غرابة

627 26 9
                                    

هل سبق لكن أن غادرتو منزل طفولتكم و عدتوا له عندما أصبحتم كبار؟
هل تتذكرون ذلك الشعور جيدا؟
إذا إستطعت أن أعبر عنه بكلمة ستكون "غرابة"
فتحت لي أمي الباب و لم أرى على وجهها تعبير.
إبتسمت بصعوبة أو بخوف لم أفهم شعورها و قالت: مرحبا بعودتك.
شعرت بغرابة شديد جعلت أوصالي تتعب.
مشيت بتباطئ كأن أحدهم يعيدني للوراء.
كان المنزل غريب و مألوف في نفس الوقت.
جلست على الأريكة كالغريبة و جلست جنبي أمي..
كان الصمت سيد المكان، الذي كسره دخول أبي الذي سارع و عانقني، ضمني بشدة و قال في أذني: مرحبا بعودتك.
تجمعت الدموع في عيني و أنا أنظر إلى عيونه و كأن هناك الكثير من الكلام لكن لم ينطق أحدنا.
جلس جنبي و أمسك يدي و قال بقلق: هل أنتي بخير؟
لا أعرف لماذا لكنني ضحكت بسخرية كيف يمكن للآن  حتى شعروا بالقلق علي.
لكنني لم أجب شيئ
لذلك قالت أمي بتهكم: يبدوا أنك متعبة، إصعدي لغرفتك لترتاحي.
صعدت إلى الطابق الثاني و دخلت إلى الغرفة التي أشارت إليها والدتي.
كانت الغرفة غريبة علي جدا و باردة و كانت غير مرتبة قليلا كأنها رتبت على عجالة.
جلست فوق السرير و حاولت الإستلقاء.
أغمضت عيني لأتذكر سريري، سريري المريخ الذي تركته في منزلي.
فتحت عيني و أتا في دهشة، صفعت وجنتي حتى أحسست بسخونتها و قلت في نفسي: ما الذي تقولينه؟ ذلك ليس منزلك، ذلك السجن الذي كنتي تعيشين فيه.
لكنني حاولت النوم على كل حال.
فتحت عيني لأجد شخص يجلس جنبي و عندما حدقت جيدا وجدته أخي و يال الغراب لقد تغيرت ملامحه، لقد إختفى وجهه الدائري ليصبح أكثر حدة و نمت لديه قليلا من الشوارب.
عندما رآني أفتح عيني قال بصوته العميق: هل أيقضتك؟
مريم: عادل؟
إبتسم و قال: هل تغيرت لهاته الدرجة؟
مريم: إعتقدت رجلا ما
ضربني على كافي بخفة: ألست رجل؟
نهضت من سريري لأعانقه بسعادة و هاته أول مرة منذ دخولي إلى هذا المنزل شعرت بالألفة: في عيني ستكون طفلا دائما.
وقفت عادل و قال: هيا للعشاء جاهز.
فجأة هذا الصوت ذكرني بكل طفولتي، كيف كنت أرسم في غرفتي ليأتي أخي بحماس لغرفتي يناديني لتناول العشاء بسرعة لأنه جوعان.
نزلنا مع بعض نضحك.
عندما نظرت إلى أبي الذي يجلس على رأس الطفولة كعادته يبتسم معنا.
لذلك جلسنا أنا و أخي جميع مثل العادة.
قال أخي بشهية: هذا الطبق المفضل لدي.
فقال أبي: و هذه المعكرونة المفضلة لمريم.
فجأة تذكرت عندما كان خالد يطبخ لي المعكرونة بالجبن و يخبروني أنه أحضر طبقي المفضل.
فإختفت إبتسامتي و شعرت بالحزن بالمكان.
فجاءت أمي و جلست مقابل لوالدي و بدأنا نتناول طعامنا بصمت.
عدت إلى غرفتي و نمت كأنني لم أنك ليومين.
و هكذا مرت الأيام أقضيها في غرفتي أو في الصالة عندما يأتي والدي من العمل و أخي من المدرسة.
نلعب بشيئ ما أو نشاهد برنامج تليفزيوني، ثم عندما يحل الليل نتناول العشاء كلنا معا و أعود إلى غرفتي.
يزورني خالد في أحلامي كل ليلة و كأنني أشعر به و أستيقظ في منتصف اليل و الدمعة في خدي.
أشعر بالفراغ و الغرابة و كأنني لم أغادر منزله فقط بل غادرت الكوكب كليا.
شعرت أنه بعييييد جدا، شعرت أنه كان محرك حلم عشته فقط في منامي، لم أسأل أهلي لماذا لم يبحثوا عني عندما غبت و لماذا لم يندهشوا عندما عدت، لم يكن لدي الحرأة لأسمع الجواب.
و في نفس الوقت لم يتحدثوا هم بالموضوع بتاتا.
في السلة التي بعدها حلمت نفس الحلم مرة أخرى كان خالد يعانقني و يتنفس في عنقي جاعل كل جسدي يدفئ و في نفس الوقت يهمس في أذني: إشتقت لك مريم، متى ستعودين إلى المنزل؟
لأفتح عيني بدهشة لأجد شخص يراقبني عند باب الغرفة.
حاولت أن أركز على الخيال لأجده يشبه خالد كثيرا.
سارعت لإشعال مصباح النوم، لكنني لم أجد شيئا و إختفى ذلك الخيال.
لا أهرف لماذا لكنني شعرت بخيبة أمل و يضيق كبيير فنزلت دمعة على خدي و أستدير للجهة أخرى و أغمض عيني بسرعة لعلني أراه في حلمي مرة أخرى.
لكن في الحقيقة ذلك الخيال كان خالد حقا.
جاء يزور مريم لأنه إشتاق لها كثيرا و لم يحتمل إبتعاده عنها.
في ذلك اليوم الذي هربت فيه مريم، شعرت بخوف شديد أن تختفي مثل المرة الماضية ماذا لو ضاعت في الغابة مرة أخرى؟ ماذا لو خطفها رجل ما؟ ماذا لو أساء إليها.
شعرت أن الدم يغلي في عروقي و أسرعت وراءها.
ذهبت إلى الغابة نديرها و ناديتها لكن لا رد منها و لا أثر لها.
فعدت للمدينة فلمحت خيالها وراء النفايات، لم ألحق بها حتى هربت مرة أخرى و رأيتها إقتربت من الشرطة لذلك إرتحت و أبطأت مشيتي.
كلما إقتربت منها كلما رأيت الخوف في عينيها.
لذلك فهمت عندما أخذها الشرطي من أمامي و أخذها إلى سيارته ثم عاد إلي.
الشرطي: سيدي تلك المرأة قالت عنك بعض الأشياء.
قلت بحسرة: أنا أعلم.
الشرطي بجدية: إذا ما هو تبريرك.
أخرجت دفتر من جيبي و أعطيته للشرطي.
عندما فتحه كان دفتر زواجنا.
الشرطي بغرابة: إذا تلك المرأة هي زوجتك؟
خالد بحزن: ليست زوجتي فقط بل مريضتي أيضا، أنا الدكتور خالد، دكتور في علم النفس عندما تعرفت على زوجتي أول مرة كانت مريضتي، تعرضت لحادث سير و خسرت أصدقائها فتعرضت لصدمة نفسية لذلك أصبحت أعالجها و في الأخير الحمد لله شفيت و في نفس الوقت وقعنا في حب بعضنا و تزوجنا، ثم لسوء القدر تعرضنا لحادث آخر على الرغم أنه كان حادث صغير لكنه ذكرها في صدمتها و فقدت كل الذاكرة، لذلك الآن لا تعرف أنني زوجها و لا نتذكر أي شيئ، تعتبرني شخص مجهول قمت بإختطافها.
و لقد قمت بالإتصال بزميلتي و سوف تحضر ملفها حالا
الشرطي: حسنا سنأخذكم إلى المركز لنقوم بالإجراءات.
خالد: أرجوكم لا تفعلوا يكفي الصدمة التي تعرضت لها فلتأخذوها إلى منزل أهلها.
بعد ذلك إتصلت بوالدها.
والد مريم: مرحبا يا ولدي لم أسمع صوتكم منذ زمن.
خالد: كيف حالك عمو؟
والد مريم: عندما أستطيع أن ألتقي بإبنتي و أعانقها أصبح بخير يا بني.
خالد بتأسف: للأسف سوف تراها اليوم؟
والد مريم بإستغراب: كيف؟ لم أفهم؟
و هكذا قصصت له ما حدث معنا.
رؤية مريم اذهب في سيارة أخرى من أناني أعادني لنقطة الصفر، في اليوم الذي إستيقظت فيه من الغيبوبة و لم أتذكر أنني زوجها أو ما مررنا به.
ذهبت إلى مركز الشرطة و كانت نورا تنتظرني هناك.
قدمنا ملف مريم إلى الشرطة، بدون إطالة تركونا نذهب.
لم أكن أريد العودة إلى المنزل لذلك ذهبت مع نورا.
نورا: ما الذي جعل مريم تبحث عن الملف من الأول؟
خالد: ربما أعرف من أدرجها.
نورا: و ما العمل الآن.
خالد بحزن: أنتي أخبريني.
نورا: أعتقد أنك يجب أن تاعها تهدئ و تفكر قليلا ربما ستتذكر شيئ أو على الأقل تتقبل الحقيقة.
بعد ذلك عدت إلى المنزل و ذهبت مباشرة إلى غرفة أيمن.
فتحت الباب بقوة و قلت: إنه أنت.
نظر إلي بدهشة ثم إرتخت ملامحه بدون مبالاة.
أيمن: أتقصد هروب تلك المجنونة؟ هل أخذوها إلى المستشفى؟
إقتربت منه و رفعته من ذراعه.
أيمن بصراخ: أتركني أنت تؤلمني.
خالد: ألست أخاك؟ أتتمنى لي الشر لهاته الدرجة؟
أيمن بغضب: لذلك أبعدتها عنك، ألا ترى؟ لقد سلبت لك حياتك و شبابك، جعلتك مجنون نقلها تقوم بتصرفات غريبة، و أصبحت حياتك تتمحور حولها و أنت تضحي بحياتك المهنية من أجلها.
خالد: أهكذا تفكر؟ أنا فكرت في الأول أنك غيران، لكن...
سكت ثم أخذت خطوات مغادر الغرفة.
و قبل أن أغادر و بدون أن أستدير: أنت هو أخر شخص متبقي لي من عائلتي و أنت من دمي و روحي لكن لن أسمح لك مرة أخرى أن تتدخل في حياتي الأسرية.
سكت قليلا ثم قلت: لم أكن أتمنى أن أنطق بما سأقوله لكنك أنت من أجبرتني...من فضلك غادر المنزل.
تلك الكلمات ألمتني أكثر مما ألمته أنا أعرف، لكن بتصرفه هذا جعل كل جهودي اذهب سدى.
عندما إستيقظت في اليوم الموالي وجدتهم أخذ كل أغراضه و ذهب.
نعم أنا أعلم أنني أظلمه لكن هذا الأفضل للجميع في الوقت الحالي.
و الأيام التي جاءت بعدها كانت طويلة جدا
المنزل موحش من دونها، أشعر أنني في قبر محبوس.
أصبحت أقضي كل وقتي في المستشفى حتى أنني أنام هناك ليلا.
لكن لم أستطع التوقف عن التفكير فيها و كيف أننا أصبحنا متوافقين الأيام الأخيرة و كيف إقتربنا من بعضنا
كيف كنا ننام في حضن بعض، إشتقت إلى رائحتها و عيونها و صوتها و كلاهما و دفئها....
لذلك قررت تلك اللي أن أزورها في منزلها.
أدخلتني والدتها و أخبرتني أنها نائمة.
صعدت إلى الطابق الثاني و بدون صوت دخلت غرفتها.
رؤيتها نائمة مثل الملاك جعلت جسدي كله يرتجف.
إقتربت منها و حنيت لها...
أمسكت تلك الشعرات التي تغطي وجهها الناعس الجميل و أبعدتهم عنه.
لاطفت وجهها برفق.
ثم قربت شفتي من أذنها و قلت: إشتقت لك مريم، متى ستعودين للمنزل؟
ثم طبعت قبلة على خدها.
عندما شعرت بحركتها غادرت الغرفة و المنزل كليا تاركا قلبي ورائي.

خطفني طبيبيحيث تعيش القصص. اكتشف الآن