سقطت الاداة الحادة من بين يديه التي بدأت ترتعش بقوة، لترتطم بالارض مصدرة صوتًا حديديًا مزعجًا، قلبه ينبض بجنون لدرجة بات يشعر فيها أنه على وشك مغادرة رئتيه، تنفسه مضطرب وحدقتيه مثبتة على يده التي تنزف بغزارة
يشعر باطرافه باردة، غير قادر على التحرك، متصلب تمامًا في مكانه يسيطر على عقله سؤال لا جواب له، كيف آلت به نفسه لتطبيق إحدى أفكاره التي تراوده بين الحين والآخر؟
ارتفع نظره نحو المرآة امامه، نحو نفسه، أهذا أنا؟ حبس انفاسه دون ادراك، ينظر لنفسه، تحديدًا للشخص الذي بداخله
شحب وجهه لحظة استيعابه للموقف، اختلف الجو من حوله، يشعر وكأنه بدأ ينفصل عن الواقع في دوامة من القلق الفظيع والخوف الذي دب في اعماق قلبه
بدأت معدته تؤلمه تزامنًا مع جفاف ريقه، شادًا عليها متأهبًا وكأن شيئًا مرهبًا سيحدث
الهواء من حوله لم يعد يكفيه، هو يختنق وكأنه عُزل حقًا عن واقعه، تباغته افكار عديدة تصيب رأسه بصداع حاد، وغثيانٍ يرافقه
ما زال يحدق بوجهه، يده تؤلمه حد النخاع، دمه سار على طول ذراعه المرتعشة وبدأ يقطر على الأرض، تراجع للخلف قليلًا، لا يستطيع اشاحة بصره، عيناه مفتوحة على مصرعيها
انفاسه سريعة جدًا غير قادر على ان يأخذ نفسًا يملأ رئتيه، غير مدرك تمامًا لما يخنقه، وكأن العالم بدأ يدور من حوله، والهواء أصبح ثقيلًا مثبتًا إياه في مكانه، بدأ يرى وجهه يتغير في المرآة من شدة تحديقه المطول
بات مدركًا تمامًا لماهية المختل العقلي الذي هو عليه، دب الرعب في قلبه أكثر، واعٍ لما قد تقوده إليه أفكاره التي دائمًا ما سيطر عليها بلا ادنى اهتمام لتأثيرها
يزداد قلقه وخوفه أكثر فأكثر، يريد الهرب من كل ما يجول بباله، يريد الهرب من الحقيقة التي ادركها توًا
كيف اقتادته نفسه للانتحار؟ رفع يده اليمنى ممسكًا بجرح يده اليسرى، ضاغطًا عليه بقليلٍ من القوة
لهث بشدة عدة مرات محاولًا اخذ نفس عميق، محاولًا ان يتجرع ما استطاع من الاكسجين من حوله
باءت محاولاته بالفشل، حاصر نفسه بين افكاره ومشاعره، قام باحتضان نفسه بيديه محاولًا تهدئتها
ببطء، تنفس بعمق مرة أخرى، واستطاع فعلها في هذه المحاولة، وكأن ما كان يخنقه توقف فجأة ليصل الاكسجين الى رئتيه
عاد الجو من حوله لما كان عليه، جلس ارضًا يلتقط انفاسه، سعل بقوة مرارًا، نظر للدم الذي لطخ ثيابه وحاول لف جرحه بأقرب قميص إليه، شد عليه بقوة، لينحني على نفسه أكثر ويصدر تآوهًا قويًا
اتكأ على الحائط ليعاود النهوض مرة أخرى، يشعر برغبة عارمة بتقيؤ امعائه من شدة الغثيان
اعطى نظرة أخيرة للمرآة قبل خروجه، ادرك تمامًا انه فقد أمانه مع نفسه منذ هذه اللحظة
--------
26 Feb ..
