(الفصل الأول)

3 0 0
                                    

جالسة تنظر للفراغ واضعة رسغها تحت ذقنها ويدها الحرة تتحسس بطنها لترسم إبتسامة على ثغرها وهي تتخيل ملامحه عندما تخبره بما أخبرها طبيبها
لقد تأخر اليوم على غير عادته هاتفته على جواله كثيرا لكن دون جدوي، لا بأس بالتأكيد لديه عمل كثير، سوف أنتظره إلى أن يأتي قالتها في نفسها إلى أن غفت وهي جالسة مكانها.
جلس أمامها ترتسم على ملامحه الحيرة كيف لهذا الوجه البرئ أن يحمل كل تلك القذارة بين طياته؟
أكان مغمض العينين إلى تلك الدرجة؟ كيف لم يلاحظ تلك الحية التي دخلت بين طياته ليتمدد سمها بين خلايا جسده حتي يغفل عما حدث؟
رسم شبح إبتسامة على ثغره بسخرية متذكرا المثل الشهير "مرآه الحب عامية"
قام من مجلسه زافرا بحنق، يشد خصلات شعره الفاحم بقوه حتى كاد أن يقتلعه من جذوره.. استند بجذعه العلوي بجوار نافذة الغرفة مراقبا زخات المطر التي تتساقط بوتيرة واحدة ، لم يعلم كم مر من الوقت، حتى انه لم يعلم متى استيقظت؟
شعر بيد تحتضنه من ظهره، تصلب جسده لوهلة من لمستها لكنه استعاد برودة أعصابه سريعا
-حبيبي!
-حبيبك!
كانت لهجته باردة مستهزئة لكنها لم تعقب فهناك ما هو أهم، خبر سار ينتظره بلهفة لذلك سحبت نفسا عميقا مشددة قبضة يدها عليه قائلة بفرحة عارمة تغمرها: عندي ليك مفاجأة!
-خير
نبرته جافة.. باردة على غير عادته معها
لكنها تغاضت عن كل ذلك لتنطق وهي ما زالت تحتضنه: أنا حامل
تيبست عضلات جسده عند نطقها تلك الجملة، شعرت به لذلك حررته من قبضتها مبتعدة عنه بضع خطوات
-مالك؟
أرتدت للخلف عندما استدار لها مواجها إياها:
فعلا بتسأليني مالك؟
-في ايه النهاردة؟
-في اني عايز أعرف ياترى الحمل ده مني ولا منه؟
ارتدت على عقبيها كاتمة شهقتها وهي تضع كفها على شفتيها، هل يتهمها بالخيانة، كيف له أن يرميها بذلك الإتهام القذر، ألتلك الدرجة وصل بهما الحال؟
أحبته بصدق بل عشقته لم تتخيل في يوم حياتها بدونه هو الذي آتى مثل الإعصار عاصفا بجدران قلبها ووعد اتخذته على نفسها راميا كل هذا بعرض الحائط، ليتغلغل إلى ثناياها أعتبرته كل شئ في الحياة، سيطر عليها سيطرة كاملة، تعلمت على يده كل فنون العشق كانت طفلته المدللة، لكن ما الذي تغير حتى يرمي في وجهها تلك القنبلة
بتلعثم اجابته: تـ.. قصدك ايه؟
اقترب منها وقد تقلصت المسافة التي تفصل بينهما، تلاقت أعينهم لتجد تلك النظرة التي تعلمها جيدا، أظلمت عيناه الرماديتان من شدة غضبه قابضا بقسوة على راحة يدها وأظافره تضغط بعنف عليها.
تأوهت في خفوت وهي ترجع بخطوات مترددة وملامح الخوف ترتسم على محياها، كانت نظرته تقول الكثير والكثير هناك ما فاتها بالتأكيد أم ذلك الوغد نفذ تهديده؟
-مالك؟
ارتطم ظهرها بالحائط لتجده يميل نحوها وأعينه تتطلعان إليها بنظرة نارية جعلت جسدها يرتعش
-ليه يا أسيل؟
-أنا مش فاهمة حاجة صدقني
-أفهمك
أخرج من جيب بنطاله هاتفه الجوال آمرا إياها أن تنظر إليه
عضت شفتيها السفلى بألم وهي تنكمش على نفسها من شدة الخوف وأنفاسه الهادرة تحرقها وتلسع بشرتها.. بكت بقهر عما وصل به حالها.
