قصة علياء

0 0 0
                                    

قبل البدء لا تنسوا أهل غزة

صلوا على نبي الرحمة

                 ******************
كان ضوء خافتٌ يتسلل من النافذة المحطمة، ليزيل بعضًا من ظلام الغرفة، ويُسلط الضوء على فتاة تنهمر دموعها على ورقتها بينما تكتب لنا قصتها المؤلمة.

مرحبًا، أنا علياء، ابنة العشرين عامًا التي جعلوها تصل للخمسين بسبب قسوتهم وجحود قلوبهم التي لا ترحم.

أذكر كل شيء وكأنه كان بالأمس، كيف لا وأنا أترجى أبي أن لا يُزوجني له، كيف لا وأنا أرى دموع أمي تنهمر وهي لا حيلة لها.

منذ طفولتي لم أشعر بحنان الأب وطيبته. كان دائمًا يعنفني ويعنف أمي دون أن نرتكب أي ذنب. كل ذلك كان بسبب سمه المفضل. كان أبي يتعاطى أنواع المحرمات المختلفة وكان يضيع كل أموال أمي عليها. نعم، أموال أمي التي كانت تجنيها من عملها البسيط كمنظفة للمنازل أو طاهية للطعام. كنت أراها تكد كل يوم لتجلب لي الطعام وأدوات الدراسة خاصتي، وكنت أحاول جاهدة إسعادها بتفوقي الدراسي وطاعتي لها. ولكن أبي كان يأتي آخر النهار ليدمر كل ذلك بكل بساطة. كان يذيقها كل أنواع العذاب وقرر في النهاية تحطيم حلم أمي بأن أكمل تعليمي وألتحق بالجامعة لأخذها من هذا المكان الموحش وذاك الذكر عديم الرجولة.

منذ عامين كنت طالبة في الثانوية وقد حرصت على الاجتهاد والابتعاد عن العلاقات المحرمة. كان كل شيء على ما يرام حتى ذلك اليوم، حينما نفذت أموال أبي الذي يشتري بها سمه المفضل. كان يصرخ في أمي أنه يريد المال وهي لم تكن تملك حتى ما يطعمنا الخبز هذا الأسبوع. فغضب وترك المنزل بضعة أيام. وعندما عاد دخل وبيده صديقه الستيني الذي يشبه الموتى من تلقيه جرعات السم. دخل ونادى علي لأحضر لهم عصير ليشربوه. وعندما دخلت لم تكن نظرات ذلك الرجل لي طبيعية أبدًا. شعرت بالتقزز منه ومن نظراته المقرفة. فوضعت الأكواب وهرولت إلى أمي لأحدثها فيما رأيت. ولكنها طمئنتني ذلك اليوم أنني أتوهّم فحسب أو ربما لم أركز جيدًا. فكيف سينظر رجل هذه النظرات لفتاة في عمر بناته أو ربما أحفاده؟

بعد يومين جاء ذلك الرجل إلى منزلنا وكان معه شيخ ذو لحية بيضاء وبيده دفتر. قابل والدي وسلم عليه ثم ناداني والدي لإحضار العصير. فدخلت ولاحظت نفس النظرات المقززة من ذلك الرجل. وانا اخرج سمعت الشيخ يسأل والدي هل انت والد العروس؟ فأجابه ابي بالموافقة. فشعرت أنني في عالم آخر. أنا ليس لدي اخوات! كيف هذا؟ أيعقل أنه زواجي أنا؟ ومن من؟ حتى فلا يوجد هنا سوى ذلك الرجل المقزز ووالدي والشيخ. فتماسكت وركضت إلى أمي لاسألها. فوجدتها تبكي بحرقة في غرفتها. ركضت إليها وسألتها لماذا تبكي؟ فضمتني إليها وبدأت تتمتم بكلمات لم أفهم معظمها بسبب شهقاتها المرتفعة. ولكنني سمعت بعضها وكانت تعتذر لي بشدة أنها ليس بيدها شيء.

