أسميتها سلمى

299 6 7
                                    

يوم شتائي بارد ، كان يوم الأول من كانون الثاني ، رأيتها في سوق قديم كانت وجنتاها مبللتان بماء المطر ، وكان معطفها يغطي فاها ، شاهدت فتيات كثيرة ولكن بجمالها لم أجد ، جاءت عيني في عينيها ، ارتعش جسمي وزادت نبضات قلبي ، عيناها العسليتان أغرقتان عقلي في التفكير بها ، زاد سهري وقلت ساعات نومي .

مرت الأشهر والأيام وكلما مررت بأزقة ذلك السوق القديم اتذكرها وكأنها تمشي بجانبي ، وبعد ذلك أشغلني موضوع عائلي فقل ذهابي إلى السوق وقل تفكيري بها ، وكأنها مرتبطة فقط بذلك المكان ، إذا خرجت منه خرجت من قلبي وعقلي ، وبعدها كرست وقتي للقراءة فنسيتها بين سطور الروايات والكتب في مكتبة جدي القديمة وفي أزقة بلدتي الصغيرة ، وبعد نجاحي في شهادة البكالوريا بدرجة ممتازة ، دخلت في كلية الطب ، كنت سعيد جداً بدخولي الكلية لأنه كان طموحي أن أصبح طبيب ناجح ، كان اليوم الأول يوم تعارف بين الطلاب ، دخلت إلى قاعة فيها ما يقارب مائة طالب ، جلست بجانب فتاة ونظرت اليها وإذا بذاكرتي تعود إلى زمان بعيد ، انتابني شعور جميل لا يوصف .. إنها هي نفس الفتاة التي شاهدتها ذات يوم في السوق .. نفس الجمال ، عيونها عسلية براقة مكحلة .. لم أصدق ما رأت عيناي ، فقلت هذه فرصتي أن أتعرف عليها بما أننا سنصبح زملاء ، نظرت إليها ومددت يدي لأصافحها وقلت :
أنا خالد من يافا
مددت يدها وصافحتني قائلةً :
- أنا سلمى من الناصرة ، كأنني شاهدتك قبل هذه المرة

ذهلت من قولها وكأن كلانا أعجب بالآخر من تلك النظرة السريعة قبل ما يقارب سنة ونصف السنة ، قلت لها :
نعم في سوق يافا القديم قبل عامين تقريباً
فبدا على وجهها ملامح الإستغراب ، تعجبت من دقة جوابي وسكنت للحظة ثم قالت :
-تشرفت بمعرفتك
وذهبت إلى بعيد ، وأنا أيضاً رحت أتعرف على أشخاص آخرين ، ومرت الأيام ....
كان كل يوم يمر تزداد به جمالاً في نظري ويزداد إعجابي بها أكثر وأكثر ، كنت أتمنى أن نجلس سويا ، ولكن خشيت أن أطلب منها فترفض ، بقي إعجابي بها مخبئا في قلبي .
مرت سنة كاملة على نفس الحال ، أحاول أن أتقرب منها ولكن لا جدوى ، أخجل من عينيها وارتبك ولا أستطيع قول شئ لها ، جاء موعد نتائج الإمتحانات النهائية لسنتي الأولى في الكلية ، جلست مع أصدقائي واذا بها تأتي من خلفي وتقول :
-خالد هل أستطيع التحدث إليك للحظة
قلت لها :
- نعم بالتأكيد

ذهبت اليها ومددت يدها وصافحتني وباركت لي بالنجاح ، لم أصدق تلك اللحظة ، لماذا اختارتني أنا !! نظرت الي بنظرة أخرجت من قلبي كل تلك الرهبة ، قلت لها :
- هل لي أن أقابلك في خارج الجامعة في مقهى ما لنحتفل بالنجاح
قالت لي :
- أتمنى ذلك
كانت كل إجاباتها ونظراتها توحي بأنها معجبة بي ، ولكن لعلي أتوهم بذلك لإعجابي بها ، اتفقنا على موعد كان في اليوم التالي الساعة الرابعة عصراً .
انتظرت الموعد بفارغ الصبر لم أنم في تلك الليلة ، كنت أفكر في المواضيع التي أريد أن اخوضها معها .
جاء الموعد ......
ذهبت إلى المقهى وإذا بها تنتظرني ، كانت ترتدي جاكيتاً بلوني المفضل (العسلي) ، صافحتها وجلست ، بدأنا بالتعرف على بعض أكثر ، قلت لها في منتصف حديثنا :
هل لي أن أقول لكي بيتان شعر من كتابتي
قالت لي :
- بالطبع
فنظرت الي عيناها وقلت :
عيناكِ العسليتان تشفيني ..... من كل شر يجافيني
ابتسامتك تجعلني سعيد ..... في كل مناسبة وفي كل عيد

