الفصْل الأوَّل

568 12 1
                                    


سَارَت الشَّابَّة فِي شَوارِع مُوسْكو بِموْقف هَادِف ، وَتَردَّد صدى خُطواتهَا فِي الشَّوارع الفارغة . كَانَت تَرتَدِي مَلابِس سَوْداء بِالْكامل ، وَتخفِي هُويَّتهَا حَتَّى فِي ظَلَام اللَّيْل . تمَّ رَبْط شِعْرهَا الأشْقر فِي كَعكَة ضَيقَة ، وَكشَف عن فَكهَا اَلقَوِي وملامحهَا الحادَّة . كَانَت اِمرأَة جَمِيلَة ، لَكِن تعْبيرهَا كان باردًا وَقاسِيا ، ولم يَكشِف عن أيِّ تَلمِيح لِلدِّفْء أو العاطفة .

كَانَت تسير بِجوٍّ مِن اَلهُدوء والثِّقة يَتَحدَّث عن اَلقُوة والسُّلْطة . حَتَّى فِي ظَلَام اللَّيْل ، كَانَت تَتَصرَّف بِوقار مَلكِي يَفرِض اِحتِرام كُلٍّ مِن رَآهَا . وَبَينمَا كَانَت تَتَنقَّل فِي الشَّوارع الصَّامتة ، لَم تُعْط أيَّ إِشارة إِلى هدفهَا أو وُجْهتِهَا ، وَكَان صدى خُطواتهَا يَتَردَّد خِلَال اللَّيْل الصَّامتِ .لَقد كَانَت اِمرأَة تَحمِل نفْسهَا بِقوَّة هَادِئة ، وَلكِن كان لَديْهَا أيْضًا مِيزَة قَاتِلة لَهَا .

سَارَت بِسرْعة فِي الشَّوارع المهْجورة ، خُطواتهَا خَفِيفَة وَلكِن هَادِفة . غَطَّى ظَلَام اللَّيْل شخْصيَّتهَا ، فَحجَب وَجهُها وأخْفى هُويَّتَهَا أَكثَر . كَانَت تَعرِف الشَّوارع جيِّدًا ، وَتَعرَّف كُلُّ زَاوِية وزقاق . وَبَينمَا كَانَت تَتَحرَّك ، كَانَت تُدْرِك اَلعُيون اَلتِي تُراقبهَا مِن الظِّلِّ ، لَكِنهَا لَم تدع ذَلِك يصْرفهَا . فقط بِضْع بِنايَات أُخرَى الآن ، وستكون هُنَاك .

كَانَت أَنيَا قد شَقَّت طريقَهَا عَبْر الشَّوارع ، وتسارعتْ وتيرتهَا مع اِقْترابهَا مِن وُجْهتِهَا . كَانَت تَتَنقَّل عَبْر المدينة لِساعَات ، عَابِرة الشَّوارع المهْجورة والْأزقَّة الفارغة . كان ظَلَام اللَّيْل بِمثابة غِطَاء لِحركتهَا ، ويحْميهَا مِن أَعيُن المتطفِّلين . فَفِي نِهاية المطَاف ، لَم تَكُن تُريد أن يَعرِف أحد هُويَّتِهَا ، أو أن يَعرِف إِلى أَيْن تَتجِه .

وَكمَا كَانَت تَتَوقَّع ، كان الأمْن فِي حَدِّه الأدْنى حَوْل اَلموْقِع . وَجدَت مَدْخَلا بِلَا حِراسة وانْسَلَّتْ إِلى الدَّاخل ، وَتَحركَت بِسرْعة عَبْر القاعة ذات الإضاءة الخافتة . كَانَت تَرتَدِي مَلابِس سَوْداء بِالْكامل ، وتمْتَزج بِشَكل مِثاليٍّ فِي الظِّلِّ أَثنَاء تَحركِها حَوْل المبْنى ، مُتَجنبَة أيْ اِتِّصال مع أَشخَاص آخرين . كَانَت تَعرِف المكَان جيِّدًا ، بَعْد أن اِسْتكْشفته مِن قَبْل ، لِذَلك عَرفَت بِالضَّبْط إِلى أَيْن تَذهَب .

شَقَّت طريقَهَا إِلى أَعلَى الدَّرج ، وكانتْ خُطواتهَا صَامِتة وَهِي تَتَحرَّك بِسهولة . كَانَت نظراتهَا مُرَكزَة ومكثَّفة ، مُسْتوْعبة كُلَّ مَا حوَّلهَا . عِنْدمَا وَصلَت إِلى الطَّابق اَلصحِيح ، وَجدَت اَلغُرفة اَلتِي كَانَت تَبحَث عَنهَا . جَربَت اَلمقْبِض بِعناية ، وَتَحققَت لِلتَّأَكُّد مِن أنَّ اَلْباب مَفتُوح قَبْل الدُّخول بِحَذر .

قلب موسكو الباردحيث تعيش القصص. اكتشف الآن