أمام مرآتها وقفت تُتمم على هيأتها، عدلت تنورتها القصيرة التي تكشف عَن ركبتيها وساقيها، وارتدت سُترة بحمالات رقيقة لن تلاحظ وجودها مِن بعيد، وفي النهاية أنهت تمشيط شعرها الأسود المموج ووضعت مساحيق التجميل وطلت شفتيها بأحمرٍ قانٍ جريء، وابتسمت في رضا وهي تنتعل حذاءها ذو الكعب وتُمسك بحقيبتها، خارجة مِن شقتها الصغيرة تسير في ظلام الليل..
عُذرًا لا ظلام حولها، عكس ذلك الإضاءة الشديدة والأنوار المضاءة كادت تُعمي بصرها!
الشوارع ممتلئة على آخرها بالبشر، رفعت أنظارها تتأمل الناس بملل، لكنها شعرت بيد تقبض على ساقها فانتفضت ونظرت أسفلها لتجد شابًا سكيرًا مسجيًا على الأرض وجهه شديد الحُمرة مِن فرط ما شربه مِن مُسكِرات، حاول سحبها وهو يتفوه بما لا يعيه:- خذيني معاكِ يا لويسا! مش تسيبيني لوحدي!
- لويسا مين يا بتاع إنتَ؟ وسع كدا!
ركلته بحذائها ذو الكعب الحاد فتأوه وهو يعود ليفترش الطريق وفي يده الأُخرى زجاجة خمر يسكب منها على ثيابه دون وعي، استمرت عيناها في التنقل بين المارة، فرأت بالقرب مِن الشجرة المجاورة لها رجلًا وامرأة في مشهدٍ خليع وفُحش شديد دون الاهتمام بمَن حولهما مِن بشر!
قلبت عينيها باشمئزاز لحظي انتهى عند وقوع عينيها على ذَكرٍ آخر يجذب عجوزًا مِن خصلاتها ويكيل لها الضربات والركلات دون أن يلتفت إليه أحد، متجاهلين صراخ العجوز المستغيث!
تجاهلته هي الأخرى رغم حنقها الشديد، لكن ما الذي ستفعله بضآلة حجمها أمام ذلك البربري؟
شُبَّان يدخنون ويحقنون أنفسهم بمخدرات على قارعة الطريق، نساء بتنانير قصيرة وملابس رقيقة شبه عارية ينتشرن في الشوارع، ورجال بقصات شعرٍ عجيبة وسراويل ممزقة أو قصيرة تحيط أعناقهم سلاسل عديدة مِن فضةٍ وذهب..في نهاية هذا الطريق الطويل وصلت أخيرًا إلى وجهتها ذات الأضواء اللامعة، حانتها المفضلة والتي تقضي فيها ليلها وتلتقي بأصدقائها بعد عملها الشاق طوال النهار، كان اسم هذه الحانة غريبًا للغاية ليكون اسمًا لحانة..
«الچَنَّة»دلفت إلى الحانة واتجهت نحو الطاولة المُعتادة وعند اقترابها رأت صديقها يجلس في انتظارها، ابتسم باتساع إزاء رؤيتها فرفع ذراعه يلوح لها:
- لِيلي!
- نور..
هكذا نادته قبل أن تجلس بقربه وتحتسي معه النبيذ الأحمر أثناء انتظارهما لأصدقائهما الآخرين، غير آبهين بالعالم، فليحترق العالم ولتبقى لذة هذه اللحظة داخل «الجنة» الخاصة بهما!
دار في ذهن نور سؤال: «أهُناكَ لذة تُعادل وجوده في الجنة بينَ النساء الفاتنات، وكؤوس الخمر الطيبة، والموسيقى الآسرة؟»(لم يكُن ما يحدث في هذه البلاد مقتصرًا عليها، كان كذلك في سائر البلدان، في الأرض كلها! لقد كان هذا حال الأرض عام 2200 ميلاديًا..)
***
«م. أ. مصيلحي»
قد تعتقد أن الغموض قد بدأ لكنها بداية افتتاحية لا أكثر، ما زال هُنالك الكثير مِن الغموض فانتظر بصبر، نحنُ لم نبدأ بعد..
أنت تقرأ
الأَرَاضِي المَنْسِيَّة.
Adventureبينَ طيَّات الزمان والمكان، بينَ الحقيقة والأسطورة، وبينَ أعماق المُحيطات وأعالي السماوات، تقع هي في ذلك المكان حيثُ لم يُخلق مَن هو قادر على إيجادها، هي فقط مَن تصنع الطريق نحوها، سامحة لقلة بالوصول إليها، فإن كُنت مِن «المنوَّرين» انتظر بصبر؛ فبال...