2- مجهول

324 22 35
                                    


*ملاحظة: جميع الشخصيات والأسماء والأماكن خيالية، وأي تشابه فهو من قبيل الصدفة.

قراءة ممتعة.


--------------


لم يخرج أحد لتفقده، لم تزر الرحمة قلوبهم وتَحُثهم على الترفق به، بخلوا عليه حتى بشفقة عابرة، وبقيَّ هناك في ظلمة الليل الحالك خائر القوى واهن الجسد، يجرُّ النفس اجترارًا، ويقاوم آلامًا تنبع من قلبه أكثر من جسده، حتى ترفَّق به النوم وسحبه إلى عالمه.

خرج شابٌ قُبيل منتصف الليل بقليل من أحد المزارع، سار وهو يفرك عينيه كي يطرد النعاس منهما، يخطو بتكاسل وبيده كيس قمامة يريد أن يرميه كي يعود إلى سريره ويغرق في نوم عميق. عند اقترابه من الحاويات لاحظ شيئًا كبير الحجم نسبيًا مرميًا قربهم، اقترب منه بوجل، وذُعِر حين تبيَّن له ماهيته.

صبيٌ صغيرٌ قد أخفت الكدمات ملامح وجهه، وتلوَّنت ملابسه بدمائه، مغشًى عليه دون حراك.

رمى ما بيده واقترب منه والخوف يعبث بأفكاره، تحسس رقبته باحثًا عن نبضٍ فيها، ولم يُفلِح لأنه يجهل أين يبحث بالتحديد، نقل يده إلى أسفل أنف الصبي آملًا أن يشعر بتنفسه، شعر بشيءٍ قليلٍ من الهواء يصدر منه فحمله بسرعة وهرع إلى سيارته.

وضعه قرب سيارته وراح يبحثُ في جيوبه عن المفتاح، لحسن حظه كان هناك، فتحها بسرعة ووضع الفتى في المقاعد الخلفية ثُمَ ركب وانطلق يبحث عن أقرب مستشفى.

قلق متوتر خائف، كاد أن يقع في عدة حوادث لقلة تركيزه وسرعته، يخشى أن يموت هذا الصغير، يخشى أن يصل إلى المستشفى فيقولوا له أنه تأخر ولم يستطع إنقاذه. ترى ماذا حلَّ بهذا المسكين؟ يُخيَّل إليه أنهم مجموعة من الصبيَة الأوغاد تجمعوا ضده وأوسعوه ضربا، أيا أيها المسكين، أوَتدري عائلتكَ عمَّ أصابك؟، لابد أنَّ النوم هجرهم والدموع صحبتهم، وهم يبتهلون الله أن يحفظك لهم!

وصلَ أخيرًا إلى بوابة الطوارئ ونزل بعجل وهو يحمله، حتى تلقَّفه منه الطاقم الطبي وشرعوا فورًا في فحصه والتأكد من علاماته الحيوية.

ينظر إليهم والقلق يُفَتِتُ دواخله، خلَّل أصابعه في شعره وعصر بكلتا يديه رأسه وهو يرى الحركة الكثيفة التي أصبحت حول ذلك الفتى، ما خطبهم؟ ما الذي يجري؟

انحنى بقلة صبرٍ ورعب تمكن من نفسه مريحًا كفيه على ركبتيه وعينيه لا تفارق حركة الطاقم الكثيفة، الأمور لا تبشر بخير، ونبضه الذي تعكسه تلك الشاشة البغيضة ينخفض باستمرار.

اعتدل واقفًا وسار مبتعدًا كي يخفف من حدة توتره، ذرع الرواق جيئة وذهابا وهو يدعو الله أن ينجو ذلك الفتى. التفت إليهم حين انخفضت شدة الأصوات، رأى الراحة على وجوههم وهم يتبادلون الابتسامة كمن نجى مجددًا، نقل عينيه إلى شاشة النبض فرآها مستقرة، فأسرع بخطوات واسعة كي يسأل الطبيب عن حاله:

بريق ليل حالك.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن