الفصل السادس

21.9K 781 56
                                    

الفصل السادس

أسفل المظلة الخشبية في القسم الأمامي من حديقة المنزل الكبير، كان جالسًا وحده مستغلًا سكون الليل وهدوء المكان، بعيدًا عن الضجة والازدحام الذي يحاوطه يوميًا في كافة الأنشطة التي يقوم بها، كمسؤل عن عائلة كبيرة، بمصالح لابد من تأديتها،  أو مشاكل لابد من البت فيها،  وغيرها من المهام التي لا تنتهي.

اما الاَن؛ فهذا وقته للإختلاء بنفسه، وقته للتفكير في غازي، وحظه البائس في العثور اخيرًا على فتاة احلامه، والتي سرقت منه النوم أيامًا لا حصر لها، على مدار الأعوام التي مرت عليه في البحث عنها، ليجدها اليوم، وقد ضاعت فرصته بالارتباط بها سابقًا، وتزوج وأنشأ حياة تعيسة مع امرأة ذات واجهة جميلة وقلب فارغ، وكأن القدر يسخر منه.

الاَن فقط علم بصلة قرابتها به! الاَن فقط بعدما توفى زوجها وأصبحت لقمة سائغة، تدعو الجميع للطمع بها، يالحظه التعيس، يعيد برأسه لقاءه القصير بها منذ ساعات، حينما خلى المنزل عليه وعليها،  ليُحدثها بقلب يرتجف بصدره، وكأنه مراهق صغير، وليس رجلا ناضجًا، بل وقائد لعائلة كبيرة تحجب عين الشمس بأعداد أفرادها، ومصالح تهتز لها بلادًا لثقلها.

لقاءه بها قبل ساعات.

- انا واد عمك غازي يا نادية عرفاني؟

- طبعًا عارفاك، هو انت في حد ميعرفكش؟

خرجت منها عادية جوفاء،  لم يبدوا عليها ولو لمحة واحدة حتى من مشاعر هوجاء كتلك التي تعبث بداخله، وكأنها وحش يتغذى على عزيمته، فيجعله يجاهد بصعوبة للثبات على شخصيته الجادة أمامها ، ولكن ماذا كان ينتظر منها؟ وهي امرأة في عز حزنها الاَن على زوجها الراحل، انه بالفعل أحمق بالغوص في أوهامه.

أجلى حلقه ليظهر خشونة يدعيها بقوله كمسؤل العائلة:
- تمام، طب عايزك تعرفي زين بجى ان عيلتك في ضهرك وانا كبيرها أولهم، يعني أي طلب تعوزيه تجولي عليه على طول، ولو عندك أي مشكلة، عمرنا ما حنسيبك تواجهي لوحدك.

أومأت رأسها بتفهم رغم شرودها في حضرته، مما اثار الحنق بداخله ليعود بقوله مشددًا:
- سامعاني بجولك ايه؟
رمقته بنظرة خاطفة من التعجب قبل ان تحجبها مرة أخرى ، مع قولها بخجل:
- انا زينة والحمد لله، مفيش حاجة تستدعي الكلام ده، لما اعوذ حاجة هبجى اجول.

تتحدث بعزة رغم ضعفها، رقيقة حتى في ادعائها القوة أمامه، حديثه معها في هذه المسافة القصيرة زاد على تأكيد نظرته الأولى لها جميلة حد الفتنة، للدرجة التي تزيد من عذابه، في الخوف عليها.

لم يشعر بطول تأمله لها، إلا من بعد ما رفعت اليه نظرة متسائلة، جعلته يعود لصوابه، مستدركًا ضعف موقفه في الانفراد بها بعدما صرف الجميع، فقال موضحًا:
- احنا عارفين ان انت زينة، بس احنا بنسأل ع اللي جاي، لازم تعرفي ان عيلتك كبيرة ولا يمكن هتفرط فيكي ولا تسيبك لوحدك، انتي بتنا.

ميراث الندم   الجزء الاول والجزء التاني نسائم الروححيث تعيش القصص. اكتشف الآن