السلام عليكم و رحمة الله و بركاته
- كي يعود الغريب إلى موطنه، يجب أن يعود الحق إلى صاحبه
كررتْ "هاجر" الجملة مرارًا وهي تدور في الغرفة و "هند" و "زينة" تشاركانها التفكير بدورهما كلٌ في اتجاه، قالت "هاجر" في محاولة إستنتاج:
- ربما تكون عودة الحق لصاحبه هي عودة القرط لمالكته؟
ردت "هند" بما خسف بإستنتاجها الأرض:
- إن أصبح القرط مع مالكته فكيف تعود "زينة"؟
- معكِ حق
ثم التفتت إلى شقيقتها و أضافت:
- هل لديكِ أيّ أفكار؟
- يريد منّا القرط أن نعيد الحق لصاحبه..... إذن يتطلب منا إيصال شيء بشخص
سكتت لثانية ثم أردفت:
- علينا الآن أن نتوصل للشيء أو للشخص، و أحدهما سيوصلنا للآخر.
سألت "هاجر":
- من برأيكِ قد يكون الشخص؟
أجابت "هند" على الفور:
- شخصٌ له حقٌ ضائع في القصة التي حكتها أمنا
ثم تابعت بعد تفكير:
- بالتأكيد ليس "شهاب"، الأخ الذي قُتل، فقد مات و انتهى.... قد تكون زوجته التي اختفت قبلها بليلة فقط، كانت تعرف شيئًا بالتأكيد
وجهت حديثها ل"زينة" الشاردة في واد بعيد:
- "زينة" ما رأيك؟
رفعت "زينة" وجهها لمحدثتها و قالت بعدم استيعاب:
- نعم؟؟
لم تكن "زينة" تفكر في كيفية العودة، بل في كيفية وصول قرط كهذا لشقيقتها "ياسمين"، ما الذي اضطرها لترك كل الحليّ الموجود في القاهرة و شراء هذا؟ و لماذا تحتفظ به؟ الآن استطاعت فهم الفزع الذي أصابها حين طلبت منها استعارته، بالتأكيد ارتدته، لكن متى؟ و كيف لم يلحظ أحد غيابها؟ أيعقل أن تكون أتت إلى هنا و عادت دون أن تختفي من عالمهم؟ إن كان هذا صحيحًا، فهذا يعني أنها لم تختفِ من عالمهم هي الأخرى! أيٌ من النسختان الأصلية إذن؟ تلك التي هي في منزلها، أم التي ذهبت لأرض غريبة بطريقة أغرب؟ انتشلها صوت "هاجر" لتفيق من أوهامها. تابعت "هاجر" :
- إذن، يتطلب منّا إيصال شيء لزوجة أخي الملك الذي قُتِل، أين هي و ما هو نحن لا نعلم.
- كيف علمتم؟!
أخبرتها "هند" بالحوار الذي دار بينها و بين "هاجر" في حين كانت "زينة" شاردة ثم قالت "زينة":
-هو مجرد إستنتاج، لا يفترض أن نتحرك على أساسه؟
- و هل في يدنا شيء آخر؟ كل ما نستطيع فعله هو أن نمشي خلف الإستنتاجات بدلًا من الجلوس و إنتظار اللاشيء.
أدركت "زينة" أن "هند" على حق فقالت في تسليم:
- صحيح
قالت "هاجر" و قد بدت و كأن فكرة لمعت في عقلها:
- لمَ لا نجرب القرط؟
نظرت الفتاتان لها باستفسار، ماذا تقصد بنجربه؟ أردفت موضحة:
- قالت أمي أن القرط يحمل قوة، لمَ لا نجرب استخدامها؟!
صدرت فورًا من شقيقتها جملة تعبر عن إستنكارها:
- هل أنتِ حمقاء؟!
- فلنجرب فقط، لن نخسر شيء!
وجهت حديثها لـ"زينة" التي كانت قلما ما تتحدث و كأن الأمر لا يعنيها:
- دعكِ منها يا "زينة"، ارتدي القرط و دعينا نرى ما سيحدث.
تخيلت "زينة" نفسها إن حملت قوة خارقة، بدا الأمرُ خياليًا و رائعًا، قالت بابتسامة و هي تنظر لـ"هاجر":
- لن نخسر شيء.
اتسعت بسمة "هاجر" ثم قالت:
- حسن! ارتديه دون أن تضغطي عليه.
