هي الحياة...

83 21 47
                                    

لا أدري... هل أبكي موطني، أم نفسي وجراحي، أم أبكي هذا الموطن الذي احتواني، إحتلال فوق الأرض وعدوان في عمق البحر، إذا أين يأمن الإنسان حياته.

رغم كوني نشأت على مثل هذه المشاهد، إلا أنه لايزال تجزع لها نفسي، ويتمزق لأجلها فؤادي ألماً، قصف للمباني، قتل للرجال والنساء وحتي الأطفال، حرق الأشجار والبشر، عبث يتلوه عبث، فمن يستمع، ومن يبكي، ومن يمد يده لإنتشالنا من هذه المأساة.

حتى هنا... أطفال يُتموا، نساء ترملن، ورجال فقدوا أحبتهم، رفاقهم، وعائلاتهم، فأين المفر؟

هاهو "جهاد" يحاول عبثاً أن يواسيني، أوليس هو الأولى بالمواساة، يمكنني أن أرى به رفاقي بالفعل، صامد رغم الشتات من حوله، ومراعٍ للجميع، يمد يده ليساعد حتى وإن كان جسده ينتفض ألماً.

إبتسمت بأسى له، وبادلني نفس الإبتسامة المتألمة، فهاهو موطنه ينزف.

- جهاد هل بمقدوري فعل شيء ما... أي شيء ربما يمكنني المساعدة.

ربت على كتفي، وأردف:

- وجودك سيساعد لا تقلق... فقط عليك أن ترتاح قليلاً.

هززت رأسي نافياً:

- لا أريد... لن يراودني نوم وأنا هنا وحدي.
- اذا فهذا يوم حظك... إنها ليلة الجمعة.
- وماذا يحدث ليلة الجمعة؟

رفعت أحد حاجباي متسائلاً، ليمسك بيدي ويساندني حتى أقف، ثم أردف:

- ستعرف ما يحدث بعد أن ترافقني.

تبعته لغرفة أخرى طرق بابها، لتخرج إحدي الفتيات يمكنني أن أجزم أنها لم تتخطى الثالثة، بشعر أسود، وعينان سوداوين، وفستان فضي اللون، يمكنني أن أرى الشبه بينها وبين "جهاد" بالفعل، وكأنها نسخة صغرى منه، حملها عاليا وقد شقت الإبتسامة وجهه، وضحكات تلك الصغيرة ترتفع وهي تحتضن وجهه بكلتا يديها.

- كيف حال غيثي اليوم... أميرتي وروحي.
- بابا... أنا بكل خير حمد لله.

أخذ يلاعبها حتى خرجت فتاة عشرينية، بشعر مسترسل بني اللون، وثوبها الأبيض اللامع، ومن ورائها "نور" مغطاة بالضمادات ،وبرغم جراحها تمشي بوقار وعلى وجهها ابتسامتها الرقيقة، أقبل "جهاد" على تلك الفتاة ممسكاً كفيها بمودة، وقبل جبينها محدثاً إياها برفق، لابد أنها زوجته، ويالها من أسرة دافئة جميلة، أثارت في داخلي تساؤل.

"لماذا أنا أعزب ولم أتزوج حتى الآن؟"

قطع أفكاري ذاك الصوت الرقيق:
- شمس الدين... هل ستحضر أمسيتنا الليلة.

أومأت رأسي، فصوتها ذاك قد بعثر أفكاري.

- سأفعل... لكن هل أنت بخير مع هذه الجراح؟
- لا بأس لا أشعر بألمها.

أنهت كلماتها بابتسامة، ودخل "جهاد" حاملاً تلك الصغيرة.

- غيثي ألقي التحية على عمك شمس الدين.

ربيع القبّار "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن