بقلم نهال عبد الواحد
هناك مَن لديه من العناد والجهل ما يمنعه حتى عن قبول النّصح، لا لشيءٍ إلّا لأنّه لم يعرف كيف يصغي وينصت متواضعًا مقتنعًا بعيوبه.
في إحدى القرى صدع صوت الجدّ أمام أحفاده ككلِّ يومٍ وقت الهاجرة قُبيل صلاة الظّهر، حيث يحدّثهم بما ينفعهم من سِيَرٍ أو أحاديث نبوية... ولِمَ لا؟ وقد بدأت العطلة الصّيفية وجميعهم جاؤوا إلى بيت الجدِّ في الرّيف، بين طفلٍ وصبيٍّ بلغ مبلغ الحُلم...
ابتسم الجدّ قائلًا: وها قد انتهينا بفضل الله من قصّة نبي الله نوح -عليه السّلام -
تفقّد أحفاده الجالسين بإنصاتٍ وأدبٍ جمٍّ من خلف نظّارته متّكئًا على عصاه بكلتا كفَّيه ثمّ قال بفخرٍ: وأجمل ما يروق لي منكم أنّكم تحسنون الإصغاء باهتمامٍ، تقبلون النّصح وإذا ذُكّرتم تذكّرتم...
فابتسم الأحفاد بانتشاءٍ يلتفت بعضهم إلى بعضٍ بسعادةٍ مع بعض التّحرّكات العشوائية في جلوستهم، فأكمل الجدّ: وقبل أن نختم جلوستنا ونستعد لصلاة الظّهر، الّتي لم يتبقّى الكثير على وقتها...
قال الأخيرة ناظرًا إلى ساعة يده واستكمل كلماته بسؤالهم: أريد ملاحظة واحدة دقيقة من أحدكم قد لاحظها وسط أحداث القصّة!
فهدأ الأحفاد وسُمعت همهماتهم ثمّ ما لبثوا وأن استعد أحدهم للجواب رافعًا يده، انتظر الجدّ بعض الوقت بينما يعدّل ياقة جلبابه ثمّ سمح لحفيده بالكلام: تفضّل يا عبد الرّحمن!
ابتسم عبد الرّحمن وأجاب بسعادةٍ: لقد انتبهتُ يا جدّي إلى قول ابن النّبي وقت الطّوفان سآوي إلى جبلٍ يعصمني من الماء، وكيف أنّه ليس لديه من البصيرة الّتي جعلته يقدّر الموقف خير تقدير! ولا حتى رؤية بالعَين المجردة لهول ما يراه من أهوال! تخيّل بعناده وكِبره النّجاة بجهده رغم قوة الماء والأمواج العاتية الّتي تفجّرت من كلّ مكانٍ.
ابتسم الجدّ مومئًا: أحسنتَ بُنيّ! فهو بحقٍّ لم يملك البصر ولاالبصيرة الّتي تجعله يقدّر الموقف كما ينبغي وذلك لغياب نور الهداية والإيمان من قلبه، فكيف يرى في الظّلام وبلا بصر؟! وكذلك أعطى لنفسه من الثّقة الّتي في غير محلّها، فقد ظنّ أنّ الأمر سيستقيم بقدراته وأنّه يستطيع أن ينجو بمجرد قفزٍ وتسلّقٍ...
ثمّ قال لهم بينما ينهض واقفًا معدّلًا الطّاقية فوق شعره الأبيض: استعدوا الآن وتوضؤا لنذهب إلى المسجد جماعة.
فانطلق الأحفاد يتسارعون خارج الغرفة متصاعدةً صوت ضحكاتهم وهرجهم، بينما تحرّك الجدّ واضعًا على الأرض جوار أحد البابَين، الّذي كان مطلّا على الشّارع غير الّذي خرج منه الأحفاد، فافترش ورقةً أرضًا فوقها قطع من الخبز والجبن الّذي قطّعه لتوّه وطبق صغير من الماء، ثمّ دخل هو الآخر كي يجدّد وضوءه.
أنت تقرأ
(ويحك عَنود!) قصيرة
Short Storyومَن لا يعرف كيف يصغي لا يمكنه سماع النّصائح... 👈👈القصة من فصل واحد فقط وبقية الفصول مراجعات ريفيوهات.