أنا على يقين بأنّ مسامعك ألِفتْ كلمة أبطال خارقين، بالأخص في هذه الحقبة الملعونة من العصر الحديث. تلكم الشرذمة من البشر، أصحاب القدرات الخارقة للطبيعة، التي ما فتئت هوليود تُصدر لهم أفلام سينمائية حتّى شوّهت للسينما مقصدها وأساءت للتمثيل كمهنة، وصدعت لنا رؤوسنا للسنوات. أظنّ، وقد لا يكون لرأيي وزن يذكر ولكني سأصرح به على أيّ حال، أنّ هناك سببا وجيها لوجود الكتب المصورة والصور المتحركة، لأنّ قصص الأبطال الخارقين تحتاج عالما في تركيبه هو أشبه بأحلام الأطفال وخيالاتهم، عالما يمكن للإنسان فيه أن يطير. ولا تسئ فهمي هنا، فأنا لا أحمل أي ضغينة تذكر للأبطال الخارقين، فالحقيقة أنني واحد منهم، وأرجوا أن تتمهل قليلا وألا تتسرع في الحكم على قصتي، فأنا لا أملك أيّ قدرة جسدية خارقة تذكر وقد تحسبني ذو مقدرة ذهنية مثل البروفسر اكس ولكني أبعد ما يكون عن ذلك، في الحقيقة قد تكون لعنة أقرب منها قدرة خارقة، إنّني حتّى لا أملك القدرة على السيطرة عليها، ولكني سأترك قرار تحديد ماهيتها لك بعد أن تستمع إلى قصّتي.
أدعى رائد، طالب سنة ثانية بكليّة الطبّ بمدينة ساحلية، ولا أظنّ أن ذكر البلد له دور كبير في قصّتنا لكنه حتما عربيّ وهذا وجه الاختلاف الأول عن قصص الأبطال الخارقين الاعتيادية. أنا مستضيف أو هكذا أطلق على نفسي، قدرتي باختصار تتجسّد في تحويل أفكار وبعض حواس أيّ شخص إلى عقلي الباطن دون إدراك منه، ولكن الغريب في الأمر أن هذا الأمر يحدث بطريقة عشوائية دونما أي إرادة مني. لذلك أحب أن أطلق عليها قدرة الاستضافة القسرية. لا أعلم كيف اكتسبت هذه القدرة، أو اللعنة صفها بما شئت، كل ما أذكره أنّ أول حادثة وقعت لي وأنا في الخامسة من عمري، حينها كنت ألهو بالكرة مع أولاد الحيّ، ورأيت صورة وأنا أمسك بعكاز ويتدلى من على كتفي دثار أخضر، لقد أحسست بعجز على الوقوف وبخدر في رجلاي وسقطت على إثرهما أحتضن التراب. وانهالت الصور من حولي، الكنبة التي اعتادت جدتي أن تضطجع عليها، كأس الماء وحبوب الدواء، وصورة ضبابية للتلفاز الذي كان ينتصب على بضع أمتار من مجلسها. كان نظرها سيئا وسمعها أسوء وهذا ما جعل صوت لعبنا يصلها مشوّها، وأستقطبه أنا بجنون، كطبول تقرع بلا ايقاع أو نُظْم، صدى يرتفع ويرتفع معه صوتي فيزداد بذلك ارتفاعا، حلقة لا نهائية من الخبل والوسواس بين صور وأصوات لا تحتمل، ثمّ فجأة لا شيء، توقّف كل شيء كأن لم يكن. كان من المستحيل في ذلك العمر أن أدرك حقيقة ما حدث، حقيقة أنني استضفت أفكار وحواس جدتي في نفس اللحظة التي كنت ألعب فيها. مع ذلك تكرّر الأمر ثانية وثالثة. لم أكن أشكوا من أيّ علّة جسديّة، هذا ما صرّح به الأطباء، وقد كانت محاولتي العديدة للشرح الأمر للبالغين عديم الجدوى، لذلك كتمت حينها ما تقرّر أنّه مجرّد هلوسات عابرة.
دعني أصدقك القول، أنا لست مهتما هنا بأن أقصّ عليك كيفيّة اكتشاف قدرتي أو ماهية عملها أو مغامراتي اليومية كإنسان خارق، في الحقيقة أنا أريد أن أقصّ عليك حكاية حنان. لأنّي أظنّ أنّ ما حدث للحنان يجب أن يروى، وأنّ ما اكتسبته يوما ما من قدرة كان مقصودا به أن يلعب دورا مفصليا في حياتها هي.
أنت تقرأ
الاستضافة القسرية
Fantasyلا تسئ فهمي هنا، فأنا لا أحمل أي ضغينة تذكر للأبطال الخارقين، فالحقيقة أنني واحد منهم، وأرجوا أن تتمهل قليلا وألا تتسرع في الحكم على قصتي، فأنا لا أملك أيّ قدرة جسدية خارقة تذكر وقد تحسبني ذو مقدرة ذهنية مثل البروفسر اكس ولكني أبعد ما يكون عن ذلك، ف...