نحيا معاً.

47 16 79
                                    

أخذ "جهاد" باقة الأزهار الحمراء لزوجته، ومن وراءه "شمس الدين" يحمل على كتفيه "غيث" الصغيرة، تهز قدميها في سعادة، وتعبث بشعر حاملها، وبصوتها الرقيق تغني:

ابتسم... فهذا الحزن حتماً ينجلى.

ابتسم... و لليأس لا لا تنحنى.

ابتسم... فالفجر حتما آتى.

ابتسم... ومن الأحلام فلترتوى.

ابتسم... فالأمل لا لن ينتهى.

طرق جهاد باب عيادة زوجته، ودقائق حتى أتاه الرد، وقام بدفع باقته الى وجهها، وأردف بكل حب:

- اشتقت لكِ يا طبيبة فؤادي... أما آن الأوان لتداويني.

أجابته بمشاكسة، وقد ابتسم ثغرها:

- يا وزيرنا المجتهد... أما من عمل لديك.
- اليوم يوم عطلتي... ووددت لو تشفقي عليّ وتعطيني بعض من وقتكِ.

تنهدت واستندت برأسها على صدره، وهمست له:

- تدرك أني أشتاق لك أوليس كذلك... لكن لا يمكنني ترك مرضاي وأرحل.

حاوطها بزراعيه بحنان، ومسح على رأسها.

- أثق أنكِ لن تتركي أحداً ورائكِ... يكفيني فخراً أن تداوي جراحنا حبيبتي.
- شكراً لانك تتحملني... لكنه عملي... وقلبي لا يطاوعني أن أراهم يستنجدون بي ولا أجيب...
- جُزيتي كل الخير على عملك... لا بأس على قلبكِ حبيبتي... لا بأس.

طال الهمس بينهم لدقائق، وعلى مسافة منهم يقف "شمس الدين" برفقة طفلتهم، وبعدها ناداها والدها، لتركض على أحضانهما.

- ماما... أرأيت زهرتي.

احتضنتها والدتها بحنان وشوق، فعملها كطبيبة وسط العدوان يجبرها على وضع لا تهواه.

- رأيتها يا عيون أمكِ... كيف كان حالكِ... هل رعاكِ أبوك كما يجب.
- بابا يلعب معي ويحضر لي كل ما أحب.
- لتسعدي دوماً طفلتي... ما رأيكِ أن نلعب معاً اليوم... لم يعد لدي عمل الآن.

قفزت الطفلة مرحاً واحتضنت امها، واحتضنهما "جهاد" سوياً.
بعد دقائق خرجت "نور" من العيادة، ليستوقفها قبل رحيلها.

- نور من فضلكِ... اليوم عطلتي...

أمالت نور برأسها مستفهمة وأردفت:
- اليوم يوم جمعة يا جهاد... عطلة للجميع تقريباً.

احتضن طفلته، ولوى شفتيه، فهزت "نور" رأسها بقلة حيلة، وأكملت:

- تكلم جهاد ماذا تريد.
- هل يمكنكِ أن ترافقي شمس الدين... لليوم فقط من فضلك.

أومأت برأسها، وأردفت:
- استمتع بعطلتك أيها الوزير.

رفع صوته عالياً ليسمعها بعد أن ابتعدت عنه:
- سأفعل يا أميرتنا.

.
.

لا أظن أن اليوم قد يصبح أكثر ارهاق من هذا، لكن لا بأس، مادام "جهاد" قد أمنه على ابنته فلابد أنه شخص جيد بما يكفي، لكن هل بمقدوري أن آمنه على مملكتي، وشعبي.

اقتربت منه لأجده قد اشتدت عن قبل، الدفئ بادٍ على محياه، ويبدو وكأن جراحه تتماثل بالشفاء.

- مرحباً يا أميرة... كيف حالكِ الآن.
- مادام موطني ينزف فأنا لست بخير... وفقط نادني نور... نحن لا نحبذ الالقاب في المملكة.

تراجع خطوة وتردد:
- لكنكِ الأميرة هنا... بينما أنا متطفل غريب على المملكة.
- طالما أكلت من طعامنا... ووقفت في صفوفنا... اجتمعت مع رجالنا... فأنت فرد منا... سنحميك كما نفعل مع شعبنا... وسنعمل على اعادتك لموطنك متى ما أردت... وأيضاً إن أردت البقاء، سنجد لك عملاً تكسب عيشك منه... وزوجة تؤنسك وتعينك على الحياة هنا.

صمت لبرهة يفكر، من حقه؛ فأي مكان قد يوفر له شيء كهذا، وهو الغريب البعيد عن موطنه.

- فقط افعل ما يريحك... واعلم دائماً أننا نرحب بك.

اومأ برأسه، وتكلم:
- يسعدني وجودي بينكم... وسأكون ممتناً لكِ دائماً لإنقاذي.

- اذاً هلا رافقتني اليوم.
- يسعدني ذلك.

رافقته في أرجاء المملكة، ويمكنني بالفعل رؤية الإنبهار والحيرة في عينيه، هل ربما يختلف موطني كثيراً عن موطنه.

- شمس الدين... حدثني عن موطنك.

لمعت عيناه، وحدثني بحنين وشوق ظاهرين.

- موطني مكان بديع طاهر... له سماء يمكنها أن تحتضنكِ، وأرض تحملكِ رغم همومكِ، ومن قلبها يخرج أطيب الخير، أما عن شعبه الطيب الصامد فلا كلام يكفيه، رجال صامدون كالجبال، نساء عفيفات صالحات، حتى أطفاله فهم أسود لا يخشون ظالم.

صمت لوهلة ثم أكمل:

- لكن رغم جماله... فهو محتل دامٍ... يقتل فيه الصغار والكبار، نساء ورجال... الطبيب يُقتل وهو يداوي المصابين... والمعلم يُقتل مع طلابه... الإخوة والعائلات والرفاق يقتلون سوياً...

تنهد وأردف:

- لكننا لن نترك لهم ديارنا... قد آويناهم حينما شردوا... واستقبلناهم حينما رفضهم العالم، لكنهم طمعوا بما ليس لهم... وقد طفح بنا الكيل ولن نغفر لهم... موطني سيتحرر، وحتماً سننتصر.

سننتصر، أرجو حقاً أن نتحرر، أن يكف علينا العدوان، أن يحيا الصغار طفولتهم، وأن يسعد الجميع، لن أكف عن دعواتي، وأرجو يوماً أرى أرى هذا اليوم.

- يوماً ما سنقول قد عدنا أحراراً.

ربيع القبّار "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن