دوائر حمراء

3

الساعة تقترب من الرابعة عصرا.. شمس اكتوبر لم تدرك بعد ان الصيف قد انتهى، لذلك ترسل آشعتها الحارقة لتعذب البشر..
ريهام توقف سيارتها في مكان الانتظار الفسيح أمام العمارة.. تطفيء مكيف الهواء، تتناول حقيبة حاسبها المحمول مع الاوراق المبعثرة على المقعد اسفلها، ثم تحمل كوب القهوة المعدني الذي ملأته عدة مرات اليوم. ثم تغلق السيارة وتحاول الا يسقط اي مما في يديها لان الجو لا يحتمل اي حوادث سخيفة كهذه..

تضغط زر استدعاء المصعد.. يصل المصعد بعد ثوان بدت وكأنها ساعات.. تدخل وتضغط زر الدور الحادي عشر.. يتحرك المصعد في بطء ممل لأعلى..

يتوقف المصعد وينفتح الباب اخيرا.. تخرج منه وتصل لباب شقتها.. بحركة اعتادتها تثبت الحقيبة والاوراق والكوب بيسراها لتستطيع اخراج المفتاح بيمناها..
لمست اناملها المفتاح.. عندما مدتها قليلا لتمسكه انزلقت الحقيبة وكل ما فيها وحولها على الارض..

لثانيتين نظرت ريهام بعينين خاليتين من التعبير لكل اشيائها التي افترشت الارض امام الباب، ثم انحنت وادخلت اصابعها في الحقيبة مرة اخرى واخرجت المفتاح في هدوء واولجته في مكانه لينفتح الباب.. التفتت مرة اخرى لكل ما على الارض، ثم ازاحتهم بقدمها وادخلتهم لداخل الشقة ثم اغلقت الباب خلفها..

صوت موسيقى كلاسيكية ينبعث من غرفة المعيشة.. إذا فزين هنا، هكذا فكرت..

خلعت حذائيها عاليا الكعبين وألقتهم بجوار الباب، ثم خطت بهدوء لغرفة المعيشة..

شعرت بابتسامة زين وهو يقول: "ألن يعطوكم أبدا يوم السبت عطلة كباقي البشر؟"

ابتسمت برغم انه يسألها مازحا نفس السؤال كل اسبوع.. قالت وهي تقترب منه:'ليس جميعنا مرفهون مثلك، ان لم تكن هناك محاضرات يوم السبت سيكون الفصل الدراسي عشرة أشهر'.. ثم قبلته على وجنته كعادتها..

اتسعت ابتسامته وقال:'بل قولي انهم يخصصون يوم السبت للأساتذة الذين يضمنون رغبة الطلبة في حضور محاضراتهم'

قالت:'مجاملة واضحة الكذب، ولكني سأصدقها'.. ثم اضافت: 'ماذا تقرأ؟'

اغلق الكتاب ليريها الغلاف، كان كتابا ضخما بالانجليزية اسمه (Quantitative investment analysis) الذي ترجمها عقلها للعربية على الفور ل (التحليل الكمي للاستثمار)

هزت رأسها وقالت في تعجب:'لا اعرف كيف تقرأ مئات الصفحات المملة بهذا الشغف كل مرة'

هز كتفيه وقال:'أنت الطبيبة النفسية، من المفترض ان اسألك انا هذا السؤال'

مطت شفتيها وقالت: 'التفسير العلمي الوحيد ان عقلك يحول تلك الكلمات المعقدة لصور من مجلة (ميكي) مثلا حتى تقرأها بكل هذا الاهتمام. لا اعتقد ان هناك تفسير اخر'

قال: 'لو كان هذا ما تدرسينه للطلبة، فلا عجب ان ينبذوا علم النفس ويتمسكوا بتحديات التيكتوك'

هزت رأسها مبتسمة دون رد..

عاد لقراءة الكتاب، ثم بعد ثوان قال لها:'هل تريدين ان نخرج اليوم ونذهب إلى أي مكان ام انك متعبة؟'

سكتت قليلا ثم قالت: لا اعتقد انني سأستطيع تحريك قدمي مرة اخرى اليوم. ما بي من طاقة يكفي بالكاد لأستحم واستلقي دون حراك على الاريكة حتى ميعاد نومي'

هز رأسه ثم قال:'معذرة، الاريكة محجوزة، فقد جئت هتا قبلك. لكنني سأسمح لك بالاستلقاء على هذا المقعد'

قالت ضاحكة:'وغد اناني'

ثم نهضت وهي تفك زر سترتها وقالت:'سأستحم الآن'

هز رأسه مرة اخرى وقال:'حسنا'

نظرت ناحيته، ثم اتجهت لحمام حجرة النوم وادارت مقبض المياه الساخنة...