الفصل الثامن
وأنتَ في طَريقكَ للبحثِ عن حياة ، لا تَنسي أن تعيش.
- محمـود درويش.(٣٣)
عَلـيّ
كنتُ قد خرجتُ يومها أسال عن الجد صابر، والد ليليّ وجد الطفلين ، حتي وصل سؤاليّ هذا الي صابر نفسه ...وقد فاجئني بقدومه إليّ .. كان رجلٌ كبير ذا قوام خشنٍ و هيبة عظيمة ، يقف وراءه أربعه رجال أشداء مثله ، فَقلتُ في نفسي " أهذا حقًا الرَجل الطيب الذي وصفته لنا ليلي؟"
تقدم الرجل إليّ فدخلت قَمر مع الطفلين الي الغرفه .. وأردف ذلك الرجل في نبرة صارمة دون أي مُقدمات "سمعتُ انك تعرف ليلي ابنتي "
تصنمت مكاني من خوفي ، ولكن ما باليد حيلة ، طلبت منه الدخول ووقف الرجال خارج النُزل ، وجلس الرجل امامي ، ثم طَلب بعض المياة فدخلت الي الداخل لأحضر زجاجة مياة باردة .. وعندما خرجتُ كان فرانسيس وميشيل يجلسان بجانبهِ و لضخامة جسده كان الحيز الذي يجلس فيه رفيقايّ ضيقٌ فكان ميشيل يضع ذراعيه أمامهُ و ساقيه مغلقةٌ بإحكام و مثله الآخر وينظران لي نظرة لن أنساها .. امسكتُ ضحكتي حتي لا يلاحظ ذلك الرجل ، ثم ابتسمت لهم وجلست ..
- إن كنت تكذب سوف تكون عاقبتك وخيمة أيها الشاب!
-سنخبرك بكل شئ سيدي..وتستطيع بعدها أن تحكم بنفسك
حَكي فرانسيس كل ما حدث ، أتذكر أيضًـا أن أصعب مشهد قد حكاهُ هو تعنيف زوجها لها..يجلس أبٌ يستمع لمعاناة ابنته وهو لا يستطيع أن يفعل شيئًا أيوجد ألم بعد هذا الألم؟ أخبره عن وصيتها له، وبعد انتهاء حديثنا معه بدأ قلبه يميلُ لنا .. وانزل دمعه ثم مسحها بسرعة وكأن شئ لم يحدث
مهما فَعلت الفتاة ، ومهما فرقتها السنوات عن والدها تبقي هي مُدللتهُ دائمًـا
رَغم أن ليلي لم تَري والدها إلا عندما كانت طفلة صغيرة وغادرت مع والدتها الي بلد آخر ، إلا عندما سمع ذلك الوالد ما حدث لإبنته ، شعر وكأن جُزءًا من قلبه قد احترقَ بالفعل
وكيف لا يشعر ؟ وقطعة من روحـهِ قد مَسها الضر ؟
وبعد انتهاء حديثنا ، وقف وشكرنا وطلب منا رؤية الطفلين .. خرجت قَمر مع ليلي وفارس الذان وقفا خلف ظهرها في قلق من ذلك الرجل .. ثم اقترب منهم صابر وابتسم لهم .. حتي رق قلب ليلي ونظرت إلى فارس ثم ابتسمت للرجل
وقَبل مغادرة صابر ، وضع فرانسيس في يده قلادة كانت ليلي قد تركتها معه ، كانت قلادة ذهبية.. اعتصر صابر القلادة في يده ، ثم غادر بعد أن شكرنا مرة أخري مع حفيديه ..
كان يعلم بالفعل أن الفتاة ليست حفيدته ولكنه قد احبها بمجرد رؤيته لها ، وعندما علم أن اسمها "ليلي"
قد عزم علي اخذها معه.
وانتهي ذلك اليوم العصيب بمغادرة الرجل والطفلين ، وقد أخبرنا أنه جميل لن ينساه ويريد رده لنا في أقرب وقت ...ومن نظرات فرانسيس وميشيل للرجل علمت أن هناك أمر سوف يساعدنا به قريبًا ..
لن أخبركم عن ملامح فرانسيس وهو يحكي ليّ أنا وقمر عن طه و التاجر صاحب اللوحات ، وكانت قمر سعيدة بسماع تلك الأخبارِ لتكمل إلحاحها عليّ بالبقاء في هذة المدينة.
