لكنها دوائي.

46 15 47
                                    

صرخات النساء، بكاء الأطفال، ونيران تلتهم المكان، يهلع القادر للنجدة، والبقية ينتظرون من ينجدهم، طلقات تصيب الجميع، كباراً وصغار، نساء ورجال، وما من ناجٍ.

.
.
في صباح يوم جديد، البعض ينعي قتلاه، والآخر يحمد الله على نجاته، ولا أحد مدرك لما سيحل بهم.

استودع الجميع بعضهم وانطلقوا لإحضار قوت يومهم، حينما تُرى ضحكات الأطفال وهم يلعبون، وابتسامات الكبار لبعضهم، همسات النساء، ونداء شباب، وكأن الحياة لا يمسها سوء.

على حين غرة اندلع انفجار بالقرب من مسكن الملك، هم الجميع لإطفاء النيران المشتعلة، وهم الأطباء لإنجاد المصابين، ولكن لم يتوقف الأمر عند هذا الحد.

ارتفع صوت الانفجارات في المملكة، كُلٌ ينعي همه، الآباء يحمون صغارهم، والرجال يحمون أحبتهم، ولم يسلم أحد.

مباني تتساقط على أصحابها، صرخات تنطفئ على حين غرة، وأجساد تتساقط في كل صوب، الدماء ملئت الشوارع، وبكاء الأطفال يتوقف إثر قتلهم، مشهد تقشعر له الأبدان، وتنفطر له القلوب، قهر على قهر ، ظُلم وبأس يعتريهم، فأين المنجد، وأين المفر.

.
.

حينما هدأت الصراعات، اجتمعوا لإطفاء النيران، جمع الجثث وانقاذ المصابين، انطلق "جهاد" في صوب، و"شمس الدين" في صوب آخر، تستنجد النساء أن "أنقذوا أطفالي"، ويبكي الأطفال "أين أبي".

فأخبروني من لديه الجواب؟

.
.

- من فضلك أخي... أنجد أطفالي... لازالوا أحياء...

استنجدت ب"شمس الدين" إحداهن، الهلع على محياها كما الجميع، واختلطت دموعها بكلماتها المتلعثمة وأنفاسها اللاهثة.

- لبيكِ يا أختاه.

جاوبها وهب لحيث طلبته، وبيديه العاريتين أخذ يرفع الحجارة والركام عن الأطفال، يمكنه سماع نحيبهم، ورغم الدماء التي تسيل من كفيه إلا أنه لايزال يحاول.

مرت عدة ساعات وهم يرفعون الركام، صوت الأطفال خافت لكنهم اقتربوا، حتى رفع آخر حجر يفصلهم، ومعه تنشق القلوب حسرة.

رفع الأطفال من أحضان إحداهن، وقد شج رأسها وسالت منه الدماء، وقد لُوث رداءها الأبيض النقي بالدماء، فقدت حياتها لتفديهم بها، حتى وان تركت خلفاء من سيبكيها دماً.

اختنقت عيناه بالدموع، فهو يعرف من صاحبة هذا الرداء الطاهر، ويعرف تمام المعرفة من سيبكي لرحيلها.

حملها خارج الركام وقد طلب من أحدهم أن ينادي "جهاد"، كان الحريق قد خمد، لكن من يخمد النار القابعة في تلك القلوب.

أقبل في حيرة ليقف على ذاك الجسد الممدد، قد عرفها من أول وهلة، فتلك حبيبته وشريكة عمره، يعرف كل تفاصيلها، ملامحها شعرها، ولن يخطئها قلبه.

ربيع القبّار "مكتملة"حيث تعيش القصص. اكتشف الآن