دخلت الي الغرفه بغضب شديد ثم أقفلت الباب بقوه ،اخدت تصرخ بالكثير من الكلمات الغير مفهومه لسرعتها ....حاول أخيها الدخول ولكنها كانت الاسرع في اقفال الباب مره اخري بالقفل ...
لم تشعر بنفسها الا وهي تصرخ وهي في خضم نقاش مع أخيها الأكبر ...شعرت بالحزن الشديد يعتريها لكلامه معها ، لطالما ظنت أنه سيكون سندها بالحياه ، الشخص الذي تعلم أنه لن يفلت يدها ابدا ، الشخص الذي تعلم أنه سيكون الكتف لجميع أحزانها ....
لم تعلم أنه سيكون محطم جميع سعادتها و فقط مأوي حزنها ، لم تعلم أنه سيكون سبب كافي لجعلها تكتئب جالسه في احضان تلك الغرفه التي تشهد بتكسير جميع الإغراض داخلها
حين شعرت بطاقتها علي وشك الانتهاء ، جلست بركبتها علي أرض تلك الغرفه القاسيه التي لا تستطيع حتي ضمها ، واخدت تبكي بحرقه غير عالمه أن انفاسها بدأت بالانتهاء
لم تستطع الصراخ مره اخري ...حاولت بشده ولكنها لم تستطع ....جربت أن تسير بركبتها وهي علي الارض لتصل إلي الباب و تفتحه عل أحدا ينجدها ولكن قدرتها علي فعل اي شئ انتهت ...
حينها سمعت صوت قفل الباب المنزل .... و صوت أخيها المبهج الذي افتقدته بشده وآخر ما سمعته كانت صوت طرقاته علي باب الغرفه
علمت أنه رجع الي صوابه اخيرا فإبتسمت بخفوت قبل أن تفقد وعيها
وعندما لم تستجب حين طرق أخيها الباب وأخذ بالصراخ عليها لتفتح بسرعه لانه معه حاجيات كثيره لها ، شعر حينها بالقلق و كسر باب الغرفه وصدم عندما شاهد وجهها الاحمر بشده وآثار ابتسامه خافته عليه ، ذهب إليها بسرعه ثم أخذها بأحضانه و لم يشعر بشي بعدها
لا بالجيران الذين اقتحموا المنزل ...ولا بصراخ أحدهم عليه ليعود لوعيه سريعا ...فقط شعر بالفراغ يملؤه .. كأن رأسه أسفل الماء لا يسمع بوضوح و لا يري سوي الظلام
اتصل أحدهم بالاسعاف وأخذ بالصراخ عليهم ليسرعوا ...وآخر أمسك بيدها وحاول جعلها تتكلم مره اخري معه ، ولكن دون فائده ...
بعد عده دقائق مرت كالساعات عليهم جاءت الإسعاف
اخذوها الي المشفي ....
ورغم كل الصراخ والبكاء حولها
...كانت هي في ذكريات جميله للغايه تحبها
أخيها كان ممسك بيدها يحاول تعليمها المشي لاول مره وهو يبتسم لها بهدوء .... حين كان يعلمها كيف تربط حذائها لاول يوم في المدرسه ،
كيف تفتح باب شقتهم الذي كان في بنايه عاليه تخافها ، يهدئها حين تشعر بالتوتر والغضب لنتيجه امتحانات كليتها ..وفجاه اختلطت كل تلك الذكريات بذكريات اخري موتره جعلت نبضات قلبها تتسارع بشده جاعله من قلوب من حولها تصرخ بألم ......
ذكريات بشعه بدأت تجول في ذهنها ، موت امها ...تعاطي اخوها المهدئات حتي أصبح مدمنا ، صراخه الدائم عليها ... شجاراتهم الا منتهيه
محاولاتها الكثيره للانتحار التي كانت تبوء بالفشل ، واخيرا معرفتها بأن أخيها يريد بيع بيتهم ، البيت التي كل ذكرياتها به ، حياتها داخله
و داخل تلك الغرفه المليئه بقسوه تجاربها .... لم تستطع فعل شئ سوي الصراخ عليه بأنه مجنون وبأن امهم لم تكن لتفعل ذلك وحين سمع هو ذلك شعر بالغضب العارم وضربها علي وجهها بقسوه لم تعتدها ابدا منه
أنه عائلتها الوحيده ورغم ذلك ، كان ألمها الوحيد .....ودوائها الوحيد
حين سمع الجيران اصوات الضجيج الخارجه من منزلهم لم يهتموا كثيرا في البدايه ولكن مع تزايدها المستمر حاولوا دخول البيت ....وجدوا الاخ يجلس علي كرسي في وسط المنزل بأعينه الحمراء وهو يبكي بشده و ينظر لأخته الجالسه داخل أحضانه تلتقط آخر انفاسها ....
