الفصل الثامن عشر

8.7K 159 17
                                    

لازالت تتذكر ذلك اليوم .. عندما وضع السلاح بمُنتصف قلبه صارخًا بها أن تطلق النيران علَّها تُطفئ نيران قلبها، تتذكر رجفة جسدها و هي بمجرد التخيل .. بكت! فقط لأنها تخيلت أنه لن يعُد له وجود في هذه الحياة، كيف إذًا ستتركُه؟ كيف ستقفز تلك القفزة و تبتعد عنه إلا مالا نهاية، واثبة أمام باب الشقة بعدما أخذت مفاتيح الشقة منه و هو نائم، هي قاب قوسين أو أدنى الآن من تركه و الرحيل و لكن .. سؤال واحد فقط يدور بخُلدها، لـ من ستذهب؟ حسنًا و إن ذهبت لقصر أبيها الموحِش .. لـ من ستتركُه؟ هو وحيد لا أحد يطمئن إن أكلَ أو شرِبَ، وحيد تمامًا كما كانت و هي صغيرة، أخذت نفس عميق و إنشاب دمعة إعتبرتها خائنة فمسحتها بعُنف و هي تقول بغلٍ و فكيها مُلتصقان:
- فكري في نفسك متفكريش في حد، هو مفكرش فيكِ!!

جُملة شديدة البساطة أعطتها دفعة للأمام فغادرت الشقة شديدة الفخامة تلك، و لم تنتظر صعود المصعد الذي لربما إن إنتظرته سيستفيق فهد و يعلم بأنها ليست جواره على الفراش، ركضت فوق الدرج و كادت أن تسقط عدة مرات من شدة خوفها وكأن عفريتًا يُلاحقها، ركضت إلى خارج ذلك الشارع الفخم لتصل إلى شارع رئيسي، أوقف إحدى سيارات الأجرة و أخبرت سائقها بوجهتها فإنطلق و إنطلقت معه دمعاتها دمعةٍ تلي الأخرى، حتى أنها أجهشت بالبكاء لا تعلم خوفًا منه عندما يكتشف أم خوفًا عليه، تشعر كما لو أنها أم تركت فلذة كبدها وحيدًا و أدارت ظهرها له و تركته، ناظرها السائق ذو الرأس المشيب بـ شفقةٍ و لكن لم يُعلق، عندما وصلت السيارة أسرعت تاليا بأخذ نقودٍ بسيطة تبقَّت معها و أعطتها للسائق لتُردف بأسى:
- أنا أسفة لحضرتك .. عارفة إن المشوار طويل وياخد أكتر من كدا بس والله دي آخر فلوس معايا!!!

هتف السائق بإبتسامة حنونة:
- روحي يا بنتي .. ربنا يريح قلبك!!!

إبتسمت بحُزن و هي تراه يغادر من أمامها فإلتفتت إلى ذلك القصر، و بأسى دلفت له، فـ وقفت مصدومة من وجود زياد في بهو القصر ممسك بحقيبة سفر، هتفت بإستغراب:
- ز .. زياد؟

إبتسم الأخير و إقترب منها ليقول بحزن:
- إزيك يا تاليا، مبسوط جدًا .. إني عرفت أشوفك
قبل ما أسافر تاني!! أنا .. أنا كنت في تايلاند لشُغل و مكنتش أعرف اللي حصل لحد ما نزلت و عرفت ... أنا مش قادر أقعد هنا تاني بعد اللي عرفته، أقعد لمين أصلًا؟!

أومأت له بهدوء و هي تقول تنظر للأسفل بعينان لازالا لم يتوقفا عن ذرف الدمعات:
- عندك حق!

نظر لها بقلق و حاوط وجنتيها بيداه فإنتفضت تاليا و إبتعدت للوراء خطوتان و .. تنفر من أي لمسة لرجُل عداه! فأسرع زياد مبعدًا يداه بعد تلك الحدود التي وضعتها نصب عيناه دون أن تنطق بكلمة:
- مالك يا تاليا؟ في حاجه حصلت؟ فهد عمل فيكي حاجه؟!

نفت و هي تبتسم بدموع تنظر له بثقة:
- لاء يا زياد مافيش أي حاجه البيت وحشني بس فـ جيت أبُص عليه، سافر إنت و متشغلش بالك!

انتقام ملغم بالحب - للكاتبة سارة محمدحيث تعيش القصص. اكتشف الآن