فعلت "زينة" كما قالت "هاجر" و لم يحدث أي شيء من القرط ففهمت أنه يجب الضغط على القرط لينقل من يرتديه أو ليُسمعه تلك الجملة المريبة، قالت "هاجر" بتساؤل و هي تضع إصبعها علي ذقنها:
- كيف نستعمل تلك القوة إذن؟
رفع "زينة" كتفيها دلالة على عدم المعرفة بينما هزت "هند" رأسها بيأس من حماقة شقيقتها. قالت "هاجر" بعد تفكير:
- لنجرب الطيران، قفي فوق شيء عالٍ و اقفزي!
نظرت لها "زينة" بتعجب بينما ظلت "هاجر" تلح عليها لتفعل، وافقت "زينة" مع إصرار "هاجر" و صعدت فوق خزانة الملابس و قفزت قفزة جعلتها تبدو كالطفلة المشاغبة فسقطت أرضًا و هي تتأوه مع ارتفاع ضحكات التوأمتان، قامت "هند" لتساندها و هي تقول ضاحكة:
- تلك عاقبة من يتبع "هاجر".
قامت "زينة" بمساعدة "هند" و هي تتأوه ثم قالت:
- سامحكِ الله يا "هاجر".
قامت "هاجر" و قالت في حماس:
- لنجرب شيئًا آخر.
ردعتها "هند":
- "هاجر"، توقفي عن هذا!
ظلت الأختان تتجادلان بينما كانت "زينة" شاردة في شيء ما و عيناها جاحظتان، حركت يدها فتحرك الصندوق القابع بركن الغرفة مع حركة يدها نظرت الفتاتان للصندوق بدهشة و أعين متسعة و سرعان ما تمتمت "هند" في خفوت:
- لقد تحرك وحده!
قالت "هاجر" و هي ترتجف:
- "زينة"، أأنتِ من فعلها؟
قالت الأخرى:
- أظن ذلك
فور أن انتهت من جملتها سمعت صوت يقول:
- صديقة لديها قوة خارقة، هذا رائع!
التفتت لهما فجأة و سألت:
- أعيدي ما قلته!
قالت الأختان بصوتٍ واحد:
- لم أقل شيئًا.
سمعت نفس الصوت مرة أخرى يقول:
- هل تسمع أصوات الجن؟ أم أنها تقرأ الأفكار؟!
و فور سماعها لتلك الجملة دارت "زينة" في الغرفة و هي تقول:
- يبدو أنني أقرأ الأفكار، يبدو كذلك.
و بمجر أن سمعت "هاجر" ما قالته شهقت ثم نظرت لها نظرة إستفسار فأومأت لها "زينة" برأسها عدة مرات فقالت "هاجر":
- سأفكر في لون دون أن أقول ما هو.
قالت الأخرى ما سمعته من أفكار "هاجر":
- أزرق
أجابت "هاجر" بدهشة:
- نعم!
ظلت "هند" تحملق فيهما و هي تسألهما بإستفسار:
- تقرئين الأفكار! حقا!
أومأت لها الفتاتان بسرعة و حماس. حاولت "زينة" تحريك شيء آخر، وجدت أن يكون ذاك السرير، أرادت أن يكون شيئًا كبيرًا لترى مدى قوتها، و بالفعل رُفع السرير للأعلى فأسرعت تُعيده كما كان. أعجب الأمر "هاجر" كثيرًا فطلبت من "زينة" تجربته و ما كان من "زينة" إلا أن وافقت فأخذت "هاجر" القرط و فعلت كما فعلت "زينة" تمامًا. وقع القرط من أذن "هاجر" و أصدر صوتًا، لم يكن صوت أفكار إحداهن فقد سمعن الصوت كلهن، كان صوتًا مشوهًا لشخصٍ ما شبهته "زينة" بصوتِ رجلٍ يتحدث في الهاتف و الشبكة ضعيفة، لا يكاد صوت الرجل يصل ليكون جملة مفهومة، كان الصوت في البداية لرجلٍ يكبر ثم بدا و كأن الرجل أصبح أكثر من شخصٍ يكبرون و يهللون كأن شيئًا عظيمًا حدث للتو. نظرت الفتيات لبعضهن البعض باستفسار علهن يجدن التفسير لما يحدث لدى واحدة منهن، لم تكن أي منهن تحمل إجابة، بادرت "هاجر" بقولها بصوت مرتجف:
- من هنا؟
و كان الرد هو أول خيط لبدء المغامرة!