خرجت صارخة "أبي أنني لا أريد الزواج". وكنت أعلم أن محاولاتي للفرار من هذا المصير ستبوء بالفشل. ولكني حاولت استعطاف والدي بدموعي وشهقات أمي التي كانت تصل إلى أذان الجميع. ولكن كما المتوقع خاب ظني عندما وجدت ضرب منه على وجهي حتى بدأت أنفي بالنزيف. فحاولت أن احتمى بالشيخ. ولكن صدمتي لم تقل شيئًا من تصرف والدي حينما كاد الشيخ أن يصرخ فيهم ويأخذني من بين يدي أبي. وجدت ذلك الرجل المقزز يخرج حزمة من النقود ويضعها بين يدي الشيخ. فصمت الشيخ ومال عليه وقال له هذا خارج حسابنا عن الزواج. وأومأ الرجل بالموافقة فسأل الشيخ أبي عن الشهود.

فاستغللت انشغال أبي لأهرول إلى غرفتي وأغلق الباب عليّ. وتنهمر دموعي.
بعد قليل سمعت طرق أبي على الباب. رفضت أن أفتحه فهددني بأنه سيكسر الباب عليّ. ظللت مصرة على الرفض فذهب إلى أمي وهددها بقتلنا كلينا إن لم تخرجني. أطاعته أمي وجاءت إلى غرفتي تترجاني لكي أخرج. لم أستطع تحمل دموع أمي وهي تنهمر وصوتها المبحوح من كثرة البكاء. فخرجت معها للعريس المنتظر الذي ألقى الأموال بوجه أبي ومعها بعضًا من السم وقال له ضاحكًا: "خذ هذا هو ثمن ابنتك كما اتفقنا بل إنني زدت عليها جرعتك المفضلة".
لم تمر ثوانٍ حتى رحل أبي عن عالمنا الخاص وبدأ يأخذ جرعته ليذهب إلى عالمه الحالك بعد أن ألقى ابنته لرجل مقزز.
جذبني الرجل من معصمي وسرت معه بلا أي حراك أو صوت من أحد سوى بعض الصرخات من أمي.
وصلنا إلى منزله بعد عشر دقائق من المشي. طلبت منه أن يتركني بعض الوقت وأوهمّني بالموافقة. ولكن في الثالثة فجرًا من ذاك اليوم وجدته يدخل إلى غرفتي وبدأ بأفعال قذرة حتى حصل على ما يريد وتركني ملقاة على السرير لا أستطيع الحراك وها أنا ذا مر عامان منذ ذلك.
لم يتغير شيء ولم أستطع تقبل ذلك الحقير ولو للحظات معدودة. كل ما كان يهون عليّ كانت أمي التي تعدني أن الله سيعوضني بالخير. ولكن رحلت منذ يومين. وجدته يدخل مع أبي ويخبراني بكل برود بخبر وفاة أمي ودفنها بالأمس. لم أستطع التحمل وانفجرت في وجههما: "لماذا لم تخبراني؟ كنت أود رؤيتها ولو مرة أخيرة قبل دفنها". ولكنهم اجتمعوا لتأديبي. فكيف أرفع صوتي على أبي وزوجي كما يدعون حتى كسروا قدمي وتركوني على الأرض يسيل دمي ولم يهتموا. وبالكاد استطعت الوصول إلى السرير لألقي بجسدي عليه.
اليوم قررت إنهاء كل شيء وليكن الله شاهداً على كل شيء. ولكن قبل ذلك أود أن أسألكم سؤالًا: ألم نكن نحن القوارير التي أوصاكم بها رسول الله؟
تركت قلمها وورقتها المجهدة من كثرة الدموع التي سقطت عليها. بدأ المطر في الهطول وتطايرت قطرات مياه من نافذة الغرفة المحطمة لتندمج مع دموعها وليشهد على مأساتها المؤلمة. تغير ضوء القمر ليظهر بجانبها أداة حادة أمسكتها ولا تزال دموعها على وجنتها. اقتربت من معصمها ولم يبقى إلا لحظات صغيرة لتسقط الأداة من يدها قبل أن تلامس جسدها ويسقط جسدها على فراش الموت.

مصطفى سيد(الملاك الأسود)
#قصة علياء
منتظر رأيكم

لقد وصلت إلى نهاية الفصول المنشورة.

⏰ آخر تحديث: Mar 01 ⏰

أضِف هذه القصة لمكتبتك كي يصلك إشعار عن فصولها الجديدة!

زفافٌ مطرزٌ بالدمحيث تعيش القصص. اكتشف الآن