ظلام دامس، برودة تضرب أعماق العظام، صمت موحش تكسره تأوهات ذاك الشاب الملقى على الأرض، الدم يسيل من جانب فمه، وعيناه معصوبتان عن الرؤية، ويداه مكبلتان إلى الخلف مع قدميه.
- هل أنت بخير؟
صوت أنثوي يكسر الصمت، صوت محشرج بصرخات مكتومة، وكأنها تقاتل الدموع فلا تفر، ليجيبها بعد أن تحامل على نفسه، علّه يجد معها مخرج من هذا المكان.
- بخير... ربما... لا أدري أي ضلوعي قد كسر.
- سننجو أليس كذلك؟
خرجت الكلمات من فمها وهي تبحث عن أمل، أمل لنجاتها من عذاب يرهق روحها وجسدها، ليهز رأسه موافقاً وهو يرتب أنفاسه.
- سننجو... لا تقلقي.
ارتطم الباب بالجدار ليصدح صوت يتردد في جوف المكان، خطوات تقترب منه، ويمسك بشعره يد غليظة تجره جرًا.
- ألن تتكلم أيها الأرعن!!
ابتسامة ارتسمت على جانب فمه، وحادثه بسخرية:
- عندما يواريني التراب... سأتكلم حينها.
لكمة أتته سقطت عن إثرها أحد أسنانه، تلاها ركلات في كافة أنحاء جسده، تارة تصيبه في معدته، صدره، وتارات أخرى في وجهه، لم يسلم جسده، ولم يستسلم عقله.
وفي المقابل رجاء من ذاك الصوت الرقيق أن يتركه وشأنه، حتى ارتفعت أصوات ضربات تصيبها، وآهات تحاول أن تبتلعها عبثًا.- افعل بي ما تشاء... لكن لا تؤذِها.
خرجت الكلمات مهتزة من ثغره، مختلطة بالدم والدموع، توقف بعدها صوت تلك الفتاة، وازدادت الضربات على رأسه، وعلى جسده الضعيف، حتى أغشي عليه وحل عنه ذلك المتوحش.
ساعات من الصمت، لا يزال بجسده الضعيف ممدًا على الأرضية الباردة، مع نزيف لا يتوقف، يفتح عيناه ببطء وقد اُزيحت تلك العصابة عنها، يتأمل المكان من حوله، ويحاول أن يعتدل علّه يتمكن من فك وثاقه.
جدران تتآكل من الرطوبة، باب معدني ثقيل، فتحات ضيقة في الأرضية يصدر منها صوت نحيب خافت، لامس قلبه بعض الشفقة والألم لتلك المسكينة، أي ذنب قد اقترفته لتسجن في مثل هذا المكان.
- هل أنتِ بخير؟
توقف النحيب لوهلة، وأتاه الرد بصوت بُحّ من البكاء:
- بخير أظن... ماذا عنك؟... أيمكنك الصمود.
ألقى برأسه إلى الجدار بارتياح، وقد اعتدلت دقاته قلبه لسبب يجهله.
- يمكنني الصمود... لا يمكنهم قتلي بتلك السهولة.
استمع لضحكة خافتة منها جعلت قلبه يضطرب من جديد، وأتاه رد ممتلئ بالأمل.
- بالطبع لا يمكن قتلك.
صمتت لوهلة، ثم أكملت:
- هل تشعر بالجوع؟... لدي طعام يفيض على حاجتي.
نظر لتلك الفتحة الضيقة وقد امتدت يد صغيرة مكبلة، مغطاة بالجروح، تمسك بقطعة من الطعام، فتحامل على آلامه وتقدم نحوها، وأخذها منها بعد أن فكّ وثاق يديه، بنهم تناولها، وكأنه لم يتناول الطعام من أيام، غير مبالٍ بالماء الي يغطيه، أو إن كان صالح للأكل حتى، هو طعام ولا شيء سواه.
- متى تظن أن بإمكاننا الخروج من هنا؟
أتاه صوتها برجاء، فنظر إلى بعض العظام المكبلة في أطراف الغرفة التي تحد من حريته، وارتسمت على شفتيه ابتسامة بلهاء، وتكلم بكل ثقة:
- قريبًا... سنخرج قريبًا من هنا لا تقلقي... وإن لم أخرج أنا حياً، سأخرجكِ أنتِ من هنا... ستعودين لأحبتكِ... أعدكِ.
- أرجو أن يخرج كلانا... هناك من ينتظرك، أليس كذلك؟
استند إلى الحائط مفكرا، هل لا يزال أحدٌ ينتظر عودته، أم أن الجميع يأس من الفكرة.
- ربما يفعل أحد.
.
.أيا موطني ما بال حلمي...
بعودةٍ ولقياك يختفي...
يا ديار هل لنا نصيبٌ...
بضم للرفاق والأهلِ...
هل ترانا يا قلب نلتقي...
أم أنه حلم كان ويختفي...
.
."هل ترانا نلتقي... أم أنه كان حلم جميل يختفي"
أنت تقرأ
ربيع القبّار "مكتملة"
Фэнтезиحينما يكون الهلاك هو كلَّ متوقع ... ما من أمل للنجاة ... و لا مفر من مصير مكتوب ... حينها فقط ... الثقة فى الله وحده هى المنجدة ...