عند سُرَادِقِ العَرْشِ..
فَتَنَاوَلَهُ الطَّيْرُ وَطَارَ بِهِ فِي جَوَ السَّمَاءِ، وَاتَّبَعَهُ سَائِرُ الطَّيْرِ ، فَسَمِعَتْ السيدة حكيمة عليها السلام ابن أخيها الإمام أبا محمد العسكري عَليه السلام يَقُولُ :
أَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ الَّذِي أَوْدَعَتْهُ أُمُّ مُوسَى مُوسَى السلام ! (۱)
فَلَمَّا أَنْ رَأَتْ ابْنَهَا قَدْ عُرِجَ بِهِ إِلى جَوْفِ السَّمَاءِ بَكَتْ الْأَميرَةُ الْمُقَدَّسَةُ فَقَال الامامُ العَسْكَرِيُّ عَليه السلام لها :
اسْكُتِي فَإِنَّ الرَّضَاعَ مُحَرَّمُ عَلَيْهِ إِلَّا مِنْ تَدْبِكِ، وَسَيُعَادُ إِلَيْكِ كَمَا رُدَّ مُوسَى إِلى أُمِّهِ،
وَذَلِكَ قَوْلُ الله عَزَّ وَجَلَّ: فَرَدَدْنَاهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ ﴾ (۲)،(۳)قَالَتْ السيدة حَكِيمَةُ عليها السلام:
وَمَا هَذَا الطَّيْرُ ؟!
فَأَجَابَهَا الإِمَامُ الْعَسْكَرِيُّ عَليه السلام :
هَذَا رُوحُ الْقُدُسِ الْمُوَكَّلُ بِالْأَئِمَّةِ ، يُوَفِّقُهُم وَيُسَدِّدُهُم وَيُرَبِّيهُم(٤) بِالْعِلْمِ (٥).وفي رواية أنَّ الإمامَ العَسْكَرِيَّ عَليه السلام قَالَ:
لما وَهَبَ لِي رَبِّي مَهْدِيَّ هَذِهِ الْأُمَّةِ أَرْسَلَ مَلَكَيْنِ فَحَمَلَاهُ إِلى سُرَادِقِ الْعَرْشِ حَتَّى وَقَفَا بِهِ بَينَ يَدَيِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَقَالَ لَهُ:
مَرْحَباً بِكَ عَبْدِي لِنُصَرَةِ دِينِي وَإِظْهَارِ أَمْرِي، وَمَهْدِي عِبَادِي، آلَيْتُ أَنِّي بِكَ أَخُذُ وَبِكَ أُعْطِي، وَبِكَ أَغْفِرُ وَبِكَ أَعَذِّبُ، ارْدُدَاهُ أَيُّهَا الْمَلَكَانِ، رُدَّاهُ رُدَّاهُ عَلَى أَبِيهِ رَدّاً رَفِيقاً وَأَبْلِغَاهُ فَإِنَّهُ فِي ضَمَانِي وَكَنَفِي وَبِعَيْنِي إلى أَنْ أُحِقَّ بِهِ الْحَقَّ وَأُزْهِقَ بِهِ الْبَاطِلَ وَيَكُونَ الدِّينُ لِي وَاصِبا (٦).وَقَدْ جَاءَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا فِي سِفْرِ الرُّؤْيَا(٧)،
فِي الإِنْجِيلِ الكِتَابِ المُقَدَّسِ عِنْدَ المَسِيحِينَ، عَلَى أَنَّهُ بِشَارَةٌ مِنَ المَسِيحِ عِيسَى عَليه السلام يَنْقُلُهَا عَنْهُ تِلْمِيذُهُ يُوحَنَّا اللَّاهُوي.ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(۱) كمال الدين و تمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج ٢ ص ٤٢٨.
(۲) القصص : ۱۳.
(۳) كمال الدين و تمام النعمة الشيخ الصدوق، ج ٢ ص ٤٢٨.
(٤) في بعض النسخ يُزَيِّنُهُمْ بِالعِلْمِ».
(٥) کمال الدين وتمام النعمة، الشيخ الصدوق، ج ۲، ص: ٤٢٩ .
(٦) بِحَارُ الأَنْوَارِ ، للشيخ المجلسي، ج ٥١ ، ص ٢٧.
(٧) ينقل صاحب أعلام الهداية ج ١ ص ٢٦ : (وَالتَّنْين وَقَفَ أَمَامَ المَرْأَةِ العَتِيدَةِ حَتَّى تَلِدَ لِيَبْتَلِعَ وَلَدَهَا مَتَى وَلَدَتْ في سفر الرؤيا ١٢: ٣ ، أي : أن السلطة كانت تريد قتل هذا الغلام، ولكن بعد ولادة الطفل. يقول باركلي في تفسيره: ( عِنْدَمَا هَجَمَتْ عَلَيْهَا المَخَاطِرُ اخْتَطَفَ اللهُ وَلَدَهَا وَحَفِظَهُ). والنص : (وَاخْتَطَفَ اللهُ وَلَدَهُ) سفر الرؤيا ١٢ : ٥ ،
ويقول مؤلف أعلام الهداية قبل كلامه هذا إن من الواضح لمن يمعن النظر في نصوص تلك البشارات السماوية أنها تقدم مواصفات للمصلح العالمي، لا تنطبق على غير المهدي المنتظر الإمامي طبقاً لعقيدة مدرسة أهل البيت ، لذلك فإن من لم يتعرف على هذه العقيدة لا يستطيع التوصل إلى المصداق الذي تتحدث عنه، كما نلاحظ ذلك مثلاً في أقوال مفسري الإنجيل بشأن الآيات (۱) - ۱۷ ) من سفر الرؤيا الفصل الثاني عشر مُكَاشَفَاتُ يُوحَنَّا اللَّاهُوتِي، فهم يصرحون بأن الشخص الذي تتحدث عنه البشارة الواردة في هذه الآيات لم يولد بعد، لذا فإن تفسيرها الواضح ومعناها البين موكول للمستقبل والزمان المجهول الذي سيظهر فيه، في حين أن هذه الآيات تتحدث بوضوح عن الحكومة الإلهية التي يقيمها هذا الشخص في كل العالم، ويقطع دابر الأشرار والشياطين، وهي المهمة التي حددتها البشارات الأخرى بأنها محور حركة المصلح العالمي. لكن مفسري الإنجيل لم يستطيعوا تطبيقها على المصداق الذي اختاروه لهذا المصلح وهو السيد المسيح عيسى بن مريم عليهم السلام لأن البشارة واردة عن يوحنا اللاهوتي عن السيد المسيح فهو المبشر بمجيء هذا المنقذ كما أنهم لم يتعرفوا على عقيدة أهل البيت عليهم السلام في المهدي المنتظر ( عجل الله فرجه ) لذلك لم يستطيعوا الاهتداء إلى مصداق تلك الآيات.