الفصل الأول
سبحان الخالق الذي يَجْمَعُ مالا يُجْمَعْ، الذي يوفق بين القلوب ليرزقها نسمات عبير المحبة والود، تزرع بين ثنايا القلوب لتتربع على عرش الفؤاد، رويدا رويدا تتسلل على استحياء فتصبح نبضة ثم نبضة، تليها أخرى ثم أخرى، تطرق على باب الروح الهائمة عساها تفتح الباب لتهب كنسيم بارد في حر الصيف يطفئ براكين الألم ونيران الحنين.
سبحان من يخلق النرجس والياسمين، لتنمو بأشواك تحميها من غدر الزمن، فتزرع الحب بالنظرة والدفء بالعبير الأخاذ، في دنيا كثر فيها الاشتعال والحرائق والرماد.
لندن بيت محمد العرابي:
رائحة الدماء تغزو أنفها، تحاول الحركة للخروج من تلك الخزانة، لكن لا صوتها يخرج ولا جسدها يستجيب، دموع تنهمر وتنهمر كشلال يعبر عن احتراق روحها لألم المنظر وقسوته، مجرد كابوس لكنها تعيشه منذ سبعة عشر سنة، لحظة موت والدها من كان صديقها وتوأم روحها، ثم يتغير المشهد لترى جثة كل من والدتها وجدتها غارقتين في بحر من الدماء ... دماء ... كل شيء تلطخ بالدماء.
كانت مجرد طفلة تجاوزت الخامسة ببضعة أشهر ، شهدت مجزرة قتل والدتها وجدتها والأهم سلبت روح والدها أمام عينيها ،أغلقت القضية... والفاعل مجهول ... والشاهدة الوحيدة ... طفلة دخلت في غيبوبة نتيجة لما حصل ، قيدت بهدف السرقة ، لكنها تعلم سمعت حديثهم ذلك اليوم كل كلمة ، كل حرف ترسخ في ذاكرتها كما ترسخت صوره ، لتتأجج نار الانتقام والثأر في قلبها الصغير ، آخر نظرة لوالدها وآخر كلمة لتعطيه وعدا أن تسعى لتنفيذ كل ما طلبه ، أدركت بعدها أنها كانت وصيته ، وهو كان يعلم أنه سيقتل عاجلا أم آجلا ، وعدته وعدا وشم بالدماء حفرته في روحها قبل عقلها ، وليست هي من تخلف وعدا قطعته ، فما بالك إن كان الوعد لشاهين ، وليست ميلانيا شاهين العرابي من تخلف وعدا قطعته أبدا .
استيقظت من نومها فزعة من الكوابيس التي لا تنتهي، نفس المشهد واللقطات كل مرة، قطرات العرق التي تتصبب من جبينها جعلت خصلات من شعرها تلصق بوجهها، لحظة تأمل اعتادت عليها بعد رؤيتها لهذا الكابوس تتذكر فيها نفسها وتحثها على الانتقام، لكن السؤال كيف السبيل إلى ذلك؟ لا تعلم من أين تبدأ؟ حقيقة أن بعض القيود فرضت عليها من قبل جدها وأخوالها بعد عودتهم تحت جناح العشيرة تكبلها، لا تعلم كيف تتصرف؟ لحظة أخرى من التأمل حتى ومض في ذاكرتها قول والدها:
- تذكري دائما أنك ابنة شاهين، أنت ابنة العرابية، تذكري أنك عشق شاهين.
استغفرت الله سرا ثم نهضت من السرير تلملم خصلات شعرها الطويل بلونه الأشقر العسلي يلمع كوهج الشمس في أوجها ، تمتمت بينها وبين نفسها متذمرة من طوله الذي يصل إلى كاحليها دون التفكير في قصه حتى ، فهو وعد آخر قطعته يوما لوالدها .تابعت روتينها اليومي بدأته بالاستحمام ثم غيرت ملابسها لفستان أسود طويل يحيطه حزام عند الخصر بنفس اللون مع حذاء منخفض الكعب ، وقفت قليلا أمام المرآة تعدل حجابها الأسود بإحكام ، نظرت إلى الساعة المعلقة على الجدار المقابل لها ، انتفضت بسرعة لتأخرها على وقت الفطور قوانين البيت واضحة لا تأخر ولا اعتذار عنه .
أنت تقرأ
عشق شاهين
Romanceهي من عشقت عشقا لا حدود له هي ثمرة عشق تحدى العادات والتقاليد هي من أحرقت روحها لفراقه هي من أتت لتنتقم ميلانيا شاهين أسد العرابي