الفصل الثاني

44 3 5
                                    

سأستدعي تلك الفتاة الصغيرة ذات الاحدا عشر عاما لتروي لكم ما عشته في صغري، أو الأصح ما تعيشه هي الان....
فوق سريري الناعم المريح أحاول أن اكبح صداع رأسي و رغبة معدتي في التقيؤ أصبت بأنفلونزا موسمية ، صوت امي ينادي باسمي تطلب مني النزول و الذهاب لا
لإقتناء حاجة للمطبخ ، كان الوقت متأخرا قليلا بين المغرب و العشاء ذهبت وياليتني لم أفعل... التقيت بجارنا العجوز يبدو من تجاعيد وجهه و ضهره المنحني انه ناهز الستين لم أكن أحبه بصراحة بل كنت أشمئز منه ومن لعابه المتطاير كلما شرع في الحديث لكني كنت أتصرف معه باحترام لصداقته مع والدي، ألقيت التحية ثم هممت لصعود الدرج فإذا به يطلب مني مساعدته في حمل حاجياته شعرت بالغرابة فقد كان الكيس يبدو خفيفا و لا يحتوي الكثير  إلاّ انّي اذعنت له و هممت بمد يدي لمساعدته في اللحظة التي كنت أنتظر فيها إن يعطيني الكيس إذا به يمسك معصمي و يفرغ جلّ قواه بالضغط عليها شعرت باختلاط في الأحاسيس....غرابة ... خوف...اشمئزاز... وبدأت في التخطيط لما هو قادم.......
ضلّ ممسكا بيدي و يبتسم لي طردت كل الشكوك التي جالت إلى خاطري و اقتنعت بحجة أنه عجوز كبير يعاملني كابنته...ياليتني لم اقتنع ،ضلّ يسألني عن أحوال والدي ، و طمأنني اني لست في خطر عندما أرخى قبضته شعرت ببعض الأمان أكملت سيري مهرولة متجنبة اي تصادمات في الحديث إلاّ انه شدّني بقوة من معصمي و سحبني نحوه قام بضربي في جميع أنحاء جسدي .... دفعني نحو الحائط.... قام بشدّي من عنقي.... شعرت باختناق.... لا استطيع التنفس.... الصمت يخيّم على المكان إلاّ من نظراته نحوي المليئة بالشرر و الشهوة  تلك النظرات فقط كانت كفيلة بأن تجعل المكان مكتضا بالنسبة لي .... ضلّ يخنق... الأكسجين ينخض من رئتاي.... لم أعد أرى شيئا... الضباب يخيّم على عيني ... في لحظة شعوري بالاغماء ارخى قبضته ثم همّ بتقبيلي.... أفقت بسرعة من غيبوبتي... تجنبت كل تلك القبل المقرفة... قمت بركله في عضوه ممّا جعله يتلوَّى من الألم استغليت تلك الفرصة رحت أركض بسرعة على السلالم...اتمنى ان اصل الى المنزل قبل أن يلحق بي ، برغم من قِصَرِ المسافة الاّأن  السلالم بدت لي وكأنها تتحرك من تحت اقدامي و تضل تمتد إلى مالا نهاية شعرت بدوخة شديدة توقفت لاستعيد توازني.....لحق بي... شدني من شعري وقام بسحبي نحو الأعلى حاول ادخالي منزله بمجرد دخولي اليه شعرت أنها النهاية..... شعرت أنني إما سأموت ولن يتم دفني بل سترمى جثتي للكلاب بعد تمزيقها ،أو اني سأعيش مشردة حافية عارية لا مأوى ولا عائلة ولا شرف ...استسلمت...خارت قواي...أذعنت للأمر الواقع .... هاذا ما كتبه القدر على صفحة حياتي التي لم تبدأ بعد....أنتظر نهايتي أغمضت عيناي ...لم أعد أقاوم طرقه العنيفة في إفقادي للوعي...
في تلك اللحظة التي كاد فيها ان يلمس جسدي البريء سمعت صوتا كصوت فحيح الأفعى،  أو ربما كنت أتخيل
كان يقول:”ليست النهاية... قاومي...” لقد كان الصوت مرعبا لكنه بثّ بعض الأمل في روحي الصغيرة ، فتحت عيناي بسرعة قمت بضربه للمرة الثانية في منطقته الخاصة.... لا أعلم كيف غاب عن ذهني فكرة الصراخ انها أفضل وسيلة للدفاع لا أعلم حقا كيف نسيت أن لي حنجرة و فما حسنا لقد تذكرت في اللحظات الأخيرة... صرخت بأعلى صوت حتى جرحت حنجرتي،  ابتعد عني بسرعة.... لقد كان خائفا..... الصراخ قد افاد ...أليس هاذا الزمن عجيبا؟  أصبح الخوف يوقف الشهوات و يحدد المصائر ،لقد أصبحت حياتنا متعلقة بمشاعرنا .. حسنا حسنا ليس موضوعنا أعلم
نهضت وانا ألملم أشتاتي اهرول نحو منزلي دلفت نحوه دون أن أرد عن تساؤلات امي حول سبب تأخري .... دخلت الغرفة... رميت بجسدي فوق السرير... أشعر بغصة.... شريط ما حدث منذ قليل يتكرر بين ناظريّ ... لقد سقَطَت ... نجح في إسقاط دموعي.... نجح في كسري.... لم أبك قبل ذلك اليوم سوى بسبب ضياع حلواي أو أسباب أخرى اتفه منها .... ماهذا بحق الجحيم؟  أشعر بأني صرت أكبر من سنّي هذه أول مرة أبكي فيها بجدية دون أن يلحظ احد  . ضللت غارقة في بحر دموعي و الحمى تنهش في اضلُعي إلى أن غفوت أو ربما اغمي عليّ لا أعلم المهم انني لم أعد أشعر بشيء أو أرى أي شيء ...

عالمان حيث تعيش القصص. اكتشف الآن