حينها شعر أنه سيفقدها .....
وحين بدأت نبضات قلبها بالتزايد المستمر دون توقف ، أخذ بالصراخ عليهم ليفعلوا اي شيء لها ، ثم اقتحم الغرفه التي كانت بها وأخذ يحتضنها برفق وهو يشعر بأن عالمه ينهار ...لم يظن يوما أن الأمور ستصل الي هذا الحد ، لقد كان يتعاطى المهدئات حتي لا يفقد عقله ..
لا احد يفهم ما عاناه ، لا احد يفهم أن حياته قد انتهت بعد موت أمه
لقد كانت ملاذه من الدنيا ...كانت مكانه المفضل الذي يعلم أنه سيحتضنه دائما ...
شعر أن انفاسه تتباطئ عندما علم بوفاتها ...
حين اكتشف ذلك بنفسه إن صح القول ، لقد كانت نائمه بجواره حينها لانه كان مصاب بالبرد ...ورغم أنه لم يكن خطيرا بالمره الا انها أصرت أن تبقي بجواره ، كانت دافئه ، يشعر دائما بالدفئ جوارها ورغم أنه من يجب أن يكون حاميها ولكنه كان يشعر أنه مازال الطفل الصغير بين أحضانها ...وحين استيقظ من النوم مبكرا بعد أن شعر أنه استعاد طاقته
تركها نائمه وذهب ليحضر لها الفطور ، كانت صدمته لا تشرح عندما أخذ يهزها و لم تستيقظ ، أخذ بالصراخ والنحيب ساقطا علي قدميه بجانب السرير جاءت حينها أخته وحين استوعبت الأمر نظرا لبكائه العالي
لم تبكي ، لم تتحرك من مكانها ...فقط اخذت تنظر لامها بأعين زجاجية مكسوره ...
و حين انتهت إجراءات الدفن ...علم من محامي العائله انها كتبت لهم وصيه مسبقا ولكن كلا منهما لم يستطيعا فتحها ، لازالوا مقتنعين انها لم تمت ورغم ذلك .....
كان الظلام يحتضنهم يوما بعد آخر ....بدلا من امهمولكنه قبل أن يأتي للمنزل تلك المره فتح الرساله وتفاجئ حين علم انها شريط فيديو ...فتحه ثم لمعت اعينه حين رأي أمه
كانت تخبره أن يعتني بأخته جيدا وأن يحافظ علي صحته
توصيه أن يكونا الملاذ الآمن لبعض ...كانت تتمني أن يصبحا دائما بخير
ثم ابتسمت له ابتسامه بشوشه وكانت التجاعيد تغطي جانب عينيها
وقالت له : تذكر انني احبك وانني دائما معك ربما ليس بجوارك ولكن بداخل قلبك ، فليحفظك الله يا بني
حينها فقط آفاق من غفلته تلك .... ماذا يفعل هنا بجوار كل تلك الادويه المخدره .... اخذها كلها و رماهم في سله القمامه واسرع بالذهاب للبيت ، لأخته التي افتقدها للغايه ، كان يبكي لفقدان أمه ونسي انها تركت جزءا منها معه ....يعلم أنه أخطأ حين تركها بمفردها في ذلك البيت
يعلم أنه كان من المفترض أن يكون ملاذها ....حاميها
أنه الشخص الوحيد الذي كان بإستطاعته أن يخرجها مما كانت فيه
ولكنه ندم أشد الندم ....وشعر بأن العالم أجمع ليس له اي قيمه بجوار نقطه من دماء أخته ..... الجالسه داخل أحضانه والجميع حولها يحاولون الاطمئنان عليها
لم يكن بوعيه حين دخل غرفه العمليات وأخذ يهزها برفق ويقبلها و اعينه لم تتوقف عن البكاء للحظه أما هي فقد استجابت له ... بتلك السهولة حين شعرت بأن أخيها ..ملاذها الآمن ...رجع اخيرا قررت الاستيقاظ و اخذت نبضات قلبها بالاعتدال وهدأت تماما ..لم يفق إلا حين كان حرس المشفي يحاولون إخراجه
والآن أخته داخل أحضانه مع ابتسامتها الهادئه المعتاده
وبأعينها اللامعه التي كانت تنظر بها لأصدقائها
شعرت بأن أمها تنظر لها ولأخيها بإبتسامه هادئه كخاصتها تماما
شعرت فقط بالامان .... أن عالمها لم ينتهي كما ظنت
أن قصتها لازالت في البدايه ...
ولكن ....أنها فقط الحياه أليس كذلك !؟