انهارت سلمى حين أتت إليها أمها برأس شامخ و نظرات حادة، فقالت بنبرة قاسية:
_لن أسمع اسمه مرة أخرى في هذا البيت، و جهزي نفسك، سيحضر ضيوف الأسبوع الماضي يجب أن تقابليهم.
قالت سلمى و على وجهها نظرات الغضب و كأنها تنتظر سماع الإجابة اللتي في بالها على السؤال اللذي ستطرحه على أمها:
_و ما شأني بضيوفك أنا؟!
_أولا حسني من ألفاظك، أما ثانيا فأنت مجبرة على مقابلتهم لأنهم أصلا سيحضرون من أجلك....
_مذااا ؟!!
_لقد قلت ما لدي.
لقد كان هذا الموضوع فعلا معكر للمزاج، كان يشعرها و كأن والدتها تقوم باستفزازها قصدا، كأنها تفعل كل هذا لتمنع سعادتها، كانت الظنون الكثيرة تدور في. رأسها حتى بدأت تشك أن أمها تكرهها، و لا تملك أي مشاعر أمومة نحو ابنتها. الأمر تللذي جعل سلمى تنفعل فتخرج من بيتها في تلك اللحظة، نزلت عبر الدرج و عبرت الممر المؤدي إلى باب المنزل، فتحت الباب بالقوة، كما أغلقته بالقوة بعد خروجها في تلك الأمسية حيث كانت الساعة لاتتعدى السادسة.
لقد كانت خطواتها تتسابق لا تدري إلى أين يجب عليها الذهاب المهم هو أن تنسى. إلى أن توقفت بجانب جسر كبير يطل على البحر، كان الهدوئ يخيم على المكان لا ترى سوى القليل من الناس أما أشعة الشمس فكانت تظفي لمعانا مميزا على البحر من خلف الغيوم الكثيفة، أغمضت عينيها و أخذت تتأمل الجو المريح آن ذاك للحظات، و بعدما فتحت عينيها وقعت نظراتها على ظل امرأة تجلس على الصخور قرب الشاطئ، كانت ملامحها غير واضحة بسبب بعد المسافة فقط ترائى لسلمى ظل امراة يتطاير شعرها في السماء فأخذها الفضول لمعرفة من تكون رغم أنها كانت تريد الانفراد بنفسها لكن فضولها أخذها إليها.
نزلت سلمى من الجسر عبر بعض النحدرات المؤدية إلى البحر حتى وصلت إليها. كانت تقف خلفها محتارة كيف تبدأ الحديث ، حتى قالت:
_معذرة!! أ أشتطيع الجلوس هنا إن أمكن؟
تفضلت السيدة بإيمائة من رأسها علامة الموافقة فجلست سلمى خلفها مبتعدة عنها ببعض السنتمترات، لم ترى السيدة في وجه سلمى حتى على عكس سلمى اللتي لم تنفك من تأمل وجهها، و تأمل عينيها السوداوتين و شعرها القاتم الناعم القصير و أنفها المستقيم و شفتيها الصغيرتين و وجهها المستدير .
_يا ل برائة ملامحها!!
كانت تبدو في القرن الثالثمن العمر. و أخيرا و بعد صمت طويل نطقت السيدة:
_ مزعج أليس كذلك؟
لم تكن سلمى تنتظر سماع صوتها فأجابت في تسرع
_عفوا !!
_كلام الناس.... الضغوطات.... أليست مزعجة؟!
_آااه. أجل... صحيح.
_ما قصتك أيتها الجميلة؟
_قصتي؟ أنااا....، أنا أحببت أحدهم، أحببته بشكل مفرط و لكن....
_العائلة.
_نوع ما، إنها أمي لا تريد أن أكون سعيدة، هي تقبل بأي شخص إلا هو، سأجن انها عنيدة جدا، تخيلي!!
_كم عمرك أنتي؟
_ أنا في الثالثة و العشرين
_أتدرسين... تعملين.. أو مذا؟؟
_أنا أستاذة في الطور الابتدائي
_هذا جيد، سأخبرك بأمر يا عزيزتي
_تفضلي
_ أترين هذا العالم الكبير؟ و حين أقول العالم أقصد كل مافيه. شبابه، بناته، أصدقاء، زملاء، جيران، أقارب، معجبين، أزواج، عشاق.. مهما كبر العالم و مهما زاد الحب لا يوجد أكبر من حب الأم. قد تضربك، تهينك، تعارضك، تضغط عليك، تقسو عليك، تشتمك،. لكنها تعشقك ولا يوجد عشق سوى عشق الوالدين...
_لكنه الحب اأول في حياتي...
-أتعلمين من هو الحب الأول في حيات البنت حقا؟
_من؟!
_إنه الأب، لا يوجد ما يدعى بالحب الأول، و العشق المجنون، و تلك التراهات يا غاليتي إلا ناذرا ناذرا و إن وجد في أغلب الأحيان يكون من طرف، أما الطرف الثاني فإما أنه لا يكن نفس الشعور أم إنه لا يقدر على تحمل مسؤولية هذا العبئ النفسي و العاطفي، فينسحب عند أول فرصة.
