في إحدى ليالي الشتاء الممطره كانت تجلس في أحد مقاهي وسط البلد فتاة جميلة هادئه في العشرين من عمرها تجلس علي طاوله مواجهة لزجاج المقهي أمامها كوبا من القهوة أصبح بارد كبرودة هذه الليلة تنظر وتراقب وتتابع في صمت حبات المطر وهي تهطل وكانت تبكي وكأنها تسابق المطر فكانت دموعها تنهمر وتتساقط أسرع من سقوط حبات المطر . وفي زاواية أخرى من المقهي يجلس علي طاوله مجاوره لها شاب يافع الطول اسمر البشره حاد النظره يتابع تلك الفتاه بإهتمام وترقب وكأنها أحيت فيه جانباً من الفضول .ظلت تلك الفتاه تبكي وتبكي حتي انتهي المطر وانتهت دموعها وانصرفت في صمت كما كانت تجلس صامته. وفي الليله التالية أستمر المطر في الهطول وكان الجميع يجري ليحتمي من البرد ومن المطر دخل ذلك الشاب للمقهي ليجد تلك الفتاة مره أخري تجلس علي نفس الطاوله وحيده هادئه تبكي ثانية وتسابق المطر مره أخري وزاد فضوله أكثر ليعرف ماقصتها وما سر بكاء هذه الفتاة ,كانت لها عينان ساحرتان من الصعب أن يراها أحد دون النظر إليهما والتحديق فيهما , توقف المطر وغادرت الفتاة وظل الشاب جالس يفكر ويتخيل قصص وحكايات من وحي خياله لعل إحداها تكون سبب بكاء تلك الفتاة . ظلت تلك الفتاة علي هذه الحالة طوال ليالي الشتاء الممطره تظهر مع المطر وتختفي مع إنتهاءه لدرجه أن الشاب توهم أنها ليست بشر وما هي إلا غيمة من غيامات المطر تأتي وقتها وتنتهي بانتهاءها. مر عاما علي أخر مره رأي فيها الشاب تلك الفتاة, وفي ليلة خريفية كئيبة كان يتسكع في إحدي طرقات المدينة حينما صادف وجه "فتاة المطر" كما أسماها في ذاكرته فتوقف حينها ينظر إليها وهو في حالة ذهول ودهشه ها هي صاحبة أجمل عينان رأها طوال حياته إستوقفها سائلاً: من أنت ؟ أجابت بتعجب وإستغراب أبتعد عن طريقي ! ماذا تريد مني؟ رد مجيبا لا تخافي انا أعرفك جيداً لقد ظللتي طوال عاما كاملاً بطلة أحلامي أراك كل ليلة في نومي تبكين أفزع من نومي صباحاً وامشي أبحث عن وجهك في كل مكان أراك في كل شئ حولي عيناك تتجسدان في كل ما حولي أراك في مرآتي، في أريكتي وفي كوب القهوة ؛ تذكرني قطرات الندي في الصباحات بدموعك المنهمره في الليالي الممطره . صمت قليلا ثم تابع حديثة بسؤالها مره أخري: من أنت؟ ما إسمك ؟ أجابت قائلة سعاد ، رد قائلا وأنا فؤاد ؛ إسمحي لي أن اشاركك الحديث هل من الممكن ان نجلس سويا في أحد المقاهي وتحكي لي قصتك أود معرفة سر الحزن الكامن خلف تلك النظرات الساحره من عينيك الجميلتين. جلسا سويا في مقهي بإحدي طرقات المدينة ثم بدأ فؤاد بالحديث: هيا إحكي لي سبب حزنك لقد ظللت أياما أراك تبكين بحرقة بالغة وراهنت نفسي أنك تعانين من أزمة صعب تخطيها هيا أنا أسمعك ردت قائلة : چاد! ثم صمتت ، أكمل الحديث سائلا: چاد! من هو ؟ردتت قائله هو أكثر من حبيبي هو تؤام روحي هو نفسي التي تاهت عني وأجهشت بالبكاء مرة أخرى، حاول فؤاد تهدأتها ناولها كوبا من الماء شربت قليلا وسكتت بعد حينا فتابع بشغف إستفساره ماذا حدث له ؟ أجابت وكأنها لم تسمع سؤاله كبرنا سويا أنا وچاد وكان حبي له أكبر من سنين عمرنا الجميع كان يعلم بحبنا لا يوجد سعاد بدون چاد أينما كنت أنا كان هو معي لم نفترق أبداً إلي أن جاء ذلك اليوم الذي فرق بيننا وأنهي تلك الحتميه لوجودنا سويا ، عاودت البكاء ولكن سرعان ما سكتت وأكملت حديثها : في يوم من الأيام في إحدي الليالي الممطره رأيت چاد وهو يمشي تحت المطر بجوار فتاة أخرى !!! يمسك بيديها مبتسم وسعيد !!كيف ؟ كيف له ان يكون سعيد بدوني أنا ؟ أنا سعاد حبيبته روحه الكامنه بجسده كما كان يقول دائماً ! لم أصدق ما رأيته بعيني حاولت أن أكذبهما ولكن لم أستطع ، جريت نحوه مسرعة وقفت أمامه في صدمة لم انطق بكلمة واحده حتي دموعي خانتني تحجرت داخل عيناي ولكن قلبي هو من كان يبكي وقفت قليلا ثم ركضت سريعا بأقصى ما لدي من قوة حتي اختفيت عن الأنظار وظل هو ينادي بإسمي : سعاااد سعااااد! أسمعيني ،لم التفت له وأكملت طريقي ، رجعت إلي منزلي وأنا حطام إنسان لا أنا حية ولست بميته شئ أشبه بالعدم أستلقيت علي سريري لا أعلم كيف ولا متي غفوت في النوم، وفي الصباح إستقيظت علي صوت المنبه بهاتفي ووجدت رسالة من چاد كان قد أرسلها لي بالأمس، فتحت الرساله وبدأت أقرأها : "سعاد بالله عليك أسمعي لي الأمر ليس كما فهمت تلك الفتاة ما هي الا إحدي مرضاي اللاتي اعالجهن لكنها في حالة ميؤس منها لا أمل في شفائها كل ما أرادته أن تمشي وتلهو تحت المطر قليلا وربما لأخر مرة في حياتها فأردت أن أحقق لها رغبتها لعلها تكون الأخيرة...هذا ما في الأمر صدقيني يا حبيتي أنتي روحي وكل ما لي فهذه الحياة لا معني لحياتي إذا تركتيني". أنتهيت من قراءة الرسالة وأنا في حالة أشبه بشارب الخمر سعادة حد الجنون يشوبها قليلا من تأنيب الضمير ،، لملمت مشاعري المتخبطه ومسكت هاتفي لكي اعتذر لچاد ، اتصلت به مرات ومرات وما من مجيب ، تركت هاتفي جانبا والتقطت الجرائد واخذت اطالع الأخبار فوجئت بخبر كان أشبه بضربة فأس علي رأسي خبرا هامشي علي جانب الجريدة بعنوان رنان جاذب للقراء " مصرع طبيب وفتاه في حادث سير غامض" وملحق بالخبر صورة لچاد ولتلك الفتاه التي رأيتها معه البارحه جن جنوني لا لا مستحيل هذا كذب چاد لم يمت چاد ينتظرني لكي نتصالح سويا ،، قاطعها فؤاد سائلا بتعجب: إذن چاد كان هو الطبيب ؟!! فقالت له ماذا تقصد "ب كان هو " هل تعرفه ؟ رد قائلا لا بل أعرف تلك الفتاة!!! "حياة " هذا أسمها، قالت وكيف عرفت قال فهي حبيبتي ، إستقيظت ذات يوماً علي خبر وفاتها في حادث مع طبيب لم أعرف من هو وما هي علاقته بها كل ما عرفته من تفاصيل أنهما كان يستقلان سيارته وهو يقود بسرعة جنونية قاطع مسافات طويل تحت الأمطار الغزيرة ،ظننت أنها كانت تخدعني وتوهمني بحبها وهي تخونني مع ذلك الرجل ، الآن عرفت الحقيقة يا ربي كيف لي أن أحيا وأنا حاملاً برقبتي ذنب سوء الظن بها ! أتعلمين لما كنت اذهب لذلك المقهي الذي رأيتك فيه لأنه بالأساس مكان مولد حبي لحياة كان الشاهد علي حبنا ، لكن منذ تلك الحادثه وأنا كنت اذهب حاقدا عليها اذهب لأتذكرها لأتذكر خيانتها وأطلب من الله ألا يرحمها بقدر ما عيشتني من آلام ومعاناة. وگأن روحها ساقتني الي هناك في تلك الليلة لكي أراك و أعرف الحقيقة ، يا الله !! عقلي غير قادر علي الإستيعاب! قطعت سعاد صمتها قائلة:هل أدركت الآن لما كان بكائي بحرقة ، لقد كان يحاول اللحاق بي ليخبرني بحقيقة الأمر ، لو ظللت أبكي طيلة عمري ما أستطعت أن أرجع حبيب عمري ولا حتي أستطيع أن أخبره بأني عرفت الحقيقه وأني سامحته لقد فات الأوان ، كل ما أستطيع فعله هو إنتظار المزيد من الأَشْتِيَة لأجلس أمام المطر أندم وأتحسر علي ما فات واتذكر چاد وأدعو له ، أبكي حينا وأبتسم حينا آخر حتي تمر الأيام ونلتقي أنا وهو!!!
YOU ARE READING
فتاة المطر
Romanceلكل منا جانب مظلم لا يعلم أسبابه حتي صاحبه قد يعيش طيلة حياته دون ان يكتشفه وقد يلهمه الله طريقاً للنور والحقيقة. بقلم / دينا عبد الحميد