|4| قلبي ومُفتاحه

198 17 15
                                    

الفصل الرابع …. 

"عندما أبحرتْ سُفن الوداع، وغادرتُ موطني، واستنشقتُ هواءَ الغُربة المُحمَّل بذراتِ الحنينِ، علمتُ كيف أن أكون بدونِ هويَّة وموطِّن، أن أكون غريب عن كلّهم، أن اشتاق وأُحرمْ، أن أُحبُّ وأُمقتْ، أن أسأل ولا أُجاوبْ، والأهم.. أن أبكِ فتَبتسِم، كلّ مشاعري تتلخص في جُملةٍ واحدةٍ.. لقد انتهيتُ!"

- منة ياسر.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

جلست على فراشِها، وهيّ حزينة شاردة.. تبددت أحلامها فور وفاة والدها ولم تُحقق أيًّا منهم، تذكرت كيف كانت بارعة في الرسم، وكيف كانوا يمدحون رسمها، وينبهرون بجمالِ لوحاتها، كانت تضم ساقيها إلى صدرها وتُردد بهذيان :
– كلوا هيبقى كويس.. وهنرجع زي زمان.

كان تكرارها لتلك الكلمات ما هوّ إلّا تأكيدًا لها.. الأمور ستُصبح جيدة، الحياة ستبتسم، الألم سيزول، الجِراح ستُشفى، كلّ شيءٍ سيعود كما كان وأفضل!

قامت بخطوات مُرتجفة إلى الحاملة الخشبية التي تحوي لوحة بيضاء خشبية، جلست على المقعد المُقابل لها، وقامت برفع شعرها بإحدى أقلام التلوين، وأمسكت بقطعة دائرية من الخشب عليها ألوان مائية، أحضرت قلم رصاص للرسم، وقلم فحم، ثُم بدأت في إخراج حُزنها في لوحة جديدة.

تمنت لو كانت مُجرد لون يُدخل البهجة على القلبِ عند ذِكره، ويُعطي لكل رسمةٍ حياة.. رسمت قلب كبير وبداخله اثنان، وفوقهما القمر بتوهجه وبريقه، كانا فتاة وفتى، ويبدو وكأنه يحتضنها بعينيه، وهيّ تنظر له بألم، حيثُ تمدّ له يدها وترجوه أن يبقى، ويصر هوّ على الرحيل ومازال ينظُر لها.. احتواهم قلبٌ واحد، وكانا روحًا واحدة، وسارا في طريقٍ واحد.. والآن افترقا وصار كلًّا منهما واحد بدون ثانيه ومُكمِّلُه!

وعلى حين غُرَّة سقطت منها دمعة متوارية خلف ستار القوة، فمسحتها بيُمناها سريعًا، وهيّ تُغني بكلماتٍ قدّ كتبتها أمس :
– تـفـاصيل كتـيرة حِلمت بيها ولسَّه محققتهـاش.. نفسي تجاوبنـي إزاي يا عُمري عُمري في بُعدك يتعـاش؟

قاطعها ذلك الصوت الّذي أخذ يُردد جُملة قالها لها «ونَّس» في ذاك الحُلم ....
"بُكرة نار الشوق هتكوي جرح الحُبّ يا أميرة!"
كان يصيح بها قلبها المكسور لنصفين والّذي شعر وكأنه شُفى تمًامًا بعد سماعه تلك الكلمات.

انتهت من لوحتها، ثُم صورتها - كالعادة - وقامت بتنزيلها على حسابها على الإنستجرام، والتيك توك.. كان عدد المُتابعين قليل جدًا لا يتعدى المائة مُتابع، أغلقت هاتفها، وأغلقت معه جفونها، وذهبت في سباتٍ عميق ….
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الساعة السادسة والنصف صباحًا..
كان «ونَّس» يقف أمام سبورة متوسطة الحجم، ويُمسك بقلمٍ مُخصَّص للكتابةِ عليها (ماركر) ويقوم بشرح عدة أشياء لـ «نور» و «رمزي» اللذان يجلسان أمامه يضعان أيديهما اليُمنى أسفل وجنتيهما ويقاوما وحش النوم الّذي نهش رأسهما وافترس أعينهم، تأفف بضيقٍ، ثُم غمغم بانفعال :
– ركزوا مع أُمِّي أبوس إيد أمُّكوا!

 دعوِّة زِفاف (مُكتَملَة)   حيث تعيش القصص. اكتشف الآن