لقد نفذ تهديده لها لم يكن يرمي كلام في الهواء كما قال، ارتفع صوت شهقاتها، لكنه لم يتأثر لم يرمش له جفن ليعاود سؤاله مرة أخرى:
ليه يا أسيل؟
-أرجوك يا مالك اديني فرصة أفهمك
ابتعد عنها لقد أصبحت ملوثة لا هي ملوثة منذ البداية لكنه غفل عن كل شئ في سبيل عشقها ضاربا بتحذيرات والده عرض الحائط حين أخبره إنها غير لائقة بمستواهم الإجتماعي لكنه لم يبدي أي إهتمام وتزوج بها رغما عن أنفه، حتى والده لم يسلم منها وبدأ ينظر إليها نظرة الوالد لإبنته، لم يكن يعلم أنها بتلك المهارة، لقد أوقعت عائلة كاملة في خيتها دون أن يطرف لها جفن
-حقيقي أنا معجب بمهاراتك.. لازم أرفعلك القبعة احتراما ليكي
أجابته من بين شهقاتها: والله.. كنت.. هقو.. هقولك
جفلت ورجعت بضع خطوات للوراء عندما سمعت صوت ضحكاته الساخرة تتردد في جميع أنحاء الغرفة:
كنتي هتقوليلي؟ حلوة.. طب ماشي هصدق انك كنتي ناوية تقوليلي واستنيتي ايه بقى لحد ما يرجع من سفره؟
لم يجد إجابه لذلك وبصوت غاضب كالرعد الذي يصدح في أركان السماء كاشفا عن غضبه: ردي!
هوى قلبها ذعرا عندما سمعته يتحدث بتلك النبرة التي لم تعتاد عليها فمنذ متى وهو هكذا، لكنها أجابته بتوجس وبصوت جاهدت أن يخرج من جوفها ، وهي تتطلع إلى قسمات وجهه المجهدة وشعره الأشعث وإنفعالات جسده التي يتحكم بها بصعوبة وهو يضغط على كفه بقوة حتى أبيضت سلماته
-خوفت
-خوفتي! قالها بسخرية شديدة ثم عاد يضحك بسخرية لا آسفة بل بجنون سيطر على كل خلايا جسده
-والله كنت عايزة أقولك بس خوفت أخسرك و.....
قاطعها: حلو موضوع انك خوفتي تخسريني ده لكن أنا أقولك انتي خوفتي على ايه.. انتي خوفتي على العز اللي انتي غرقانة فيه خوفتي على الحياة اللي عمرك ما كنتي حتى تتجرأي انك تحلمي بيها فقولتي اسكت وأكمل لعبتي جايز أقدر أطلع منهم بقرشين، لم يجد رد لذلك هدر صوته بغضب حيوان مفترس جريح لم يستطع أن يظفر بفريسته: جاوبيني؟
هزت رأسها بنفي غير قادرة على الحديث لا تستطيع مجارته، لا تستطيع لومه عما يقوله الأن فهذه غلطتها منذ البداية عندما وقعت بين براثن ثعلب مكار منجرفة وراء مشاعرها وعندما عاد مرة أخرى لم تصارحه، لكنه يتحدث عن نصف الحقيقة ولا يعلم نصفها الأخر، كيف عليها اخباره؟
ابتلعت غصة مريرة وهي تقترب منه بخطوات مترددة ممسكة راحة يده
-ماتظلمنيش
كانت تلك الجملة الوحيدة التي استطاعت أن تتفوه بها من بين جوفها
لكنه أجفل عندما لامست يدها الملوثة يده، شد كف يده وكأن ماس كهربائي قد لامسه
-أوعي ايدك القذرة دي تلمسني تاني، أنا قرفان منك يا أسيل حقيقي مش طايق حتى لمستك
أحست بسكين يمزقها بدون رحمة. أما هو فشعر بالرضى للألم الذي سببه لها جاعلا إياها تشعر بما يشعر به الآن
جاء صوتها خافتا متشنجا:
أنا...
