الفصل الثاني عشر : قد وجدتُ الطريق!

252 41 52
                                    

« أبي، لقد طلبتُ لك البيتزا، ستصل بعد دقائق، أتريد شيئًا آخر؟ » حدّثتُ والدي وأنا أقف على باب المنزل استعدادًا للخروج.

« لا يا مينا، أشكرك، ستذهب لعملك في المتجر ؟ » تساءل والدي فأجبته بتوتّرٍ نجحت في إخفائه :« ن.. نعم، سأذهب الآن، وداعًا أبي »

أومأ لي والدي فخرجتُ مُسرعًا واستندت على الباب أزفر الهواء براحةٍ، صدق من قال :« إن كنتَ كذوبًا فكن ذَكورًا ! » ؛ إذ أنّي قد نسيت أساسًا أنّني قد أخبرت والدي بتلك الكذبة! جيّدٌ أنّي تذكّرت!

تنهّدتُ ثانيةً وأنا أرفع ذراعي دارئًا به أشعّة الشمس الحارقة عن رأسي حيث كانت الشمس قد توسّطت كبد السّماء و يبدو أنّ اليوم سيكون مُشمسًا. سرتُ بحذرٍ أتفادى بِرك المياه الضّحلة التي تكوّنت بفعل أمطار الأمس. نظرتُ لسيّارتي الزّرقاء التي استحال لونُها للسّواد بفعل المطر، آه! يا إلهي! لا أتحمّلُ رؤية سيّارتي العزيزة بتلك الحالة! أشعرُ أنّي مُقرف ويكأنّ جسدي هو الذي اتّسخ وليس هيكل سيّارتي! تنهّدت وبدأتُ أخطو بعيدًا عن سيّارتي؛ إذ أنّ اتّساخها قد تسبّب في إعراضي عنها، ربّما آخذها ليلًا لغسلها في أحد المحطّات، لكن ليس الآن، فلدي أمرٌ أهمّ بكثير!

شرعتُ أُسرع في خطواتي رويدًا رويدًا حتى ألفيتُني أركض بسرعةٍ؛ لفرط حماسي. أخذت الرّياح تلفح وجهي وتنعشني وشعرت بالخفّة والسعادة، لكأنّما كنتُ مقيّدًا بشيءٍ ثقيل حيث كان يجذبني للأعماق الحالكة والكئيبة، شعرتُ أنّي حرٌّ! كطيرٍ قد فُتح قفصه بعد سنين فصار يُرفرفُ بجناحيه عاليًا في السماء، كظمآن وسط الصّحراء قد لمح عين ماءٍ تلوح من بعيد، كليلٍ حالكٍ تسلّل له سنا الشمس الوهّاج حتى طغى على ظلمته، كنجمٍ ساطع قد خبا ضوؤه من قرون وعاد يلمع ويتوهّج في السماء، كطفلٍ تائهٍ مُشتاق قد وجد أمّه بعد عناء، كتائهٍ وسط دهاليز الظلام والضّياع قد عثر أخيرًا على طريقه للنّجاة!

انحنيتُ على ركبتيّ؛ ألتقط أنفاسي بعد أن قرعتُ جرس بابه. وفور أن سمعت صوت تكّة القفل أقمتُ جذعي سريعًا؛ كي لا يقلق ورسمت أجمل ابتسامةٍ على وجنتاي لاستقباله.

« أهلا، أهلا، تفضّل، كنتُ أستعدّ للنّزول لصلاة الظهر » رحّب براء الذي ارتدى جلباب الصلاة الأبيض بوجهٍ طلِق وهو يبتعد عن الباب سامحًا لي بالدخول. ولجتُ للدّاخل وأنا أقول بحماس :« برائي ! لديّ خبرٌ أودّ إعلامك به»

اتّخذ مقعدًا له على الأريكة وهو يطالعني بابتسامةٍ مُعلّقًا :« خيرًا إن شاء الله؟ »

وقفت أمامه أُحدّق به بسعادةٍ بالغة وأجبته :« لقد عثرتُ على الطريق يا براء ! الإسلام ! »

اتّسعت عينا براء بتفاجئٍ واستقام مُقتربًا منّي وسألني وقد أمسك بكفّاي :« أحقًّا ما تقول؟! أمُتأكدٌ من قرارك يا مينا؟! »

ابتسمت بسعادة وهززتُ رأسي بتتابع وأنا أجيبه :« أجل، متأكّدٌ مئةً بالمئة، لقد وجدت الطريق يا براء ولن أتركه يضيع منّي أبدًا، سأكون أخاك في الإسلام! »

حين التقيتُكحيث تعيش القصص. اكتشف الآن