سكنت للحظة .... وقالت :
-يا لروعتها وجمالها ، ولكن سؤالي هو من استوحيت في ذاكرتك عندما كتبتها
قلت لها :
استوحيت جمال عينيك ، وابتسامة شفتيك ، واحمرار وجنتيك .
كيف تجرأت على قول ذلك لا أدري
عَبَّرتْ عن كل ما قلته لها بابتسامة فقط .
بعد ساعتين من لقائنا قالت لي أنها سوف تعود إلى بيتها وسوف نلتقي في الجامعة بعد انتهاء الإجازة .

لم أفصح لها بإعجابي وحبي لها ، فضلت أن أجعل لقائي الأول هدفه زيادة معرفتها وكشف عن أعماقها .
جاء اليوم الأول في الدوام ، وكنت سعيد بعودتي للجامعة لكي أراها ، ولكنها لم تأتي .
فزالت سعادتي وبقيت على أمل بأنها سوف تأتي في اليوم التالي
جاء اليوم التالي وجاء معه خبر تمنيت الموت بعدما سمعته ، كان ذلك الخبر هو موت سلمى بمرض عضال ، كيف ولماذا لا أدري ، ولكن ما أعرفه اني بدأت أفكر .... نعم أفكر حيث أنني لم أفكر منذ زمن بعيد ، كان كل تفكيري بقدرة الله عز وجل ، كيف توفيت سلمى بسرعة البرق .

توجهت في يوم وصول ذلك الخبر المشؤوم إلى بيتها لأقدم واجب العزاء ، كان لها أسبوع متوفية ، رننت ذلك الجرس واذا بأمها تفتح الباب ، قلت لها :
اليوم علمت بخبر وفاة سلمى ، انا خالد زميل سلمى رحمها الله ( سالت الدموع من عيوني )
قالت لي بصوتها الباهت :
- تفضل يا بني
دخلت إلى البيت ، نظرت إلى ذلك الحائط الحزين واذا بصورة سلمى معلقة ، جلست لدقائق وإذا بأمها تأتي بكتاب صغير وتضعه بين يدي وقالت :
- آخر ما قالته لي سلمى هو أن اعطيك هذا الكتاب وكأنها كانت تعلم بأنك سوف تأتي .
أخذت ذلك الكتاب الذي لطالما أحسست بأني أمسك بيدي سلمى ، ركضت إلى بيتي وفتحت الصفحة الأولى وإذا مكتوب بها بخط عريض جميل "عشق مجهول" ، حينها بدأت أفكاري تتخبط في رأسي ، فتحت الصفحة الثانية وكانت مفاجئة خررت باكيا منها ، حيث كان مكتوب بها "اليوم الأول من كانون الثاني حيث التقيت بشاب وسيم في سوق يافا القديم ، لم أجد بجماله ، عيناه السوداوان اخذاني الى عالم الحب الذي لم أجربه يوماً من الأيام ، ولكن مع رؤيتي له تمنيت ذلك ، تمنيت أن يحدث شئ يجعله يمسك بيدي ويأخذني إلى ...... "
بعد قراءتي للكتاب وما تبين لي من حبها ، تمنيت أن الحق بها ، كرهت نفسي .. لماذا لم أخبرها بحبي ، سأظل ندمان طوال حياتي .
مرت الأيام وكنت كل يوم اقرأ كتابها ، الذي يزودني بالطاقات الإيجابية رغبة في التخرج من كلية الطب واهداء تخرجي إلى روحها.
تخرجت من كلية الطب ، عملت ثلاثة سنوات في مشفى ، وبنيت العش الزوجي الذي تمنيت ان أكون به مع سلمى ولكن لا لدي سوى أن أدعو لها بالرحمة

تزوجت فتاة جميلة كانت عيونها تشبه عيون سلمى ، عاهدت نفسي بأن اعطيها كل الحب والدفء ولن اخبئ مشاعري أبدا ، بعد مرور سنة من زواجنا تكللت حياتنا بطفلة صغيرة منحت لبيتنا الحياة من جديد اسميتها سلمى

You've reached the end of published parts.

⏰ Last updated: Jun 27, 2015 ⏰

Add this story to your Library to get notified about new parts!

أسميتها سلمىWhere stories live. Discover now