١١

10 3 0
                                    

ظَلَّ (زياد) يعْمَل على حاسوبِهِ الشخصِيِّ لعدَّةِ ساعاتٍ في انتظارِ قدومِ (حمزة) حتى وَصَلَ أخيرًا في الحادية عشرة ظهرًا فبادَرَهُ (زياد) مُتَسائِلًا:
- انت مش قلت هتيجي مع شروق الشمس، هي الشمس عندكم بتشرق الساعة كام؟
أجابه (حمزة) في هدوء: شمسُنا هي شمسكم وأرضُنا هي أرضكم، ولكن كان لابد لي من تجهيز المكان من الجهة المقابلة كما أنه حدث أمرٌ طارئٌ اضطَّرني إلى العودة إلى القصر؛ وتابع:
- لقد أحضَرْتُ الكُرَّاسات وحانَ الوقتُ لنبدأ في طقوس الانتقال.
ردَّد (زياد) العبارة محاولًا تقبُّلها: طقوس الانتقال.
- نعم طقوس الانتقال، هل انتهيت من جميع الكتابات؟
- أيوه، رسمت كل اللي قلت لي عليه.
أخرج (حمزة) أحد الكُرَّاسات القديمة وفتحها على أحد الصفحات المرسوم فيها سبعة رموز، ثم فتح كُراسًا آخَر على صفحةٍ أخرَى مرسُومٌ فيها مربع كبير مقسَّم بخطوط طولية وعرضية إلى سبعةِ صفوفٍ وسبعةِ أعمدةٍ بحيثُ صَارَ مَجمُوعها تسعة وأربعون مربعًا صغيرًا ومرسُومٌ بشكلٍ مائلٍ داخل مربعٍ أكبر بحيثُ تلامسُ زَوَاياهُ الأربَع منتصف أضلاعِ المربعِ الخارجي والذي أضلاعُهُ عبارةٌ عن أربعِ أسماءٍ مكتوبة بشكلٍ مَمْطُوطٍ بحيث يُمثِّل كل اسم ضلعًا فيه، وعلى منتصَفِ كُلِّ ضلع مرسومٌ مثلثًا مقلوبًا من أسماء الله الحسنى بحيث تتلامس رأسُه مَع إحدَى زَوَايا المربَّعِ الداخِلِيِّ، والمكتوب في كل خانة منه رقم من 1 إلى 7 موزعين بشكلٍ مدروسٍ، نَقَلَ (حمزة) الرَّسمَ فارغًا وأخَذَ يَملَؤهُ بالرُّموزِ المكتوبة في الكُرَّاس الأول بحيث يكتب مكان كل رقم رمزًا من الرموز.
تساءل (زياد):
- انت مش قُلت انكم حرقتم كل الورق اللي فيه طريقة فتح البوابة؟
- هذا صحيح، ولكنَنَّا رأينا بعد ذلك أن نفرِّقها على الكُرَّاسات بشكلٍ خفِيِّ بحيث لا يستطيع أحد أن يستخرجها.
أخرج كُرَّاسًا آخر وطلب من (زياد) أن يردِّد الجملة المكتوبة معه في نفس الوقت، ففعل (زياد) ما طلبه، وأخذا يُرَدِّدَان العبارة المكتوبة و(حمزة) يقوم بحَرقِ الورقة في وعاء حتى استحالت رمادًا، فتوقف (حمزة) عن الترديد وتوقف معه (زياد).
ذهب (حمزة) إلى المطبخ وأحضَرَ سِكّينًا وقال: لابد لي من الظهور بهيئتي الحقيقية، هل ستفْزَع؟
ازدرد لعابه وهزَّ رأسه نافيًا دون أن يتفَوَّه بكلمَةٍ وأخَذَ (حمزة) يتشكَّل بشكلِهِ الحقيقي، وتذكَّر (زياد) مذكرات جده الأكبر فلقد حدث ما كتبه تفصيلًا، أصبح كما لو كان كيانًا ضبابيًا ملامحه غير واضحة ثُمَّ بدأ لونُه يتغَيَّر إلى اللونِ الأحمر ويَظهَر له قرنان فَوقَ رأسِهِ يَبْرُزَان من وسط شعرِهِ الأشقر كما أن طوله أخذ في الازدياد حتى تعدى المترين طولًا، كان يرتدي رداءً واسعًا طويلًا وما إن استقَرَّ على هيئته الأصلية حتى أصبح الرداء مناسبًا له تمامًا، فقال (زياد) وهو يحاول أن يخفي توتره:
- أهو انت كده بقيت حضرة العفريت زي ما (مروان) كان بيقول.
ابتسم (حمزة) ولم يَرُد وقامَ بجرحِ كفه اليسرى فوقَ وِعاءِ الرَّماد فانتفض (زياد) انتفاضة خفيفة وأخَذَ يراقِب (حمزة) وهو يُقطِر قطرات من دَمِهِ فوق الوعاء حتى توقفت القطرات فأعطى لـ(زياد) السِّكين وقال:
