حزنٌ استبدَّ بروحه وأسفٌ على ما آلت إليه أموره، لم يجد بِدًا من أن يذعن ويجلس على السرير سامحًا للمُمرض بأن يساعده في إغلاق أزرَّة القميص الذي جلبوه إليه، وما أشدَّ حرجه هذه اللحظة وهو يرى نفسه عاجزًا عن أداء أبسط الأمور بيدٍ واحدة. حاول ألَّا يُركِّز على خيبته ويبعد ناظريه عن الممرض حتى لا يُسيطر عليه الأسى.
فرِغ الممرض من المهمة فربَّتَ بلطف على عضد فارس وابتعد راسمًا ابتسامة حاولَ بها التخفيف عن مريضه وإزالة الحرج عنه، وقال:
- إنكَ بخيرٍ يا فارس أنتَ أقوى مِمّا تظن.
وابتعد بمسافة كافية وأنظاره معلَّقة بأنظار الفتى يبثُّه الأمل والقوَّة:
- قد تخطيتْ ما عَجِزَ بعض الكبار عن تخطيه بذات صبرك وتماسكك، لا تُثبِّط من عزيمتك بإرادتك.
لم يرغب بالإسهاب أكثر لذا غيَّر الموضوع قائلًا:
- قدَمُكَ تماثلتْ للشفاء لا خوف عليها لكن عليك الانتباه ليدك، تجنب أي احتكاك أو اصطدام يمكن أن يصلها، وراجعنا بعد أسبوعين كي نرى وضعها.
هزَّ فارسٌ رأسه بفهم ثُمَّ همَّ للوقوف مُنزلًا قدمه بمهل مُهَيئًا ذاته للألم الذي اعتاد أن يلسعه ويمنعه من الحركة في كل مرة يقف عليها، راقبه الممرض بصبر حتى وضع قدمه بالكامل على الأرض وضغط عليها بخفة قبل أن يقف بثقله عليها وكم سعد أنه يستطيع السير بلا وجع مجددًا.
قال له الممرض مؤكدًا:
- رأيت؟ لقد شُفيتْ تمامًا لا تخف.
نظر إليه فارس وسأل:
- هل أخرج الآن؟
وكم تمنى أن يجد جوابًا سوى الإيجاب، فبقدر ما كان يتطلع لاستعادة قوته والخروج من هنا، إلَّا أنَّ الفكرة تُرعبه الآن.
لكنَّ جواب الممرض جاء كما كان مُتَوَقَع:
- أجل، يمكنك الخروج الآن.
أومأ له فارسٌ بالإيجاب ثُمَّ أمسك ببدلته التي جاء بها إلى المستشفى لكن تعسَّر عليه ارتداءها فجلبوا له قميصًا كي يكون أسهل.
سار حتى تخطَّى باب المستشفى فاستقبلته أشعة الشمس اللطيفة وهي تتسلق السماء، وتغريد العصافير الخلاب الذي اندمج مع برودة الجو المعتدلة التي لم تفسدها حرارة الشمس بعد.
طالع الساحة الخالية من الزوار إلا قلَّة قليلة، جثم الهمُّ على قلبه وتمكن الخوف من نفسه رغم تشجيعه لنفسه وتهيئتها لما ستلاقيه، إلا أن الواقع مرعبٌ أكثر مما خُيِّل له. نزل الدرجات ببطء وسار إلى البوابة، مع تخطيه لسور المشفى ازداد ارتعابه، وكأن حقيقة وضعه لم تكن جليَّة تمامًا في عقله إلا هذه اللحظة.