أشار بسبابته إلى موضع الباب
-اطلعي برا بيتي دلوقتي حالا قبل ما أفقد أعصابي وارتكب فيكي جريمة
انهمرت دموعها وهي تخطوا بخطوات سريعة نحوه، تجثو على ركبتيها ممسكة راحة يده قائلة برجاء
-ما تسبنيش اديني فرصة واحدة بس وأنا هفهمك كل حاجة أنا مش خاينة يا مالك
سقطت دمعة حارقة من مقلتيه عندما جثت أمامه بتلك الطريقة المهينة لكنه عاد إلى رشده غير عابئ بنداء قلبه مستمعا فقط إلى صوت عقله الذي كان يتردد صداه بين خلاياه مذكرا إياه بإنها خائنة شد كف يده من يدها
-اخرجي برا
رفضت الأخيرة وهي ما زالت على وضعيتها لذلك عاد مكررا جملته لكن بصوت أرتجت معه زوايا الغرفة:
-اخرجي برا... برا
فتح الباب في ذلك الوقت ليلتفت كل منهم بإتجاه الواقف أمام الباب
كان رجلا في عقده الخامس من عمره يرتسم على محياه الوقار يشتعل شعره شيبا لكن برغم ذلك لم يفقد وسامته التي اكتسبها منه وليده
-صوتك عالي ليه؟..
لكنه ابتلع باقي جملته عندما شاهدها جاثية على ركبتيها وهي تبكي بمرارة.. حس قدمه على الإسراع آخذا إياها بين يديه وهو يمسح دموعها، متذكرا الحديث الذي دار بينهما ليعلم على الفور انه نفذ كل ما قاله ليتردد في ذهنه جملته الأخيرة: مش هخليه يتهنا بيها ابدا أسيل بتاعتي أنا وبس، أنا وبس
-أنت ازاي سامح لنفسك انك تخليها تعد تحت رجلك بالمنظر المهين ده؟
-بابا أرجوك أنت مش فاهم حاجة
-ومش عايز افهم.. أيا كان السبب ازاي تخلي مراتك تعد بالشكل المهين ده؟
أرتعدت وجسدها بدأ يرتعش بين يد حماها العزيز وهو يطالعها بتلك النظرات التي جعلتها تشدد من قبضتها عليه وهي خائفة من خساراته فغلطتها الوحيدة إنها لم تصارحه منذ البداية، فاقت من شرودها على صوته الغاضب:
-لانها ما تستحقش غير كده دي إنسانة قذرة ما تستحقش غير المعاملة دي بعد ما خلتها تعيش في عيشة ماكنتش تحلم بيها راحت تخوني و...
انتفضت عندما سمعت صوت الصفعة التي نزلت على وجه زوجها ليبتلع جملته بين جوفه ناظر إليه بدهشة:
-بتضربني عشان واحدة زي دي!
خارة قواها لا تستطيع الإحتمال أكثر من ذلك، لا تريد الإستماع لقاضيها الذي أصدر حكمه بدون الإستماع إلى دلائل برائتها ليصبح هو القاضي والجلاد.. وضعت يدها على جانبي وجهها لتصم آذانها عما يقوله
-كفاية.. كفاية
ثم ارتدت على عقباها مسرعة بخطاها تعدو عن كل ذلك الشك، تعدو منه، من نفسها، من دائرة الإتهام التي وضعت بها ولا تستطيع الدلوف خارجها،
خرجت خارج ذلك القصر الملعون وهي لا تعي ما يحدث حولها عندما جاء صوت الحارس محذرا إياها من شئ ما لكنها لم تستطع تحديد ماهيته لتنظر خلفها بنظرات خاوية سرعان ما تحولت لصدمة عندما أنارت الأضواء وآخر شئ تتذكره صورته وهو يركض نحوها برعب عندما شاهد جسدها يرفع في الهواء لينزل على الأرض كالجثة الهامدة وبعدها فقط ظلام
جثى بجانب جسدها الغارق بالدماء رافعا إياها بين أحضانه
-أنا آسف سامحيني الغيرة عمتني ماعرفتش انه كان عايز يفرقنا ماتسبنيش أرجوكي، أرجوكي
ثم هتف بصوت يملؤه الغضب واليأس:
-اتصلوا بالإسعاف.. لكنه بتر جملته عندما شاهده يقترب منهما
-أنت السبب، أنت السبب صدقني لو جرالها حاجة مش هرحمك يوم واحد
يتبع
#رحاب_قابيل
يا ترى مين اللي بيتكلم عنه مالك؟
وليه يتهم أسيل اتهام زي ده؟
وايه هو رد فعل والده؟

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Sep 03, 2023 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

الفرصة الضائعةحيث تعيش القصص. اكتشف الآن