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
هاخذه من
في بستانٍ صغير لا يتوقع أحد وجوده مُحاط بتلك الأرض الفارغة و التي قد يظنها البعض صحراءً قاحلة فور رؤيتها، تملؤه (البستان) الأشجار و الثمار مما جعله مقصدًا للمسافرين للراحة فيه و التمتع بضيافة أهله، قبعت خيمتان بسيطتان لكنهما جميلتان، في الأولى كان يجلس ذلك الشاب ذو البشرة البيضاء و الشعر الطويل قليلًا و اللحية المتوسطة و العينين السوداوين الواسعتين و الملامح السمحة و البسمة المريحة، يتحدث مع أمه و يشاكسها، ثم سألها عن أبيه، يريد أن يعرف المزيد عنه فهو لم يره في حياته، يسأل و تجيبه والدته بهيام و هي تتذكر الماضي الجميل، قبل تلك الحادثة التي قلبت حياتها، قطع حديثهم صوت تكبير و تهليل، كانت الخيمة التي بجانبهم، و التي تحوي أخوال الشاب الثلاثة.
اسمه "منتصر"، عمره ٣٥ عام، عاشهم في ذلك البستان الذي لم يرَ غيره، كان يسمع بعض الحكايات و الأقاويل عن بلدان أخرى من المسافرين الذين يقصدون بستانهم ليرتاحوا من الطريق، فيساعدهم هو و أهله-أمه و أخواله- و يضيفوهم في خيمتهم المتواضعة. منذ عامان، استعمل أحد القرط لأول مرة، و كانت تلك فرصته الأولى ليعرف ما هو. يوم عرف أخواله بأمر إستعمال القرط، أقاموا احتفالًا عظيمًا، و روت له والدته القصة. حين قُتِل والده قبل أن يُولد، هربت والدته قبلها بليلة بعد أن حاول الإعتداء عليها، و أصبحت على أسوء خبر على الاطلاق، نوت العودة في البداية لكنها خافت من بطش أخيه الذي أصبح الملك الآن بعد قتله شقيقه، ما زالت تذكر تلك الليلة، و ذلك الشعور بالضعف، حين رحلت و هي تمشي بين الطرقات هائمة على وجهها لا تلوي على شيء، تغطي طبقة الدموع عينيها المحمرتين، ابتعدت كثيرًا عن القصر حتى تاهت و صارت لا تعرف كيف تعود له، ولا أين هي، رأت من لم تتوقع أبدًا رؤيتها بتلك الحال، والدة زوجها تبكي بحسرة على ولديها..... الذي قُتِل و الذي قَتَل، تقابلتا و تحدثتا طويلًا حتى ذكرت لها والدة زوجها عن القرط، الذي يمكنه نقلك إلى عوالم أخرى ليس من مكان إلى آخر فقط، الذي يمتلك قوة جبارة لم يمتلكها أحد. حين علمت أنها حبلى، أخبرتها الملكة- التي لم تعد ملكة- أن "نجم" لو سيقتلها و يقتل الجنين دون تفكير، كي لا ينازعه أحد في الملك، لم ترد أن يضيع حق ابنها و حق زوجها الذي مات، لذا قررت البقاء، لا تريد المضي في عالم آخر ثم النسيان، هربت الملكة مستعملة القرط بعد أن ضاع فرده و أصبح فرد واحد في أذن واحدة، أخبرت زوجة ابنها قبل ذهابها أن هناك من سيعود بالقرط و الزوج مكتمل ليُعيد الحق لصاحبه، و أعطتها علبة القرط التي تتصل به و تستطيع التواصل معه، إن استعمل أحد القرط سيعلمون و سيستطيعون إخباره بما يحدث و طلب العون. كحلٍ آخر حاولوا التواصل مع قبائل و مدن اخرى للتحالف معهم و في كل مرة كانوا يعودون فاقدي الأمر بعد أن يكون قد رُفض طلبهم. أصبحت تعيش في ذلك البستان مع إخوانها و ابنها الذي بذلت كل جهودها في تربيته تربية سليمة سوية، علمته معنى الرضا و الصبر و العطاء و العدل، و أن الحنان و الحب ليسا ضعف، بل قوة، و أن القسوة و الغضب يهلكان صاحبهما، علمته أن من يتوكل على الله أقوى من أي شخص.
دخل "منتصر" مع والدته إلى خيمة أخواله ليعلم ما حدث، جلسا معهم و استمعا لذلك الصوت الحائر يقول:
- من أنتم؟ و كيف تحدثوننا؟ كيف وصلت تلك الأصوات؟!
كان صوت فتاة شابة، رغم كون صوتها حائر مشوش، كان يشع حيوية. رد أكبر أخواله "سعد":
- نحن لا ننوي الشر لأحد، نريد استرداد حقنا فقط.
