5- من بين الشتات.

313 19 110
                                    

تعليقاتكم تسعدني وتشجعني فلا تبخلوا بها.

قراءة ممتعة.

----------------------

مضت الأيام ببطءٍ ثقيلٍ على روحه المرهقة، تتشابه في خيباتها وجروحها التي لم تفتأ تصيبه من كل جانب، أيقن بعد أملٍ ضئيل جاهد للحفاظ عليه أنه لم يعد لديه مستقبل. أصبح يعيش لحظته الحالية دون اهتمامٍ لما سيحدث تاليًا، ارتأى أن ذلك أسلم لعقله من القلق المستبد على مستقبل محطمٍ مهشم لا مجال لإعماره.

سار في الطرقات بهدوء وبرود بدأ يخشى أن يُجمِّدَ قلبه ويتركه بلا مشاعر، تنقَّل من شارعٍ إلى آخر بين البيوت وأشجارها يبحث بعينيه المنطفئتين عن مكان يبيت فيه ليلته. لمح سور المدرسة المرتفع فوقف قليلًا يُمحِّص الفكرة التي انبثقت في عقله ثُمَّ تحرك نحوه وهو يتلفت يمنة ويسرة.

استقرَّ أمام البوابة الحديدية المرتفعة بعد أن تأكد من خلو الطريق من الناس، تشبثَّ بأعمدتها الحديدية المتفرقة بيديه ورفع نفسه مستعينًا بقفزة صغيرة ثُمَّ بدأ بالتسلق حتى وصل لقمة البوابة وقفز إلى الجهة الأخرى.

وقع على قدميه فسرت لسعة حارقة سريعة في ساقيه اختفت مع اعتداله السريع وتواريه خلف الجدران خشية أن يراه أحد المارَة. جال بناظريه في أرجاء المدرسة المغطاة بالظلام عدا ضوءٍ يسيرٍ يصل من إنارة الشارع البعيدة، مشى في الأنحاء قليلًا قبل أن يتخذ من إحدى الزوايا مقرًا فيَجلس مُريحًا ظهره الذي وهن مما لاقه هذا اليوم على الجدران العارية.

مدَّ رجلًا وضمَّ الأخرى إلى صدره ثُمَّ أخذ نفسًا عميقًا وسكن في مكانه مستمتعًا بالنسمات الباردة اللطيفة. الليلة أدفأ من الليلتين المنصرمتين التي عَصُفَتْ فيهما الريح واشتدت جاعلة إياه يرتجف من شدة البرد ولا يقوى على النوم.

أغلق عينيه وأسند رأسه إلى الجدار الذي على يمينه بغية أن يتمتَّع بالسكينة التي لا يحظى بها إلَّا نادرًا، أرعى سمعه لحفيف الأشجار الخفيف وتسابق السيارات البعيدة على الطريق الرئيسي آملًا أن يندمج معها فينسى قليلًا أفكاره التي تقض مضجعه وتزيده همًا فوق همِّه.

بدأت تنتظم أنفاسه في هدوء لم يسبق أن حظي به في ليالي النبذ، ارتخى جسده باطمئنان أن لا أحد سيجده هنا وغادر وعيه إلى عالم الأحلام.

لحظات واندفع الأدرينالين بقوة عبر خلايا جسمه موقظًا إياه حين التقطت أذناه حديث مجموعة شُبَّانٍ يقتربون من سور المدرسة، اعتدل متأهبًا وكل خلية في جسده مشدودة باستعداد لما سيحدث، أسيعبرون بسلامٍ أم أنَّ خطرًا حقيقيًا يقترب منه؟

بقيَ على وضعه وقلبه يُشارِكه خوفَه بعلو نبضاته، يُصغي بتوجس لأصواتهم التي أصبحت أقرب فأقرب، يدعو في سره أن يكونوا مجرد أشخاص عابرين لا ينوون على شيء. استقروا قريبًا من المدرسة يتحدثون فيما بينهم وأصواتهم تبلغ العنان.

بريق ليل حالك.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن