكتشف الآن