- دَوْرُك.
تناوَلَ (زياد) السكين وهو يتمتم:
- دوري؟! ده على أساس إنك بتناولني دراع البلاي ستيشن.
جَرَح كفَّهُ اليسرى كما فعل (حمزة) وشعر بألم شديد في كفِّهِ وتساءل كيف لم يبدو على (حمزة) الألم حينما فعل ذلك، ووضع يده فوق الوعاء وأخَذَ ينظر إلى قطرات الدم المتساقطة حتى استوقفه رفيقه، وأعطى له قطعة قطن وشاش كان قد أحضرهما معه فقال (زياد):
- وبالنسبة ليك، مبتستعملوش الحاجات دي؟
تجاهل (حمزة) التعليق مرة أخرى وأخذ يُقَلِّب الدِّماءَ مع رَمَادِ الورقة ثم سَكَبَها على يده اليمنى وطلب من (زياد) أن يمد له كفَّهُ اليمنى وأطبق عليها بكَفِّه المملوءة بالدماء وأخذ الخليط يتساقط من كفَيْهِما وقال: ردد معي ما أقول، بسم الله الملك، قاهرِ الجبابرة، ومالكِ الدنيا والآخرة، أقسم عليك يا فَردَقْدُوس يا خادم هذا الطلسم أن تنير طريقنا بهذه الدماء، وتفي بعهد الرُّفقاء، أقسِمُ عليكم يا كشكليموس ويا قيدرائيل ويا طاحول يا خُدَّام الأحرف المكتوبة والطلاسم المعهودة، انقلوا هذا المكان، إلى مثيلِهِ في عالم الجان، الوحَا الوحَا، العَجَل العَجَل، السَّاعة السَّاعة.
أخَذَ (زياد) يردد مع (حمزة) ما يقول، إلى أن بدأت الدماء في كفِّه تضيءُ بلونٍ أحمرٍ نارِيٍّ أخذ يزداد قوَّة أكثر فأكثر، وخُيِّل إليهِ أنه يسمَع صوتَ أشخاصٍ بالخارج، ولكنِ اتَّضَح أن هناكَ أصواتًا تصدُر في الغرفة من اللا مكان وأخَذَت تعلُوا وتعلُوا.
أخذت الطلاسم المرسومة على الحوائط تنير بألوانها المختلفة ما بين الأحمر الناري والأزرق الباهت والأخضر الناضر.
توقف (حمزة) عن الكلام وكذلك (زياد) الذي خُيِّل إليه أن هناك شخصين يدخلان من باب الغرفة، ولكن الأضواء أخذت تنتقل من طلسم إلى آخر وأخذت تدور في اتجاه عقارب الساعة، وأخذت سرعتها تزداد وتزداد.
خُيِّل إليه أن الشخصين يقتربان أكثر، لابد أنهما من أفراد الجن الذين نادى عليهم (حمزة) في تعويذته.
الضوضاء تزداد وتزداد.
والشخصان يقتربان منه ويمُدَّان أيديهما إليه ويقولان شيئًا ما لا يستطيع سماعه، كان تبيُّن ملامحهما أمرًا مستحيلًا وسَطَ هذِهِ الأضواء الساطعة، إلا أن رأسيهما لا يعْلُوهُمَا قرنان، يبدو أنهما نوعٌ مختلفٌ من الجن.
ومع دوران الأضواء السَّاطعة شَعَر أنَّ الغرفة بدأت تدور وهو يقِفُ وسَطَها، ما أجبَرَهُ على إغلاق عينيه.
أخذت الأضواء تُبْطِئُ في الدَّوران والضوضاء تخفت بالتدريج.
توقفت الأضواء عن الدوران، وأخذت إضاءات الطلاسم تتلاشى ببطء حتى اختفت تمامًا مع اختفاء الضوضاء في نفس الوقت تقريبًا.
كان (زياد) لايزال مغمضًا عينيه ممسكًا بيد (حمزة)، أراد أن يطمئن إلى استقرار الأمور أولًا قبل أن يفتح عينيه ليرى عالم الجن للمرة الأولى، إلا أنَّ صرخَةً أُنثوية مُدَوِّيةٌ انطلقت في المكان أجبرته على فتحِ عينيه ليتفَقَّد ما يحدث، وما إن تبيَّن صاحبةَ الصَّرخة حتى انتفض بقوَّةٍ وقال في فَزَعٍ:
- انتو إيه اللي جابكوا هنا؟

ميثاقحيث تعيش القصص. اكتشف الآن