لم يعجب سلمى ما قالته السيدة و انتفضت بقوة و غضب و وقفت قائلة:
_شكرا على النصيحة
وما إن كانت على وشك الالتفات و العودة إلى أعلى الجسر حتى سمعتها قالت:
_لم أخبرك قصتي بعد، ألا تودين سماعها؟
التفتت إليها من جديد و بملامح باردة قالت:
_تفضلي أسمعينا
_لقد كنت في مثل عمرك تقريبا، 08 من سبتمبر 2010،أول يوم التقينا فيه، ظننته ذلك اللذي يقال عنه حب من النظرة الأولى، أعجبت به لدرجة تفوق الخيال، أصبحنا نلتقي بعدهاوكل يوم و كأن القدر كلن برتب لنا تلك الصدف إلى أن تواعدنا، و بعد سنةوتقدم لطلبي من عائلتي، الجميغ وافق إلا أمي، حاولت إقناعي بشتى الطرق لكن لم أصغي و قلت نفس ماقلتيه، أمي تبغضني، و تعارض سعادتي، تزوجته غصبا عنها ووقد أثر فيها هذا الموضوع لدرجة أنها لم تحضر زفافي. قلت لا مشكلة سترضى عاجلا أم آجلا سترضى لكن للأسف لا، و بعد شهرين بالضبط بدأت المشاكل، بعد ثلاثة أشهر تلقيت منه أول كف، ثم الكف الثاني و الثالث ثم تحول الكف إلى لكمة، أصبحت لا أخرج مع صديقاتي، و إن خرجت أرتدي ابثاياب الطويلة الكثيرة في الحر، و لا أنزع النظارات الشمسية حتى في الليل ، حتى طفح الكيل، قررت ذات يوم أن أهرب من المنزل كانت الساعة الثانية عشر منتصف اللليل، ذهبت إلى بيت والدي و ما إن فتحت أمي الباب حتى جثثت على ركبتي باكية (ساعديني يا أمي، أنا آسفة، سامحيني) حضنتني أمي قائلة:
_ لا عليك با عزيزتي، بيت أمك دائما مفتوح لك.
تطلقت منه و بعد آمين ر جلسة قال:
_أعلم أن كل شيىء قد انتهى و ما عاد الكلام ينفع لكن... سامحيني، فقط سا محيني .
_ أ هذا آخر ماقاله؟
_نعم يا عزيزتي، هذا آخر ماقاله، و لم أره مرة أخرى مذاك اليوم كان هذا مكاننا المفضل،لازلت آتي إليه لتناول جرعة سامة من الذكريات.... آاااه. ترى أين هو الآن؟!
_ألازلتي تحبينه؟
_لا، فقط أصبح كل شيئ ممل بسببه...أو بدونه، أصبحت لا أتنفس .
_ رغم كل ما فعله معك!!
_رغم كل ما فعله معي.
وقفت سلمى على الفور قائلة:
_شكرا على النصيحة على كل حال، سأطلعك على ما سيحدث معي، أين أجدك؟
_ في نفس المكان و في نفس الوقت
_تمام
مشت بضع خطوات ثم التفتت قائلة:
_لن تخبربني عن إسمك...
ثم قطعت كلامها متفاجئة حين وجدت المكان خاليا، كيف ذلك؟!!! لقد كانت هنا منذ لحظات.... .
و أخيرا وصلت سلمى البيت، فتحت باب البيت بهدوىء ثم دخلت البيت و أغلقت الباب بهدوىء أيضا. مرت عبر قبل وصولها إلى الدرج المؤدي إلى غرفتها مرت من أمام الغرفة الأولى، ثم الثانية، و ما إن مرت عبر باب الصالة حتى استوقفتها كلمات أمها عبر الهاتف:
_يجب عليك الابتعاد عن ابنتي لا محال يجب ذلك....
_كانت شرارات الغضب تتطايى في نفس سلمى و أوشكت على الدخول للصالة قبل أن تتلقى تلك الصظمة
_.... لديك آخر فرصةة للابتعاد. عنها و إلاااا... و إل سأخبرها بكل شيء، ع
ن قصة ارتباطك و طفلك اللذي تخليت عنه و باقي الأمور، هل تعلم ابنتي أنها الاختيار الثاني في حياتك....
دخلت سلمى على أمها اللتي سرقت الكلمات من جوفها بعد رؤيتها و جحظتزعيناها و اغرورقتا بالدموع:
_س.. سلم... ى
سحبت الهاتف من يدها لتشغل مكبر الصوت بيديها المرتجفتان تنتظر كلمات الخائن بملامح مصدومة، وقد سمعته و هو يقول:
حتى و إن أخبرتها، هل ستصدقك؟ هل ستصف معك؟
وأخيرا حصلت على الإجابة المنطقية اللتي كانت تنتظر سماعها، قد أضاعها من بين يديه الآن، أصبحت لا تخصه و أصبح هو لا يعني لها شيئا لتصسر اليوم ملكا لغيره، كله أصبح ذكرى، كل شيء أما في اليوم العالمي للمرأة فقد كان يوم زفافها حسث بثت على مواقع التواصل الاجتماعي صور النساء المعنفات من قبل أزواجهن و عائلاتهن، و صور لضحايا هذا التعنيف، كانت تقلب تلك الصور بينما كانت الماشطة تقوم بعملها حتى و قعت على صورة لفتاة بنفس ملامح الفتاة اللتي التقتها ذات يوم على الشاطئ، مكتوب أسفل صورتها ( ريمة عوض الله، 36 سنة، مشاكل نفسية أدت إلى الوفاة ، تاريخ الوفاة 08/05/2020)حينها أخذت نفسا عميقا و ابتسامة خفيفة و ظهر لمعان خاص في عينيها، إنه الحماس لحياة جديدة ة، وقصة جديدة.
فشكرا لوالدتها....... و شكرا لريمة.
VOUS LISEZ
غروب الشمس
Romanceغروب الشمس هو جوها المفضل، فهو يذكرها بشخص ما، يذكرها بتلك الأيام، الأيام اللتي كانت تأتي فيها معه عند شاطئ البحر ليشاهدا غروب الشمس سوية ، و يقهرها حين تتذكر غيابه... و تفتقد حضوره... ترى أين هو الآن؟