وهكذا انتهي يومنا ، وكنا قد قررنا استكمال رحلتنا سويًا حتي نري تلك الفتاة أخيرًا .. في الحقيقه كذلك كنت افكر دائمًا ماذا سيحدث عندما نعثر علي الفتاة ؟ .. كيف سيغدو كل منا إلي طريقه ، هل حقًا سيكون لنا طريق ..؟
بينما كنت اغرق في أفكاري تلك ، ايقظني ميشيل منها ، واردف بإبتسامة يسألني إن كنتُ متفرغًا لندخل بحديثٍ قَصير
فأجبتُه بنعم فأردف مكملًا حديثه
- بما أن الوحدة قد جمعتنا سويًا لبعض الوقت..أريد أن أعلم ما سيحدث عند وصولنا لتلك السيدة
ابتسم علي وأردف وهو ينظر إلي السماء الصافية في تلك الليلة
- اقترحت عليّ قمر أن نبقي هنا..لأن فرانسيس قد وجد الفتاة علي أي حال
- أتريد البقاء ؟
-أحبُ رفقتكم!
فأوقفني ميشيل عن حديثي ، وأردف
- ولكنك متزوج! يجب عليك الاستقرار لتكوين منزل..صحيح؟ إذًا لتبق يا رفيق! ولكن لا تقطع عنا رسائلك!
ضحك علي ضحكتهُ الهادئة، ممتزجة بنبرة حزن ، ثم عانقه ميشيل مودعًا له وأردف
- سيحزن الآخر لكنه سيتقبل الأمر،ثلاثتنا نتمني الخير و السعادة لبعضنا صحيح؟
أومأ علي برأسه موافقًا ميشيل .. ثم دخل الي غرفته ليحظي بليله لم تتواجد بها لحظة نوم هادئة ..
وفي صباح اليوم التالي، جاء الرجلان من ليلة أمس ، ثم ذهب ميشيل وفرانسيس معهما ، الي السيد صابر
الذي وعد بتنفيذ اي طلب مهما كان
السيد صابر هو رجل تجارة معروف للغايه في المدينه ،والمدن المجاورة لها ، أيضا رجل شديد يخاف منه اغلب السكان ، لذا لا يتعرض له اي شخص مطلقًا .. رغم هذا إنه رجل عادل يلتمس الفقراء المساعدة عنده كما سمعتُ
دخلنا الي منزل السيد صابر ، أو ربما أصفهُ بقصر السيد صابر ، كان منزلاً كبيرا ذا حديقه خضراء واسعه ، كان في انتظارنا بإبتسامة واسعه ، وأردف عند وصولنا له
-يبدو أن هناك طلبًا في رأسك أيها الشاب من قبل أن تقابلني حتي صحيح؟
-أحتاج الذهاب إلي تواليس يا سيدي..نبحث عن تاجر لوحات يدعي محمود عز الدين
وضع صابر يده علي الطاولة فجأة ، وأردف
- إنه صديق قديم ليّ!
نظر ميشيل الي فرانسيس بدهشة ، ثم أردف
-لقد توفيّ
وضع كوب القهوة الذي كان يمسكه علي الطاولة أمامه ، وأردف بدهشة واضحة في نبرته
- حسنًا أيمكنني أن أعرف لما تسأل عنه؟
-إنني أبحثُ عن فتاة قد رسمها في لوحةٍ لهُ
ابتسم و وضع فخذهُ فوق الآخر وأكمل حديثه
- الحكايه هي أن محمود كان يحب امرأة، تُدعي جَميلة..لقد أحبتهُ هي الأخري ولكن كانت هناك معضلة كبيرة..رغم كونها مسيحية إلا أنها كانت أميرة!
ولكن تشاء الأقدار التي جمعتهم ببعضهم أن تفرقهما مرة أخري..لقد وضعت المرأة طفلتها الرضيعة التي لم تتمكن حتي من رؤية والدها و غادر محمود المدينة في ظروف غامضة..يُقال أنه قد قُتل، محمود ترك عمله وحياته وابنه الصغير طه وراء ظهرهِ، قبل مغادرته وضع جسده في غرفتهِ ،و بدأ يرسم كان رسام رائع!، كانت آخر لوحاته لوحة لجميلة امرأتهُ، ثم انقطعت سيرتهُ عنّي .. ، تلك هي حياة الرسامين! دائمًا مختلفة.
انتهي حديثنا ، وما كان يشغل بالي حقًا ، لما انتهي حب جميلة و محمود بتلك الطريقة ؟
لقد ظَل هو يُحبها حتي قُتل من فَرط الحُب بينما هي قد تركت حياتين قديمتين لها وراء ظهرها..الأولي حياتها كأميرة والثانية كزوجه رسام!علمنا أيضًا أن السيدة ليست في تواليس بل هي في مدينه تدعي ﴿إيثيليس﴾ تبعد عن هنا ثلاثة أيام ..