نظرت الثلاث فتيات لبعضهم بدهشة يخالطها السعادة، هل هو من يبحثون عنه، عن أي حق يتحدث يا ترى؟ من هو من الأساس؟ كانت المتحدثة "هند" تلك المرة حيث قالت بعد أن ابتلعت ريقها:
- من أنتم؟ إن رويتم لنا قصتكم سنساعدكم بما في إستطاعتنا.
حكى لهن الخال الأكبر "سعد" القصة منذ البداية إلى تلك اللحظة، فقالت "هاجر" مشككة:
- أعطني دليلًا على صدقك.
رد عليها الخال الأصغر "عمار" بتهكم:
- و هل يكلمكن اللصوص بواسطة القرط كل يوم؟
اقتنعت "هاجر" بإجابته المتهكمة فصمتت و لم تعلق في حين نظرت لها "هند" نظرة نارية بسبب سخطها من تسببها في هذا الإحراج بسبب إندفاعها. استفسرت "هند" بعد صمت طال:
- ماذا تريدون منا أن نفعل إذًا؟
أجاب "سعد" :
- تسلموننا القرط و تعاونونا في التغلب على الملك.
سألت "زينة" متفاجئة:
- كك...كيف نساعدكم؟
أجاب الخال الأوسط "محمد" :
- يمكنكن إقناع بعض أهل المملكة الأقوياء و عاملون بالقصر بالتحالف معنا ضد "نجم".
- و لمَ لم تفعلوا ذلك من قبل.
كان هذا سؤال "هاجر" ليأتيها الجواب من أم "منتصر" السيدة "مرام" بحزن:
- لقد نشر "نجم" شائعات كثيرة عنا فلم يعد يثق بنا أحد.
اندفعت "هاجر" تخبر بموافقتهن قائلة:
- حسنًا نحن موافقات، سيكون من السهل إقناع البعض حيث أن الملك ليس ملكًا عادلًا و لا يحظى بحب شعبه.
وكزتها "هند" في كتفها و تهمس لها:
- من أخبركِ بموافقتنا يا بلهاء؟
و بنفس درجة الصوت المنخفضة قالت "هاجر" مستغربة:
- ماذا؟ أنتركهم هكذا؟! ثم إننا نحتاج إليهم كما يحتاجون إلينا لتعود "زينة" لموطنها.
همست لها "هند"
-بلهاء
ثم نظرت ل"زينة" و هي تسألها عن رأيها، لم تدرِ "زينة" بمَ تُجيب لكنها رأت أن "هاجر" قد أدلت بالموافقة مسبقًا لذا لن تحرجها فوافقت في نهاية المطاف. اقترحت "هاجر" بعد أن رأت موافقة الجميع:
- يمكننا أن نريهم القرط و قوته ليتشجعوا به.
جاءها الرد من "عمار" فورًا إذ قال بذعر:
- لا تفعلوا هذا أبدًا!
استغربن من ذعره هذا مما جعل "سعد" يفسر لهن:
- لقد وضع "نجم" جائزة مالية لمن يأتيه بالقرط، إن لم يعرف صغارهم بذلك فكبارهم يعرف.
قصد بجملته الأخيرة توضيح سبب جهل الأختين بالأمر، لم يجد أحد القرط فأصبحت أسطورة، و قد تعمدت السيدة "ليلى" التي ربتهما عدم إخبارهما بأمره. كانوا يتعمدون ذكر اسم "نجم" فقط دون لفظ "الملك" فهم يؤمنون المُلك ليس حقه فسلبوه هو بألسنتهم حتى يستطيعوا سلبه إياه بأيديهم.
بدؤو بتنسيق خطتهم سويًا.
بعد نقاش و جدال توصلوا لخطتهم وهي كالتالي:
ستبدأ الثلاث فتيات بمحاولة إقناع بعض الشعب بالتحالف معهم في مدة ثلاثة أيام، ثم يذهبن للقاء "منتصر" و والدته و أخواله ليسلمونهم القرط و يبدأ الاشتباك بينهم و بين جنود الملك.
∆∆∆∆∆∆∆∆∆∆
أنت تقرأ
قرط الملكة
Fantasyلم يكن قرطًا عاديًا، فبمجرد أن ارتدته أطلق وهجًا غريبًا استحال تدريجيًا إلى ضوء ساطع أغمضتْ عينيها من شدته، لتفتح عينيها بعد برهة و تصدم مما تراه!