|5| في رِقّة الفراشة

200 23 19
                                    

الفصل الخامس ....

أحتاجَك كَيّ أَعبُر..
‏لَستُ ضَريرًا، ولَكِنِّي مِستَوحِش
‏وهَذا الدَرب مُعتِم.

‏- هاني نديم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الوقتُ في بُعدِك مُتجمدًا، العقارب ثابتة، الساعة ساعات، واليوم أيام، والعام أعوام.. غبتي عني سبعة أيام ومرَّت عليّ مرورِ القرن، لقد قالها أحدهم قبلًا :
"ويحمِلُني الحنينُ إليك طِفلًا
‏وقد سلبَ الزّمانُ الصّبرَ منّي
‏وكانَ العُمر في عَينيك أمنًا
‏وضاعَ الأمنُ حينَ رَحلت عنّي!"

مضى الأسبوع ببطءٍ شديدٍ على كلّ أبطالي، اتفقت "رِقّة" مع مُدير الشركة عندما ذهبت لتقابله مع ذلك العميل أن سفرها سيكون بعد أسبوع وها قد مضى وتلاشى سريعًا وهيّ الآن تُجهز حقيبة سفرها؛ ليقوم شقيقها بتوصيلها إلى المطار ....

دارت في غُرفتها بسعادة بالغة، لقد أوشكت على تحقيق حلم الطفولةِ، حزمت امتعتها، وقبل أن تُغلق الحقيبة وقع بصرها على صورة متوسطة الحجم موضوعة في إطار خشبي 'برواز' على سطح مكتبها، فسارت إليها ببطءٍ مُدمعة العينين، ثُم أمسكتها تُقبلها باشتياق شديد، فلقد كانت لها مع والدها ووالدتها وشقيقها الصغير.. كم تُحبهم! وكم سيمنعها البُعد عنهم!

وضعت الصورة في الحقيبة، ثُم أغلقتها وحملتها تتجه بها خارجًا، فوجدت والدتها تجلس على مقعد مُتحرك وتبكي بآسى، وشقيقها يُهدئ من روعها، ويحتضنها، ثُم يعود ليبكي معها.. مسحت دموعها، وذهبت إليهم تُغمغم بمرحٍ :
- إيه يا جماعة هو أنا هموت ولا إيه؟ ده أنا رايحة باريس خمسة سياحة.

ابتسم "رائد" بحُبٍ، وجذبها من ساعدها بقوة يأخُذها في عناقٍ كبير هامسًا :
- خايف عليكِ وفي نفس الوقت مش عايز أبقى عقبة في طليق (طريق) حلمك.. بس اللي عاوزك تبقي واثقة منه إن حُضني مفتوحلك طول الوقت، وحتّى لو مش معاكِ هحس بيكِ.. إنتِ مش أختي بَس إنتِ بنتي حتّى لو كنتِ أكبل (أكبر) منّي في وقت الجد هتلاقيني في ضهلك (ضهرك) ولمّا تغلطي هديكِ بأبو ولدة (وردة) ومش هعمل حساب لفلق (لفرق) السن بينا يا لقّتي (رِقّتي) متنسناش بقىَ إحنا بنحبك أوي ومحتاجينلك أوي.. متخليش المسافات تقطع العلاقات، ولو فَلقتي (فَرقتي) حُضني فأنا قولتلك قبل كدا إن مكانك في قلبي، فمتبعديش!

وضعت «رِقّة» يدها خلف رأسه وضمته إليها بقوةٍ، وهي تبكي وتنتحب، ثُم ابعدته وقبضت يدها تصدمها في صدره بمرحٍ مُردفة بتذمُّر طفولي :
- بس يا أوڤر ده هوّ إسبوع هبيع اللوحة وأرجع.. مش عايز أجبلك حاجة من باريس؟ مش عايز مثلًا مقطورة، تعمل عملية لعنيك وتفتح، ڤيلا في الساحل؟!

هزَّ رأسه رافضًا وهو يبتسم على مرحها، والدموع مُتجمدة في عينيه، فتقدَّمت من والدتها تُقبل جبينها ويديها، وتمتمت ببسمة :
- قولتلك قبل كدا إنّي قويّة.. السفر لوحدي هيكون بمُثابة تحدي جديد، وأنا هجتازه بكل صعوباته.. خلي بالك على نفسك عشان خاطري.

 دعوِّة زِفاف (مُكْتَمِلَة)  حيث تعيش القصص. اكتشف الآن