بدأت رحلتنا بالفعل في فجر ذلك اليوم ، حتي مضت ثلاثة أيام كنا نسير مع قافله في الصحراء ، حتي وصلنا إلي ابواب تلك المدينة ، مدينة ﴿إيثيليس﴾ المدينة الإلهية .. يقول سكانها "قبل أن تصبح تلك البلد اسلامية ، كانت هناك أسطورة تقول أن من يدخل تلك البلاد لا يخرج أبدًا منها ، يسحر بسحرها ويصبح واحدًا من أهلها"
خاطب فرانسيس الشاب عمر الذي أرسله السيد صابر معهم أثناء رحلتهم ، وأردف مناديًا له
-عُمر ، أين سنقيم؟
ردَ عمر بنبرة هادئة ، يشرح فيها كل شئ يتعلق بالرحلة
- ستجلسون في قصرهِ هنا كما أمرني و سأذهب أنا للبحث عن تلك المرأة.نزلنا إلي تلك المدينة ، مدينه واسعه مليئة بالخيام والمنازل ، وكان سكانها عاشقون للمبيت في الخيام.
استطعتُ أن الاحظ أنني كلما تعمقتُ في تلك البلاد
كلما قَل الدين في نفوسهم
في بداية زيارتي للبلاد لم استطع رؤية عيونهم بشكل واضح حتي !
والان اشعر أنهم لا يختلفون في شئ عن نساء بلادي ..
دخلنا الي منزل السيد صابر ، وبينما انظر حولي إلي ذلك المكان الكبير ، أردفتُ موجهًا كلامي لميشيل أن يصعد هو الي غرفتهِ التي سينامُ بها ، و خرجتُ وحدي لشوارع المدينة فَلم أستطع أن أمكث ساكنًا و أنا أشعر أن تلك الحورية لا تبعد عني إلا بضعة شوارعَ قليلة!
كانت المدينة مليئة بالإنارة والحيوية ، المصابيح تملأ كل المدينه وتلك الالوان الزاهية في كل مكان ، إنها حتي الآن أجمل مدينة زُرتها في الجميلة ميليسا ، كذلك الاجمل بلدًا كانت ميليسيا !
كنتُ أتمشي وحيدًا علي أمل أن اصادف تلك الفتاة ، ولكني لم اجدها ، حتي جاءني عمر وأخبرني أنه ربما عثر علي منزل السيدة جميلة ، وبدون تفكير مني ، أخبرته أن يأخذني إليه في الحال ، حتي أنني لم انتظر حلول الصباح .. وكأنني اخيرًا أمسكت بطرف ذلك الخيط !
وصلنا بعد بعض السير الي ذلك المنزل ، كان منزل يقع بجانب العديد من البيوت المتشابهة، فوضعت عليه علامة بقطعه من ملابسي حتي اتذكره ، ثم وقفت بعيدًا اراقب المنزل .. وجلست أسفل شجرة حتي أنني لم أشعر بالوقت يمر من حولي ، ولم الحظ ذلك إلا عندما طَل نور الصباح علي وجهي يخترق الفراغات بجانب وريقاتها ، كان المكان فارغًا حتي فُتح باب المنزل، كادت عيناي أن تخرج من وجهي ..حتي قطع تركيزي شخصًا يضرب رأسي من الخلف ، سَقطتُ وانا امسك رأسيّ التي كانت تنزِفُ بالفعل ، ثم نظرت إلي ذلك الشخص ...وإذ أنها تلك الآنسة
مالتْ هي ناحيتهُ لتنظرَ له بتعجبٍ فلما يُراقب هذا الغريبُ منزلها في قريتها الصغيرة منذ الفجرِ و تسألهُ عن سبب قدومه فلا يُجيبُها
و يُحدث نفسهُ
-كانتْ جَميلة بِشعر طَـويل،تَموج شَعرها يُشبه امواج البحرِ،لها عُيون شَعرتُ خلال الثوانِ القليلة التي نَظرتُ بِها أننَّي أغرقْ،بَحارٍ بِدون سفينتهِ،كان قَلبي يَخفق بقوة،أنها تلك الآنسة في لوحتيّ!
أنت تقرأ
فتاة لوحة ميليسيا /painting of mellisia girl✓(مكتملة)
Romanceاسم الرواية السابق: لعبة ميليسيا عِند الحديث عن التَعلق بأحد اللوحات الفَنية، يقال أن راسمها تاجرٌ من بلاد بعيدة ، فعِند رؤية ابن الحاكم المَسيحي تلك اللوحة، وتلك المرأة التي قد فَتنتهُ مُزينةٌ بالألوان الزيّتية علي اللوحة،قرر أن يجُول العالم بحثاً...