هذا موطني.

51 18 53
                                    

صباح يوم الجمعة، وقد استيقظت على وضع لا أحسد عليه، لكنه يدل على تمكني من أداء جزء مما نطمح إليه، فها هو الرجل الذي أتانا من السطح؛ قد بات كواحد منا، وأسلوب نومه هذا هو ما يثبت صحة كلامي.

أتتني صغيرتي "غيث"، طفلتي التي أطمح بأن أعطيها كل ما يسعدها، حتى تصبح شخص يفخر به الجميع، عساها تصبح طفلة صالحة، لربما كزوجتي الحبيبة، فخر حياتي، وطبيبة لنساء مملكتنا، حتى في الإجازات فهي لا تكل ولا تمل من مساعدة الجميع، وعسى طفلتي تصبح يوماً مثلها، فخر لي ولأمها ولمملكتنا.

توقظني بقبلة على جبيني، كما تفعل زوجتي معاها، وبكفها الصغير تمسح على رأسي.

- بابا... صباحك خير.

أمسكت بكفها الرقيق وقبلته، وأجبتها بكل السعادة من قلبي:

- صباحك سعادة وخير يا غيثي... أميرتي وروحي... ما رأيك أن توقظي عمك شمس الدين.

رأيتها وهي تمسح رأس رفيقي، وتحاول ايقاظه من سباته:

- عمي سمس الدين... استيقظ.

تحرك من مكانه، وأخيراً ترك زراعي، وتحررت معدتي من ضغط رأسه، لأحتضن أن صغيرتي، وبكفها الصغير ترتب لي شعري المبعثر، لأوجه كلماتي لرفيقي.

- من حظك أن تستيقظ على صوت أميرتي... لكن ذكرني في المرة المقبلة ألا أنام إلى جوارك.

لوى شفتيه، وقد عقد حاجبيه، وأجابني كمن يسترجي شيء ما:

- أنا أيضاً أريد زوجة وطفلة لتدللني.

كتمت ضحكاتي، وتظاهرت بالجدية:

- ما رأيك اذا أن نطلب من خالتي تسبيح أن تجد لك عروس مناسبة... لكن عليك أن تكون رجلاً قويم يتحمل المسؤولية.

- وهل ترضى إحداهن على الزواج مني... وأنا غريب لا ينتمي لهنا.

- ان نساءنا صالحات يا رفيقي... سكن لأزواجهن، وخير معين... وانت لا يعيبك شيء... سنجد لك عملاً... وارى ان أخلاقك لا يشوبها شيء... توكل على الله والزوجة ستأتي برزقها.

- ونعم بالله... دعني أجد عملاً أكون نافعاً به أولاً لأرد جميلكم... وسيرزقني الله بزوجة حين يحين وقتها.

حسناً... أظنني أريد زواجه منا، لربما يبقى معنا.
حينما استيقظ الجميع، كانت النساء قد صنعن الطعام، وقام بعض الرجال بتوزيعه علينا.

اجتمعنا على طعام واحد، وكالعادة يشاركنا الملك كفرد منا، النساء والفتيات في جانب، والرجال والصبية في جانب اخر، نتشارك طعامنا، همومنا، وسعادتنا.

بعد ان انهينا الطعام، جلسنا سوياً في صفوف، الرجال في المقدمة، والنساء في الخلف، وها هو ملكنا أمام الجموع، يخطب بنا كعادة كل يوم جمعة، ساوينا صفوفنا، ووقفنا للصلاة وأنا إمامهم.

أنهينا صلاتنا، وانصرف كل فرد الى أحبته، الرفاق، العائلات والأزواج، كل ذهب لمن يهب له أملاً في الحياة.
نلاعب أطفالانا، نأنس بآبائنا، نسكن لأزواجنا، بيوم من أيام أسبوعنا الحافل، نأخذ راحة من الحياة، لنكمل كدحاً باقي الأيام.

- بابا... رداء عمي سمس.
- بالطبع أميرتي لنذهب.

أخذت صغيرتي لإحضار رداء "شمس الدين"، فبرد المكان هنا يجعل أطرافه تكاد تتجمد، كما ويمكنني سماع صرير أسنانه بالفعل.

- عمي سمس... تفضل.

ناولته طفلتي، وعلى محياها ابتسامة واسعة.

- ماهذا يا غيثنا.
- رداء قد أوصيت بصناعته لك... البرودة هنا مهلكة... وأنت من اعتدت دفئ الشمس.

سارع بارتدائه، وما أن غطاه حتى باتت أطرافه دافئة.

- جُزيت كل الخير يا جهاد... لا تدري كم كنت أتجمد هاهنا.
- يسعدني أنه قد نال استحسانك.
- أحببته بالطبع... من لا يحب الدفئ.

احتضنت "غيث" قدمه، ورفعت رأسها تجاهه.

- عمي سمس... تعال معنا.

حملها عاليا على كتفيه، وأجابها بمودة تليق بطفلتي:

- إلى أين يا غيثنا الحلو.

أشارت بأصابعها لخارج المكان، وتمسكت برأسه:

- تعال معي أنا وبابا... نحضر الأزهار لماما.
- لآتي أنا.

تحركنا لحديقة خالتي "تسبيح"، فهي تعتني دائماً بالزهرات، ومامن زهرة عندها إلا ولها صاحبها.

أزهار بيضاء، وأخرى حمراء، والألوان الزاهية تغطي المكان، ورائحة عطرة تغطي المكان كعادته، وهناك في نهاية الحديقة كراسٍ لفتيات في عمر الزهور، وتجلس بينهن خالتي، وما أن رأتنا حتي استقبلتنا بالترحاب، وأقبلت عليها طفلتي.

- خالتي... كيف حالكِ.
- طالما زهرتي الصغيرة بخير، فأنا بكل خير... نفس الطلب من جديد.
- أتيد زهرة حمراء... لماما حبيبة بابا.

أحضرت لنا باقة حمراء بديعة الجمال، لحبيبتي وزوجتي، ولطفلتي أحضرت زهرة بيضاء كحال قلبها النقي الجميل.

هذا هو موطني، برجاله، نسائه، وأطفاله، بأزهاره وأيامه، هو موطني، ولأكن فداء له.

ربيع القبّار "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن