حُكمُ التَّدخِينِ، والخَمرِ، والمُخدِّراتِ.

6 2 0
                                    

أوَّلًا: التَّدخينُ:
التَّدخِينُ يُمثِّلُ كارثةً صحِّيَّةً خطيرةً تُؤثِّرُ على الفردِ والمجتمعِ؛ لأنَّه يُسبِّبُ الوفاةَ، والإصابةَ بالأمراضِ الخطيرةِ القاتلةِ، وهو عادةٌ ذَميمةٌ يُقلِّدُ فيها الصِّغارُ الكبارَ.
وخطورةُ التَّدخينِ ليسَت قاصِرةً على المُدخِّنِ فقط، بل تَمتَدُّ لمَن حَولَهُ في البيتِ مِن الزَّوجةِ والأَولادِ، والتَّعرُّضُ للدُّخَانِ لا يَقِلُّ بأيِّ حالٍ مِن الأحوالِ عن الممارسةِ الفِعليَّةِ للتَّدخينِ، فهو يُؤدِّي إلى الإصابةِ بأمراضِ القلبِ، والرِّئةِ، ومَتاعِبِ الجهازِ التَّنفُّسيِّ.

حُكمُ الإسلامِ في تَناوُلِ الدُّخَانِ:

حرَّمَ الإسلامُ أن يَتناوَلَ المسلمُ مِن الأطعمةِ أو الأشربةِ شيئًا يَقتُلُه أو يَضُرُّه أو يُؤذيهِ، وقد قرَّرَ الفقهاءُ أنَّ ما يُؤدِّي إلى الضَّررِ ويُوقِعُ في المهالكِ فاجتنابُهُ واجبٌ، وفعلُهُ حرامٌ، قالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ: {وَلَا تَقتُلُوٓاْ أَنفُسَكُم إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ بِكُم رَحِيمًا}[النساء: ٢٩]، وقال:{وَلَا تُلقُواْ بِأَيدِيكُم إِلَى ٱلتَّهلُكَةِ}[البقرة: ١٩٥]. وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ.

والدُّخانُ -كما عَلِمتُم- قد ثَبَتَ عِلْميًا أنَّه ضارٌّ بالصِّحَّةِ ويُسبِّبُ الموتَ، وهذا ما تُسجِّلُهُ الشَّرِكاتُ الَّتي تَصنَعُ الدُّخَانَ، وتَكتُبُهُ صريحًا على عُلَبِ السَّجائِرِ؛ مِن هنا فإنَّ اجتنابَهُ واجبٌ، وتناوُلَه حرامٌ.

ولْتعلَمْ أنَّ الدُّخَانَ مِن الاشياءِ الحديثةِ الَّتي لن تكُم على عهدِ رسولِ اللهِ ﷺ، ولا الصحابةِ ولا التَّابعينَ؛ ولذلك لا تَجِدُ له ذِكرًا في كتبِ الحديثِ أو الفقهِ، وهل هو حرامٌ أو حلالٌ؟
ولكن لمَّا انتَهَتِ الأبحاثُ الطِّبِّيَّةُ الحديثةُ إلى أنَّ الدُّخَانَ مُؤذٍ وضارٌّ ومُهلِكٌ للصِّحَّةِ بكلِّ تأكيدٍ، وأُلزِمَتَ شَرِكاتُ الدُّخَانِ أَن تُبيِّنَ للنَّاسِ هذا الخطرَ وتَكتُبَهُ بعبارةٍ صريحةٍ على عُلَبِ السَّجائرِ؛ مِن هُنا فقط قالَ العُلماءُ:
إنَّ الدُّخَانَ حرامٌ، فجِهةُ الحُرمةِ هي الضَّررُ المُحقَّقُ على الإنسانِ، والحديثُ الشَّريفُ يقولُ: (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)

ثانيًا: الخمرُ:
الخمرُ: هي تلك المادَّةُ الكُحُولِّيَّةُ التي تُذهِبُ العقلَ، وكلُّ ما يُسكِرُ العقلَ ويُخرِجُهُ عن وَعيِهِ فهو خمرٌ، مَهْما وَضَعَ النَّاسُ لها مِن ألقابٍ وأسماءٍ؛ كَالبِيرَةِ، والمشروباتِ الرُّوحيَّةِ وغيرِها، يقولُ ﷺ: (كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ، وَكُلُّ خَمرٍ حَرَامٌ)².

واعلم أنَّه لا فرقَ في الحرمةِ بين المُسْكرِ الكثيرِ أوالقليلِ؛ للحديثِ الشَّريفِ: (مَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ، فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ)³ فزجاجةُ الخمرِ -أو أي نوعٍ من المسكراتِ- كلُّ قطرةٍ فيها حرامٌ شربُها، حتى ولو لم تبلُغْ حَدَّ الإسكارِ، وهي نَجِسةٌ قليلُها وكثيرُها.

لِمَ حرَّمَ الإسلامُ الخمرَ؟

لقد كرَّمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ الإنسانِ وميَّزَه وفضَّلَهُ عن سائرِ المخلوقاتِ بالعقلِ، قالَ اللهُ تَعالى: {وَلَقَد كَرَّمنَا بَنِىٓ ءَادَمَ وَحَمَلنَـٰهُم فىِ ٱلبَرِ وَٱلبَحرِ وَرَزَقنَـٰهُم مِّنَ ٱلطَّيِّبَـٰتِ وَفَضَّلنَـٰهُم عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّن خَلَقنَا تَفضِيلًا} [الإسراء: ٧٠]، ومِن أجلِ الحِفاظِ على العقلِ، حرَّمَ الإسلامُ كلَّ ما يُذهِبُه أو يُغيِّبُه، ومِن ذلك الخمرُ، قالَ اللهُ تَعالى: {يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا إِنَّمَا ٱلخَمرُ وَٱلمَيسِرُ وَٱلأَنصَابُ وَٱلأَزلَـٰمُ رِجسٌ مِّن عَمَلِ ٱلشَّيطَـٰنِ فَٱجتَنِبُوهُ لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ} [المائدة: ٩٠]، وقالَ رسولُ اللهِ ﷺ: (مَا أَسكَرَ كَثيرُهُ، فَقَليلُهُ حَرَامٌ)، ولَعَنَ ﷺ في الخمرِ أصنافـًا، فقالَ: (لَعَنَ اللهُ الخَمرَ، وشارِبَها، وَسَاقِيَها، ومُبتاعَهَا، وبائِعَهَا، وَعَاصِرَهَا، ومُعتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا، وَالمَحمُولَةَ إِلَيهِ)⁵.

ثالثًا: المُخدِّراتُ:
المُخدِّراتُ: مادَّةٌ تُسبِّبُ فُقدانَ الوَعيِ في الإنسانِ والحيوانِ، وتُسبِّبُ الهَلْوَسةَ والتَّخيُّلاتِ، وإذا تَعوَّدَ الشَّخصُ على تَناوُلِها صارَ مُدمِنًا؛ ومِن المُخدِّراتِ: المُورفين، والحشيشُ، والهيروين، والماكس تون فورت، والمُنوِّماتُ، والترامادول، والاستروكس، وغيرها.

الأخطارُ المترتِّبةُ على إدمانِ المخدِّراتِ:

الإدمانُ يَدفَعُ إلى ارتكابِ الجرائمِ؛ كالسَّـرقةِ، والكَذِبِ، والاختلاسِ، والقتلِ، ويُسبِّبُ نَقْصَ القُدرةِ على المعرفةِ، ويُؤدِّي كذلك إلى ضَعْفِ الذَّاكرةِ، واختلالِ الشُّعورِ بالزَّمنِ، والذُّهولِ عن الواقعِ، والفتورِ في الجسدِ، والهلاكِ في الصِّحَّةِ.

موقفُ الإسلامِ مِن المُخدِّراتِ والمُسكِراتِ:

مُدمِنُ المُخدِّراتِ خاسرٌ لِدِينِه، وخارجٌ عن طاعةِ ربِّهِ، ومُستحِقٌّ لغضبِ اللهِ وعذابهِ، ولقد نَهَى الإسلامُ عن كلِّ ما يُؤدِّي بالإنسانِ إلى التَّهلُكةِ أو قتلِ النَّفْسِ، قالَ ﷺ:  (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ).
وإذا كانت المخدِّراتِ تُدمِّرُ صِحَّةَ الإنسانِ، وتُسبِّبُ الأَمراضَ العُضوِيَّةَ والنَّفْسيَّةَ والاجتماعيَّةَ؛ فإنَّ تناوُلها -فَضْلًا عن إدمانِها- حَرَامٌ.

                                      ***
__________________
(١)أخرجه ابن ماجه في "السنن" (٢٣٤١) وأحمد في "مسنده" (٢٨٦٥)، وهو حديثٌ حسن.
(٢)أخرجه مسلم في "صحيحه" (٢٠٠٣).
(٣)أخرجه أبو داود في "سننه"(٣٦٨١) والترمذي في: "جامعه" (١٨٦٥) وقال عقبه: "حديثٌ حسنٌ غريبٌ"، وابن ماجه (٣٣٩٣).
(٤)معنى الأنْصابِ: الأصنامُ، ومعنى الأزلامِ: سهامٌ مكتوبٌ عليها: "افعل أو لا تفعل". وهي تُستخدمُ للتَّفاؤُلِ والتَّشاؤُمِ. "لسان العرب": ٤٧٨/١٢.
(٥)أخرجه أبو داود في "السنن" (٣٦٧٤) والترمذي في "جامعه" (١٢٩٥) وابن ماجه في "السنن" (٣٣٨٠).

🎉 لقد انتهيت من قراءة التَّدخِينِ، والخَمرِ، والمُخدِّراتِ. 🎉
التَّدخِينِ، والخَمرِ، والمُخدِّراتِ.حيث تعيش القصص. اكتشف الآن